كشفت صحيفة The Guardian البريطانية الأحد 26 سبتمبر/أيلول 2021 أن الحكومة البريطانية قد تلجأ إلى استقدام مئات الجنود من الجيش لإيصال الوقود إلى محطات البنزين التي بدأت تعاني نضوباً في إمداداتها في جميع أنحاء البلاد، بفعل هلع الإقبال على شراء البنزين والنقص الحاد في سائقي شاحنات البضائع الثقيلة، وذلك تبعاً لخطة طوارئ يُتوقع أن ينظر فيها رئيس الوزراء بوريس جونسون يوم الإثنين 27 سبتمبر/أيلول.
ومن المقرر أن يجتمع رئيس الوزراء البريطاني مع كبار وزرائه ومسؤوليه للتدقيق في الخطط الموضوعة بشأن "العملية إسكالين"، بعد أن أعلنت شركة النفط البريطانية "بريتيش بتروليوم" BP أن ثلث محطات الوقود التابعة لها قد نفد منها درجتان رئيسيتان من البنزين، في حين أن "جمعية تجار بيع البنزين بالتجزئة" (PRA)، التي تمثل نحو 5500 منفذ بيع مستقل للبنزين، قالت إن 50% إلى 90% من أعضائها قد أفادوا بنفاد إمدادات الوقود لديهم، وتوقعت بأن يتبعهم الباقي قريباً.
وأدت التطورات الأخيرة إلى تزايد المخاوف من أن تكون المملكة المتحدة متجهة إلى أزمة شبيهة بما يُعرف بـ"شتاء السخط" الذي شهدته البلاد في سبعينيات القرن الماضي، عندما شحَّت إمدادات الوقود في أنحاء البلاد بفعل الإضرابات، وهي أوضاع تشابهت بدايتها مع ما يحدث الآن، حيث تتصاعد التحذيرات من أن محطات الوقود قد تعاني نقصاً غير معتاد في إمداداتها خلال الفترة التي تسبق عطلات عيد الميلاد.
في محاولة لمنع الأزمة من التفاقم أكثر من ذلك، عقدت مجموعة من الوزراء، منهم وزير الأعمال البريطاني كواسي كوارتنغ ووزير النقل غرانت شابس ووزيرة الداخلية بريتي باتيل، اجتماعاً ظهر يوم الأحد 26 سبتمبر/أيلول لمناقشة الخيارات المتاحة للحكومة لحل الأزمة، والتي شملت "العملية إسكالين".
الصحيفة قالت إن الخطة المشار إليها كانت قد وُضعت قبل سنوات أثناء التخطيط لاحتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وتتضمن استقدام مئات الجنود لقيادة أسطول احتياطي مكون من 80 ناقلة من شاحنات النقل الثقيلة.
وبحسب ما ورد، فإن تنفيذ الخطة بالكامل يستغرق نحو ثلاثة أسابيع. وقد شاعت الأسبوع الماضي أحاديث عن الاستعانة بالخطة، لكن مصادر حكومية قللت من فرصة تفعيلها.
كما أنه من المفترض أن تُعرض الخطة إسكالين ومقترحات أخرى على جونسون بعد ظهر يوم الإثنين 27 سبتمبر/أيلول، في اجتماع يُتوقع أيضاً أن يناقش فيه الوزراء حلولاً أعجل لمحاولة طمأنة الناس ووضع حدٍّ لمستويات الشراء العالية حالياً بدافع الذعر.
ويأتي ذلك في وقت أبدى فيه الوزراء قدراً من الامتعاض لأنهم يعتقدون أن أزمة نقص الوقود كانت ستصبح أهون كثيراً لو تصرف الجمهور بطريقة طبيعية، وما كان لنقص سائقي الشاحنات الثقيلة أن يكون له هذا التأثير، لكن التقارير الإعلامية دفعت الناس إلى التدافع والاصطفاف في طوابير على محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد، وقد أشارت جمعية تجار بيع البنزين بالتجزئة إلى أن الطلب في إحدى محطات الخدمة قد ارتفع بنسبة 500% يوم السبت مقارنة بالأسبوع الماضي.
فيما ذهب أحد المصادر إلى أن المستوى العالي من نقص الوقود قد يستمر لخمسة أيام أخرى على الأقل، ويمكن أن يستمر لفترة أطول إذا لم يتراجع الناس عن سلوكهم الحالي.
خطة بريطانية للخروج من الأزمة
يأتي هذا في وقت تعتزم الحكومة البريطانية تخفيف شروط منح التأشيرات بصورة مؤقتة، بهدف جذب مزيد من سائقي الحافلات الأجانب، كحل لمواجهة مشكلات متزايدة سببها نقص عدد السائقين، ما يؤدي إلى نقص في إمدادات الوقود بالمملكة التي تواجه أزمة حالياً.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن نقص عدد سائقي صهاريج الوقود أدى إلى تشكّل طوابير كبيرة أمام المحطات في الأيام الأخيرة، في وقت تجاهل المواطنون دعوات الحكومة لهم بعدم التهافت على شراء البنزين، بعد أن أغلقت بعض المحطات أبوابها بسبب نقص الإمدادات.
السلطات البريطانية قد تصدر ما يصل إلى 5000 تأشيرة مؤقتة، بموجب برنامج قصير الأمد، وفق تقارير إعلامية، وسط نقص في عدد سائقي الشاحنات الثقيلة يقدر بنحو 100 ألف سائق.
من شأن ذلك القرار أن يمثّل تراجعاً في موقف رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي شدّدت حكومته قوانين الهجرة في مرحلة ما بعد بريكست (خروح بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وأكّدت مراراً أنّ اعتماد بريطانيا على العمالة الأجنبية يجب أن يتوقّف.
هذا التحول بموقف جونسون سببه تعرضه لضغوط متزايدة من أجل التحرّك، بعدما تضافرت تداعيات الجائحة وبريكست لتُفاقِم أزمة نقص عدد السائقين، إضافة لأزمات أخرى منها ارتفاع أسعار الطاقة.
علاوة على تهديد إمدادات الوقود فإنّ النقص في عدد سائقي الشاحنات تسبب في عرقلة عمليات تسليم المواد الغذائية وسلع أخرى.
على إثر ذلك بات البريطانيون يشهدون امتداداً لصفوف السيارات المنتظرة أمام محطّات الوقود، وخصوصاً في جنوب شرق إنجلترا.
مكتب جونسون أكد في ساعة متأخّرة من يوم الجمعة الفائت أنّ الحكومة "تدرس تدابير مؤقتة لتجنّب أي مشكلات فورية"، وقال متحدّث باسم مكتب رئاسة الوزراء إنّ أي تدابير ستكون "خاضعة لجدول زمني صارم"، مشدّداً في الوقت نفسه على وجود "مخزونات كافية من الوقود"، وأنّه "ليس هناك نقص في الكميات".
غير أنّ السائقين لم يطمئنوا على ما يبدو أمس الأول السبت، في وقت عادت الطوابير تتشكّل أمام المحطات.