الأزمة الاقتصادية تدفع بعض سكان لبنان إلى بيع كُلاهم.. جائحة كورونا وانفجار بيروت قصما ظهورهم

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/01 الساعة 17:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/01 الساعة 17:58 بتوقيت غرينتش
غضب في لبنان من تدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد - رويترز

قالت صحيفة The Times البريطانية، الخميس 30 سبتمبر/أيلول 2021، إن الفقر يدفع بعض المواطنين في لبنان إلى بيع كلاهم تحت وطأة تفاقم الانهيار الاقتصادي في البلاد بشكل غير مسبوق، خاصة في ظل جائحة فيروس كورونا والانفجار الضخم الذي دمر أجزاء من العاصمة بيروت في شهر أغسطس/آب 2020.

فقد أشارت الصحيفة إلى محنة لاجئين سوريين في لبنان اضطروا لبيع كُلاهم من أجل مساعدة أسرهم التي تتضور جوعاً.

هذا الأمر ألهم بعض اللبنانيين الذين يشكون ضيق العيش في ظل انهيار الوضع الاقتصادي.

في هذا الإطار، تحدثت الصحفية البريطانية أرشال فوهرا، وهي كاتبة التقرير، إلى اللاجئ السوري بشَّار جمعة أحمد الذي قالت إنه زار سبعة أطباء في محيط إقامته في شماليّ بيروت ليسأل عمَّا إذا كانوا سيساعدونه في العثور على متلقٍّ مستعد للدفع.

فيما أجرى أحمد، الذي يعمل طاهياً في وظيفةٍ منتظمة في مطعمٍ على جانب الطريق، الاختبارات اللازمة. وكان يرتدي قيمصاً أزرق وبنطلون جينز أسود، ويبدو شاباً في الرابعة والعشرين، في حين حَمَلَ دليلاً غريباً على أهليته، ألا وهو سجلٌ طبيّ يقول إن أعضاءه سليمة.

إذ نَشَرَ أحمد السجل الطبي بالفعل، بأسماء مستعارة لكن بأرقام هواتف حقيقية، على صفحةٍ على منصة فيسبوك، حيث يمكن لأشخاصٍ مثله الإعلان عمَّا يقدِّمونه.

أحمد قال لصحيفة The Times البريطانية، فيما كان جالساً في مقهى بالقرب من المطعم الذي يعمل فيه: "لديّ أربعة أشقاء ووالديّ المُسنان عالقون في تركيا. وأنا عالقٌ هنا. شاهدت على التلفزيون أن العديد من السوريين كانوا يبيعون كُلاهم لمساعدة أسرهم، وليس لديّ أيَّ أفكارٍ أخرى".

كان أحمد قد وصل إلى لبنان من عفرين، شماليّ سوريا، في العام 2011 في بداية الثورة السورية. وفرَّت عائلته إلى تركيا في العام 2014، بعد قصف منزلهم واختطاف والده وتعذيبه على أيدي مُسلَّحين مجهولين.

في حين يعاني والده من صدمةٍ شديدة إلى درجةٍ تمنعه من العمل، وتعاني والدته من مرضٍ مزمنٍ في القلب. ويعتمدان عليه في إعالتهما، وهو ما كان ملتزماً به حتى اندلعت الأزمة الاقتصادية في لبنان قبل عامين.

انخفاض قيمة الليرة اللبنانية

لكن مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 90%، انخفض راتبه حتى أصبح جزءاً صغيراً مِمَّا كان عليه في السابق، حتى مع زيادة عدد ساعات عمله، رغم أنه كان يفكر سابقاً في مستقبله وزواجه، وكانت لديه بعض النقود الفائضة.

تابع أحمد: "كنت أكسب 1700 دولار شهرياً في 2019 مقابل وردية عمل يومية مدتها ثماني ساعات، لكنني الآن بالكاد أكسب 300 دولار في 12 ساعة أو أكثر. قبل الأزمة هنا لم أفكِّر مُطلَقاً في مثل هذه الأشياء، ولكن الآن كلَّ ما أفكِّر فيه هو بيع كليتي".

