قبل موعد استجواب النائب الحالي ووزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، الذي كان مقرّراً في 1 أكتوبر/تشرين الأول القادم، لجأ محامي المشنوق، نعوم فرح، لتقديم طلب الرّد إلى محكمة الاستئناف كي تكف يد القاضي طارق البيطار، المحقّق العدلي بقضية تفجير مرفأ بيروت، عن التحقيقات بتهمة الارتياب المشروع.
وفور تبليغ القاضي بيطار يوم الإثنين 27 سبتمبر/أيلول 2021، بأمر الطلب، توقّف عمل القاضي تلقائيّاً وألغيت التحقيقات والجلسات التي كانت مقرّرة إلى أجل غير مسمّى، أي إلى حين بتّ محكمة الاستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا بالموضوع ومن ثمّ إصدار الحكم من قبل محكمة التمييز.
ما المقصود بطلب الرّد؟
قانونياً، فور تبليغ القاضي المختصّ بطلب الرّد، يتوقف عمله عن الملف بشكل مؤقّت إلى حين إصدار حكم من قبل محكمة الاستئناف. هنا يوضّح مدّعي عام التمييز القاضي حاتم ماضي أنّه ليس هناك أي مدّة معيّنة أو مهلة محدّدة لإصدار الحكم.
كما يحقّ لكل مدّعى عليه، إذا شعر بارتياب ما من قبل القاضي، أن يقدّم طلب الرّد بحكم الارتياب المشروع شرط توافر أدلّة تثبت ذلك.
وبحسب المشنوق، فإنّ الارتياب هو التعاطف مع أهالي الضحايا واتهام القاضي بيطار بأنّه مسيّس ويوجّه أصابع الاتهام للطائفة السنيّة، خصوصاً بعد استدعائه رئيس مجلس الوزراء السابق حسّان دياب.
وبحسب المحامي علي عبّاس، فهناك مهلة 3 أيام أمام القاضي بيطار والمدّعى عليهم للردّ على هذا الطلب ووضع الأدلّة التي تثبت بطالة طلب الرّد من جهة القاضي، وأحقيّته من قبل المدّعى عليهم.
وفوْر الانتهاء من هذه الخطوة، تحال الدعوى إلى محكمة الاستئناف، ويؤكّد المحامي علي عبّاس لـ"عربي بوست" أنه لا يوجد أي نص قانوني يلزم القاضي إيليا بمهلة معيّنة لإصدار القرار لتسريع عملية التحقيق.
محكمة الاستئناف.. المكان الخطأ
يلفت القاضي ماضي إلى أنّ محكمة الاستئناف ليست المكان الصحيح لتقديم دعوى طلب الرّد، إذ ليست هي المحكمة المختصّة، وبالتّالي يجب على الدعوى أن تردّ شكلاً لأنّه، وبحسب ماضي، لا يحق للمحكمة أن توقّف الدعوى أو تصدر أي قرار في هذا الموضوع لأن القانون لا يسمح بذلك، وبالتّالي يعتبر طلب الرّد غير مقبول.
وأضاف ماضي لـ"عربي بوست" أن هذه الدعوى تموت بأرضها، ولا يحق لها أن تقلع القاضي بيطار من منصبه، كما أشار الى أنّها تشبه الدعوى التي قدّمت عام 2007 متعلّقة أيضاً بالارتياب المشروع وكان الموضوع قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ولكنّ ردّت شكلاً واستكملت التحقيقات بشكل طبيعي.
أمّا إذّا قرّر القاضي إيليا عدم ردّ الدعوى شكلاً، فيعتقد ماضي أنّ ذلك سيشكّل فضيحة للقضاء اللبناني، لأنها ببساطة مخالفة للقانون.
السيناريوهات المتوقّعة
عقب انتهاء مهلة القاضي بيطار والمدّعى عليهم بإعادة النظر في طلب الرّد، تصبح القضية في عهدة محكمة الاستئناف برئاسة نسيب إيليا.
