نقلت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير نشرته الخميس 23 سبتمبر/أيلول 2021، عن موقع التحقيقات Mediapart الفرنسي، الذي استند إلى تقارير استخباراتية سرية، أنه عُثِرَ على آثارٍ لبرنامج التجسُّس بيغاسوس على الهواتف المحمولة لما لا يقل عن خمسة وزراء حاليين في الحكومة الفرنسية.
تأتي هذه المزاعم بعد شهرين من كشف "مشروع بيغاسوس"، وهو مشروعٌ استقصائي يجريه اتحادٌ إعلامي يضم صحيفة The Guardian البريطانية، عن ظهور أرقام هواتف بعض كبار المسؤولين الفرنسيين، ومن ضمنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومعظم أعضاء حكومته المُكوَّنة من 20 وزيراً، في قاعدة بيانات مُسرَّبة.
اختراق الهواتف
في المقابل لا يوجد دليلٌ قاطع على أن هواتف أعضاء مجلس الوزراء الخمسة قد اختُرِقَت بنجاح، لكن مزاعم موقع Mediapart تشير إلى أن الأجهزة كانت مُستهدَفةً ببرنامج التجسُّس القوي المعروف باسم بيغاسوس، والذي صنعته شركة NSO التكنولوجية الإسرائيلية التي تركِّز عملها على الاستخبارات الإلكترونية.
عندما يُزرَع البرنامج بنجاحٍ من قِبَلِ العملاء الحكوميين للشركة الإسرائيلية، يسمح بيغاسوس لمستخدميه بمراقبة المحادثات والرسائل النصية والصور والموقع، ويمكنه تحويل الهواتف إلى أجهزة استماع تُشغَّل عن بُعد.
فيما كشف "مشروع بيغاسوس"، الذي يُنسَّق من قِبَلِ المنفذ الإعلامي الفرنسي غير الربحي Forbidden Stories، أن العملاء العالميين لشركة NSO قد استخدموا برنامج التجسُّس لاستهداف نشطاء حقوقيين وصحفيين ومحامين.
التحقيق في الجرائم
في المقابل قالت الشركة الإسرائيلية إن برنامج التجسُّس القوي الخاص بها يهدف إلى الاستخدام من أجل التحقيق في الجرائم الخطيرة، وليس لاستهداف أفراد المجتمع المدني. وقالت الشركة إنه لا علاقة لها بقاعدة البيانات المُسرَّبة التي جرى التحقيق فيها من قِبَلِ "مشروع بيغاسوس" الاستقصائي، وإن عشرات الآلاف من الأرقام الواردة في القائمة ليست أهدافاً لعملاء شركة NSO الحكوميين. وأنكرت الشركة بشدةٍ أن يكون ماكرون قد استُهدِفَ من قِبَلِ برنامج التجسُّس.
في بيانٍ صدر الخميس 23 سبتمبر/أيلول 2021، قال الشركة: "نحن ملتزمون بتصريحاتنا السابقة فيما يتعلَّق بمسؤولي الحكومة الفرنسية. هم ليسوا أهدافاً لبيغاسوس ولم يكونوا قط. لن نعلِّق على مزاعم مصدرٍ مجهول".
من جانبه قال موقع Mediapart إن هواتف وزراء التعليم والتماسك الإقليمي والزراعة والإسكان والخارجية -على التوالي جان ميشيل بلانكير، وجاكلين غورو، وجوليان دينور ماندي، وإيمانويل وارغون، وسيباستيان ليكورنو- أظهرت آثاراً لبرنامج بيغاسوس الضار.
كذلك فقد قال الموقع إنه لم يكن جميع الوزراء في مناصبهم الحالية وقت استهدافهم المزعوم، الذي حدث في العام 2019، وبشكلٍ أقل تواتراً في 2020، لكن جميعهم كانوا وزراء. وأضاف أن هاتف أحد مستشاري ماكرون الدبلوماسيين في الإليزيه قد استُهدِفَ هو الآخر.
آثار لبرنامج تجسس
في سياق متصل كشف تحليلٌ لهواتفهم في نهاية يوليو/تموز 2021، عن وجود "آثار مشبوهة" لبرنامج تجسُّس، وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن أجهزة استخبارات الدولة الفرنسية وتحقيقٍ جنائي موازٍ أجراه المُدَّعي العام في باريس.
في المقابل لم يرد الضحايا المزعومون الذين جرى الاتصال بهم إما بشكلٍ مباشر أو من خلال مكاتبهم، أو قالوا إنهم لا يرغبون في التعليق علناً على مثل هذا الموضوع الحسَّاس. وأحال البعض موقع Mediapart إلى الأمانة العامة الفرنسية للدفاع والأمن القومي، التي رفضت التعليق أيضاً.
من جانبه قال قصر الإليزيه إنه لن يعلِّق على "التحقيقات الطويلة والمُعقَّدة التي لاتزال جارية"، فيما قال موقع Mediapart إن أحد الوزراء على الأقل قد غيَّر هاتفه المحمول ورقم هاتفه منذ ذلك الحين.
اختراق سرية المعلومات
في حين رفض مكتب المُدَّعي العام التعليق على التقدُّم المُحرَز في تحقيقه أو تأكيد ما إذا كان قد كَشَفَ عن اختراق هواتف الوزراء، قائلاً إن التحقيق تحكمه قواعد السرية القضائية.
كذلك لم يعلِّق قصر الإليزيه على فضيحة بيغاسوس منذ أواخر يوليو/تموز، عندما قال مسؤولو قصر الإليزيه آنذاك إنه "لا يوجد تأكيدٌ في هذه المرحلة". ومع ذلك، من المعروف أن ماكرون قد غيَّرَ لبعض المكالمات.
في المقابل قال موقع Mediapart إن وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، التقت نظيرها الإسرائيلي، بيني غانتس، بباريس في يوليو/تموز 2021، وناقشت الفضيحة، بحسب تقارير، لكن لم تُسرَّب أيُّ تفاصيل عن محادثتهما.
في حين قال وزير الدولة للشؤون الأوروبية، كليمان بون، في أغسطس/آب 2021، إن "خطورة الادِّعاءات" والإجراءات القضائية الجارية تعني أن الحكومة لا تستطيع قول الكثير. وقال: "مازلنا نفكُّ تشابك حقيقة الوضع".