من جهتها، قالت سيدة تدعى نعيمة محمد العلي إن زوجها هجر الأسرة، وإن المخيم الذي يعيشون فيه غير آمن للغاية؛ بحيث لا يمكن ترك بناتها وحدهن، مما ضغط على ابنيها المراهقين لكسب المال للأسرة، إذ كانت تخشى أن ينضما إلى عصابة مخدرات وأن يُعتقلا أو يُقتلا.

نعيمة تقول إنها سمعت في عيادة الطبيب نساء أخريات يناقشن بيع كُلاهن لإعالة أسرهن، وهي أيضاً تبحث عن مشترٍ، مضيفة: "ليس لديّ خيارٌ آخر. قبل الأزمة كانت المساعدات من الجيران والجمعيات الخيرية كافية لدعم الأسرة، ولكنها لم تعد كذلك".

فيما تابعت نعيمة: "الكلُّ يكافح حتى لم يعد لدى الجمعيات الخيرية ما تقدِّمه. منذ أن تدهورت العملة بشدة، صارت المساعدات التي نتلقَّاها لا تساوي شيئاً".

بدورها، قالت فريدة عونان، المنسِّقة في المنظمة الوطنية اللبنانية للتبرُّع بالأعضاء والأنسجة وزرعها، إنه على الرغم من أن اللاجئين السوريين يستفسرون منذ فترةٍ طويلة عن بيع الكُلى، فإن معظم المكالمات الآن تأتي من لبنانيين فقراء، موضحة أن ردها كان دائماً هو أن "بيع الأعضاء غير قانوني"، رغم أنها تتعاطف مع محنتهم.

عونان أشارت إلى أنهم جميعاً يدركون خطورة الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، وتدهور قيمة العملة، وعواقبه على الطبقة الوسطى، مستطردة: "الوضع هو نفسه بالنسبة للاجئين".

ظروف حياتية بائسة

بحسب صحيفة The Times البريطانية، يوجد في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري، وكانوا في أسفل السلم الاجتماعي منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمان، ولكن مع انهيار الاقتصاد، يُدفَع عددٌ أكبر بكثيرٍ إلى الفقر المُدقِع، مِمَّا أدَّى إلى تنامي التجارة غير المشروعة في الأعضاء البشرية. وطالما لم يُخدَعوا من قِبَلِ المتاجرين بالبشر، يتوقَّع المتبرِّعون ما بين 6 آلاف و10 آلاف دولار للكلية.

يشار إلى أن الأمم المتحدة كانت قد أجرت سابقاً دراسة، وخلصت فيها إلى أن نسبة الأسر السورية اللاجئة التي تعيش تحت خط الفقر الشديد في لبنان- الذي يساوي 25 دولاراً في الشهر لكل فرد تقريباً وفقاً لتقديرات السوق السوداء الحالية- ارتفعت من 55% في عام 2019 لتصل إلى 89% في عام 2020.

ترى الأمم المتحدة أن وجود مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين، في بلد صغير يكافح من أجل الحفاظ على توازنه الديموغرافي الدقيق واستعادة نموه الاقتصادي، يؤثر بشكل متزايد على مساحة الحماية وعلى الدعوات والإجراءات الموجهة نحو العودة السريعة للاجئين إلى سوريا.

كما أن وجود ضغط على البنية التحتية والخدمات والبيئة، إضافة إلى التنافس على فرص العمل، مما يشكل تحدياً لقدرة التحمل وكرم الضيافة الذي تبديه المجتمعات المضيفة، التي يعيش فيها اللاجئون على نحو مبعثر، ويؤثر سلباً على العلاقات بين المجتمعات المحلية والاستقرار الاجتماعي.

تحميل المزيد