وسرد المحامي علي عبّاس لـ"عربي بوست" ثلاثة سيناريوهات متوقّعة:
أوّلا، يرد الطلب شكلاً وبالتّالي يستأنف التحقيق مجدّداً، وتحدّد الجلسات تباعاً، ويستكمل القاضي بيطار عمله وكأنّ شيئاً لم يكن، ويرجّح عبّاس هذه الخطوة كونه يتّفق مع القاضي ماضي أنّ هذه ليست المحكمة المختصّة.
ثانياً، من الممكن أن تقبل محكمة الاستئناف الدعوى شكلاً، ولكن تردها بسبب عدم وجود أسباب الارتياب، وبالتّالي تحوّل إلى المحكمة المختصّة كي تصدر قرارها النهائي، وإمّا يسير القاضي في عمله أو يتراجع.
والحالة الثالثة والأخيرة تتمثّل بقبول الدعوى شكلاً، ويقرّر أن الارتياب المشروع حاضر، وهنا برأي عبّاس الخطوة الأخطر، إذ سيعود التحقيق إلى نقطة الصفر ويستبعد القاضي بيطار.
والاستبعاد يعني البحث عن أسماء جديدة وتعيين قاض جديد من قبل وزارة العدل، ومن ثمّ الموافقة عليه من جانب المجلس الأعلى للقضاء.
وأشار عبّاس إلى أنّه في حال اتخذت الخطوة الأخيرة، فعلى القاضي الجديد إعادة النظر في ملف التحقيقات التي أجراها البيطار وتحديد موعد جلسات جديدة.
كما أنّ السبب الرئيسي وراء الدعوى المقدّمة من قبل وكيل المشنوق هو تضييع الوقت إلى حين انعقاد جلسة مجلس النوّاب بشكل دوري، أي غير استثنائي، المقرّرة في 19 أكتوبر/تشرين الأول، وبالتّالي عودة التحلّي بسلاح الحصانات أي لا يستطيع القاضي استدعاءهم إلا بموافقة مجلس النوّاب الذي يجب أنّ يرفع الحصانات عن المستدعين.
وهنا، يحثّ عبّاس على أهمية الضغط على محكمة الاستئناف من أجل إصدار القرار بشكل فوري وسريع وقبل موعد انعقاد هذه الجلسة كي يحضر كل متّهم إلى التحقيق.
الفرق بين صوّان والبيطار
قبل تعيين القاضي بيطار، كان القاضي فادي صوّان المحقّق العدلي في قضية المرفأ، لكن وبعد استدعائه لعدد من الوزراء، قاموا أيضاً بتقديم دعوى ارتياب مشروع بحقّه، وكانت التّهمة الأساسية أنّ منزله تضرّر من الانفجار، وبالتّالي لن يكون منصفاً وحياديّاً وسيحكم لصالح أهالي الضحايا.
والنقطة الثانية كانت أنّ البيطار صرّح بموقفه للإعلام وبالتّالي ليس أهلاً لاستكمال التحقيق. وما حصل هو أنّ القاضي بيطار قدّم استقالته، ليعيّن طارق البيطار مكانه.
اليوم، يتحجّج المدّعى عليهم بأن القاضي بيطار التقى أهالي الضحايا، وبالتّالي سيكون متحيّزاً لقضيتهم. إلا أن المحامي عبّاس يوضّح أن ما قام به البيطار طبيعي جدّاً ولا يعتبر ارتياباً، لأنّه لم يلتقِ بمحامين عنهم، بل استمع إلى صرختهم، على حد قوله.
كما أنّ القاضي بيطار لم يقم بأي إطلالة إعلامية ولم يصدر أي تصريح يوضّح فيه مسار التحقيقات.
وبالتّالي، يعتبر عبّاس أن هذه الدعوى ليست بمكانها ويجب أن ترد شكلاً دون أي مماطلة، لأن ذلك سيقتل الضحايا مرة أخرى، مشدّداً على أنّ التاريخ لن يرحم، ومؤكّداً أن المتّهم قد يهرب من التحقيق.
