أثارت العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة والمفاجئة اليومين الماضيين، والتي نفذت في خمس مناطق فلسطينية في الضفة الغربية بالتزامن، تحت عنوان "حملة لتفكيك خلايا حماس العسكرية"، العديد من الأسئلة من قبيل: ماذا يحدث؟ وهل انتقلت الضفة إلى حالة ميدانية جديدة؟
لمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، لابد من استعراض تطور المشهد الميداني في الضفة الغربية بالفترة الأخيرة.
فبعد تراجع العمل المسلح لسنوات، إثر تلقي التنظيمات الفلسطينية العسكرية ضربة قوية في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لعموم الضفة عام 2002، اتّسم الميدان في السنوات الماضية بالعمليات الفردية والخلايا المحلية (غير المنظمة) وبعض الخلايا المنظمة التي سُرعان ما يتم الكشف عنها وإحباط عملها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ولذلك، اتخذ الميدان في السنوات الأخيرة شكل "الموجة"، أي تشهد الضفة تصعيداً ميدانياً حيناً، ثم تهدأ حيناً آخر.
لكن مزاعم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن حملة ضد "خلايا لحماس كادت تنفذ هجمات ضخمة توازي قوتها ما جرى في مطلع الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000″، أظهر أن الحديث يدور عن أكثر من خلية وفي منطقتين متباعدتين نسبياً، هما (جنين وشمال غرب القدس) بموازاة مراقبة خلايا أخرى في الخليل. وهو ما دفع إلى السؤال عما إذا كانت الضفة متجهة إلى حالة ميدانية جديدة، عنوانها استفاقة الفصائل مجدداً؟
إسرائيل تتخوف من الحاضنة الشعبية للمقاومة
عزز التساؤل سالف الذكر، توسُّع دائرة التصدي بالرصاص الحي والقنابل اليدوية للقوات الإسرائيلية المقتحمة للمناطق الفلسطينية، وبشكل أكبر في جنين، ثم امتدادها إلى مناطق أخرى مثل نابلس.
الواقع، أن ثمة فرقاً نسبياً بين المسلحين الذين يتصدون بسلاحهم لقوات الاحتلال المقتحمة، وبين خلايا "حماس" التي تتحدث عنها إسرائيل، كما يؤكد مصدر من كتائب الأقصى الذراع العسكرية لحركة "فتح" في حديثه لـ "عربي بوست".
وأضاف أن العَسْكَرَة في التصدي للاحتلال يأتي في إطار "دفاعي".. ولا يوجد قرار لديها حتى اللحظة بالتحول نحو تنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي، على غرار ما جرى في الانتفاضة الثانية؛ لأسباب ظرفية ميدانية وسياسية عديدة.
لكنّ الخوف الإسرائيلي هو أن تتحول هذه الحالة المقلقة من التصدي المُسلّح لاقتحامات الاحتلال، إلى بيئة حاضنة لنهج الخلايا التي تخطط لعمليات كبيرة. وهو ما دفع إلى تنفيذ عمليات استباقية لخلايا محسوبة على حماس.
معيقات أمام نشاط حماس العسكري بالضفة
بدوره، قال مصدر من "حماس" إنّ توفر الحاضنة الشعبية للمقاومة هو الذي من شأنه أن يسهل استعادة الحركة نشاطها العسكري؛ لأن ذلك سيشكل صعوبة أكبر أمام إسرائيل وأيضاً السلطة الفلسطينية في مواجهة الحركة.
لذلك، يقر المصدر أن انعدام الحاضنة الشعبية الكاملة إضافة إلى الانقسام، وعدم سماح أجهزة الأمن الفلسطيني لأي نشاط عسكري للحركة، كلها عوامل قادت إلى سهولة الكشف عن محاولات الحركة لتشكيل خلايا عسكرية في السنوات الماضية.
لكنّ مصدر حماس أكد لـ "عربي بوست"، على لسان القيادي فيها حماد الرقب، مواصلة المقاومة، وأن "الضفة الغربية ستبقى خزاناً كبيراً للمقاومة مهما فعل العدو. وإن كانت إمكانياته أكبر، فإن إرادتنا أقوى".
الحال، أنه ليس سراً أن السلطة الفلسطينية تقلق من أي نشاط عسكري لحماس في الضفة، حتى أنّ سلسلة العقوبات التي نفذها رئيس السلطة محمود عباس ضد قطاع غزة قبل سنتين، لم تكن بسبب الانقسام كما رُوّج، وإنما بناءً على توصيات من أمن السلطة لرئيسها محمود عباس؛ رداً على عمليات إطلاق نار نفذها الأخوان عاصم وصالح البرغوثي حينها، بضرورة اتخاذ قرار العقوبات لإرباك "حماس" في غزة، والقول لها "خط أحمر أن يكون لها نشاط عسكري بالضفة".
وهو ما أكده مصدر مسؤول بالسلطة الفلسطينية لـ "عربي بوست"، قائلاً: "الانقسام أصبح واقعاً عمره أكثر من عقد، لكن لا نريد تكرار سيناريو الانتفاضة الثانية حينما زادت قدرة حماس عسكرياً، والنتيجة سيطرتها على غزة".