تهديد وفيق صفا
وكان مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا وجه تهديداً للقاضي بيطار قائلاً له إنّه في حال استمرّ بهذه الوتيرة في التحقيقات، سيقلعه. أمّا السؤال الذي طرح هو الآتي: لما لم يدّعِ القاضي بيطار على صفا؟
فكان جواب عبّاس أنّه يجب على النيابة العامّة التمييزية الإقدام على هذه الخطوة كونها علمت وتبلّغت بهذا التهديد، وهي مسؤولة عن الحقّ العام.
أمّا البيطار، فيعتقد عبّاس أنّه تعالى عن الموضوع كي لا يقع في فخّ الارتياب المشروع، فتكون حجّة الطرف الآخر أنّ القاضي رفع عليهم دعوى، وبالتّالي أصبح عدوّاً لهم، ما يعني ارتياباً مشروعاً وتثبيت التهمة على البيطار.
وكشف عبّاس لـ"عربي بوست" أنّه بصدد تقديم بلاغ لدى النيابة العامّة التمييزيّة حول تهديد صفا للبيطار وعدم تحرّكها حيال هذا الموضوع، مؤكّدًا أنّه في حال لم تتحرّك يعني ذلك انحلال المؤسّسات القضائية في لبنان.
الحزب والسياسة والقضاء
يؤكد مصدر سياسي لـ"عربي بوست" أنّ "الردّ" و"الارتياب" لن يتوقفا فقط عند الدعاوى المقدمة من قبل الوزيرين المدعى عليهما نهاد المشنوق ويوسف فنيانوس، بل إنّ رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر المدعى عليهم أيضاً، سيلجأون تباعاً إلى تقديم دعاوى الردّ والارتياب. وهو ما يعني أنّ عمل المحقق العدلي سيكون عرضة لعرقلة مستمرة ودائمة.
ويرى المصدر أن تهديد حزب الله للقاضي بيطار لا يأتي فقط في سياق الدفاع عن حلفاء حزب الله، والذي تجاوز القاضي بيطار في استدعائهم الخطوط الحمر. هو، أولاً وأخيراً، دفاع عن حزب الله بشكل خاص.
ويرى المصدر أنه كان المطلوب من القاضي بيطار أن يجري "مهزلة قضائية"، تنتهي بعدم ثبوت أي تهمة وببراءة كل المتهمين وتحميلها لكبش فداء، واعتبار أن الانفجار خطأ بشري، لا يتحمل مسؤوليته أي مسؤول. لكن البيطار خالف المتبع وفق الأداء القضائي اللبناني وجمع العناصر والخيوط التي قد يؤدي استكمالها إلى الإشارة إلى المجرمين الحقيقيين بجريمة المرفأ.
ويختم المصدر بالقول إن حزب الله بات يدرك أن محاسبة طرف ستؤدي إلى فتح أبواب المحاسبة الشاملة لكل متورط وصولاً لصاحب نترات الأمونيوم -الذي هو حزب الله والنظام السوري- وأن السبحة قد تكر لمحاسبة آخرين، هو على رأسهم.
في ضوء ذلك، يغدو منع المحاسبة الأساس حتى لا يسقط رأس الحزب. وهو أمر، على استحالته، لا يقبل الحزب حتى مجرد التفكير به.
مصدر قضائي لـ"عربي بوست": الملف بات سياسياً
وفي موازاة كل ذلك، يؤكد مصدر قضائي لـ"عربي بوست" أنه من الواضح أنّ ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بات ملفاً سياسياً غير قابل للحلّ، في بلد يعيش على الحاضنات الطائفية.
ويرى المصدر أن التحقيق بات في أدراج القضاء ولا يمكن أن يخرج منها، وفي هذه الحالة، يكون مصير التحقيق ومصير المحقق العدلي ومصير أهالي آلاف الضحايا والمتضررين والمنكوبين فعلياً ومادياً ونفسياً أنه ممنوع إظهار مسؤولية الطبقة الحاكمة وأركانها عن هذا الانفجار.