وفي السياق، أعادت السلطة الفلسطينية رفع مستوى التنسيق الأمني، حينما خفضته مدة شهرين غضباً من استمرار اسرائيل في سياسة إضعافها، بعد وصول تحذير أمني اسرائيلي للسلطة بضرورة عودته كما كان؛ نظراً لمحاولات حماس إعادة نشاطها.
فقد كانت هذه المخاوف هي الدافع الأساس لعودة التنسيق إلى طبيعته، كما أفاد مصدر سياسي في رام الله لـ "عربي بوست".
كما أن الإعلام الإسرائيلي، كشف على مدار سنوات، عن العديد من الخلايا لحركة حماس في الضفة في سياق تعاون مشترك بين السلطة وإسرائيل، إحداها بحجة محاولة تنفيذ عملية اغتيال محمود عباس، وأخرى كانت تنوي تفجير مقار للسلطة، حسب مزاعم الإعلام العبري، نقلاً عن جهات أمنية في تل أبيب في ذلك الوقت.
واقع جديد في الضفة الغربية
الواقع، أن ثمة حالة ميدانية جديدة في الضفة لا يُمكن إغماض العين عنها لا من قبل إسرائيل ولا السلطة الفلسطينية؛ لأنها مستمرة ولا تنتهي لمجرد عملية اغتيال أو اعتقال تنفذها قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى، وبغض النظر عن اتسام الميدان بالترنح بين الهدوء حيناً والانفجار حيناً آخر، بحسب ما أشار مراقبون.
يعود ذلك إلى عاملين رئيسيين؛ أبرزهما ظهور جيل جديد من الفلسطينيين كانوا أطفالاً بالانتفاضة الثانية ثم أصبحوا الآن مقاومين مسلحين، مصممون على المقاومة.
يتميز هذا الجيل -بحسب محللين للشأن الفلسطيني- بأنه أشد عنفواناً، خصوصاً كونه قد كفر بنهج السلطة الفلسطينية وفشلها في تحقيق العدالة للمجتمع الفلسطيني، وعدم قدرتها على إقناع هذا الجيل بصدقية ما تقوم به السلطة سياسياً وأمنياً وخدماتياً.
وقد ثبت قوة هذا الجيل الجديد وعناده في خضم "هبة الأقصى" التي شهدناها قبل أشهر قليلة ووثقتها الفيديوهات المختلفة. ولعل هذا أمر تدركه المستويات الأمنية الإسرائيلية وحتى الفلسطينية، ما يدفعها للتعامل بحذر لمواجهة هذه الحالة خشية فقدان السيطرة، بموازاة العمل على تحسين الواقع الاقتصادي للفلسطينيين بالتعاون مع السلطة، عبر منح جملة من "التسهيلات" علّها تسهم في تقليل حجم الغضب لدى هذا الجيل.
أما العامل الثاني الذي يدفع باتجاه حالة ميدانية جديدة بالضفة، هو انعدام الأفق السياسي والإحباط في خضم التغول الاستيطاني والاستعماري، وما نجم عنه من عودة بعض رجالات فتح الميدانية خاصة بالمخيمات، إلى حمل السلاح ضد قوات الاحتلال، وخلق حالة من التعاون مع مسلحين من مختلف الفصائل، وهو تعاون يتم استعادته بعد غيابه طويلاً؛ لأسباب متعلقة بالإنقسام وأخرى لوجستية وأمنية فرضها الاحتلال.
ولمس "عربي بوست" حجم الإصرار لدى المسلحين في جنين ومخيم بلاطة على مواجهة الاحتلال، حتى لو انتهى الأمر باستشهادهم، قائلين: "لم يعد هذا السلاح للاحتفالات والاستعراض في الأعراس"، على حد تعبيرهم.
حملة إسرائيل ضد "خلايا حماس" مرتبطة بخلافة عباس؟
في السياق، اعتبر مصدر سياسي فلسطيني، مقيم في أراضي 48، ومطلع على الأوضاع الأمنية الإسرائيلية، لـ "عربي بوست"، أن الحملة التي تشنها إسرائيل على حماس في الضفة، هي تمهيد لخلافة محمود عباس، خاصة وأن هناك مؤشرات في إسرائيل حول قرب انتهاء فترته لسبب أو آخر.
وهو ما يضاعف الجهد الأمني الإسرائيلي لتوجه ضربات عسكرية ضد أي بنية للحركة في الضفة؛ بغرض الحيلولة دون سيطرة حماس على الضفة كما حدث بغزة.
وربط المصدر هذه الحملة الإسرائيلية ضد "خلايا حماس"، بزيارة وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس إلى رام الله للقاء رئيس السلطة محمود عباس مؤخراً، مشيراً إلى أنّ بعض أهداف الزيارة هو إخبار عباس بمخطط إسرائيل لشن الحملة ضد كوادر حماس لتنامي خطورتها على السلطة.
وتقدر إسرائيل بأن قدرة "حماس" السياسية أكبر من تلك العسكرية في الضفة الغربية، نظراً للفجوة بين الشارع والسلطة، كما يعتقد الباحث الإسرائيلي مردخاي كيدار في حديث إذاعي له، موضحاً أنه لهذا السبب، فإن السلطة الفلسطينية تتولى مهمة مواجهة حماس سياسياً، بينما تتولى إسرائيل مهمة مواجهتها عسكرياً.