حذر تيري بريتون، مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، من أنَّ "شيئاً ما انكسر" في العلاقات عبر الأطلسي، حيث تهدّد التوترات الفرنسية-الأمريكية بشأن الشراكة الأمنية الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا للدفاع عن المصالح المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الإندو-باسيفيك) بأنَّ تمتد إلى مساعي تعزيز التعاون في مجال التجارة والتقنيات الرقمية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
حسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية، الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول 2021، فإن تعليقات بريتون جاءت بعد أن حاولت فرنسا دفع بروكسل لتأجيل اجتماع مرتقب لمجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (TTC)- والمقرر عقده في بيتسبرغ هذا الشهر الجاري- بسبب غضبها من تعامل إدارة جو بايدن مع صفقة الغواصات الفرنسية مع أستراليا.
فرص إحراز أي تقدم باتت محدودة
قال بريتون في مقابلة مع صحيفة "Financial Times" البريطانية في واشنطن يوم الإثنين 20 سبتمبر/أيلول: "هناك بالتأكيد، شعور متزايد في أوروبا بأنَّ شيئاً ما قد انكسر في علاقاتنا عبر الأطلسي"،
كما أضاف: "أصبحنا نسمع بالفعل بعض الأصوات في أوروبا تدعونا إلى ضرورة إعادة تقييم كل إجراءاتنا وشراكتنا بعد ما حدث خلال الشهرين الماضيين".
إذ كان يُنظر إلى إنشاء مجلس للتجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باعتباره فرصة للأخير لتعزيز التعاون مع إدارة بايدن في مجالات، مثل تصنيع أشباه الموصّلات والتقنيات المتقدمة. لكن بريتون، وزير المالية الفرنسي السابق، أشار إلى أنَّ فرص إحراز أي تقدم كبير باتت محدودة.
نحو مواجهة ثنائية بين أوروبا وأمريكا
يُعد طلب فرنسا تأجيل محادثات مجلس التجارة والتكنولوجيا هو الأحدث في سلسلة الردود الانتقامية الدبلوماسية لحكومة إيمانويل ماكرون بعد استبعاد فرنسا من شراكة أمنية ثلاثية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.
لكن مطالبة باريس بتأجيل محادثات الاتحاد الأوروبي مع كبار المسؤولين الأمريكيين ستقود الكتلة الأوروبية مباشرةً إلى حالة الخلاف الثنائي مع الولايات المتحدة.
وسيتعيّن على المفوضية الأوروبية أن تقرر في الأيام المقبلة ما إذا كانت ستمضي قدماً في عقد الاجتماع، الذي يعمل المسؤولون التجاريون في الولايات المتحدة وبروكسل من أجله منذ أسابيع.
بينما رفض بريتون مراراً التصريح بما إذا كان الاجتماع سيجري تأجيله أو سينعقد كما هو مخطط له، قائلاً إنَّه ليس لديه "معلومات" ليقدمها في ظل دعوات بعض الدول الأعضاء بـ"التأجيل". وأضاف: "آمل أن نتوصل إلى وفاق، لكن هذا لن يحدث بالكلمات فقط، بل بالأفعال".
من جانبه، قال مجلس الأمن القومي الأمريكي إنَّه رحب جداً بخطوة إنشاء مجلس التجارة والتكنولجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروربي- الذي أُعلن عن تشكيله في يونيو/حزيران الماضي- "لتعزيز المشاركة والتشاور بشأن مصالحنا المشتركة"، مضيفاً: "نحن مستمرون في التخطيط للجلسة الافتتاحية للمجلس المقررة في بيتسبرغ في 29 سبتمبر/أيلول".
"خيانة" و"طعنة من الخلف"
كانت فرنسا قد اتهمت واشنطن بالخيانة، وكانبيرا بالازدواجية ولندن بالانتهازية بعد إعلانها عن عقد اتفاق أمني جديد أطلق عليه اسم "أوكوس". رداً على ذلك، استدعت فرنسا سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا وألغت الاجتماع الفرنسي-البريطاني المقرر بين وزيري دفاع البلدين هذا الأسبوع.
ستستطيع أستراليا، بموجب هذه الاتفاقية الأمنية، بناء أسطول من الغواصات العاملة بالطاقة النووية بهدف مواجهة الطموحات العسكرية الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك بعد إلغائها صفقة شراء غواصات فرنسية لصالح صفقة أخرى لشراء الغواصات الأمريكية، الأمر الذي أثار غضب باريس ووصفته بأنَّه "طعنة في الظهر".
في السياق ذاته، أفاد دبلوماسي أوروبي بأنَّ فرنسا تقدّمت بطلب لتأجيل المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قبل الاجتماع الذي عُقد يوم الإثنين لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في نيويورك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيراً إلى أنَّ هذا الطلب أثار اعتراضات من بقية الدول الأعضاء التي تخشى توتر العلاقات عبر الأطلسي بسبب الأزمة الفرنسية.
قال الدبلوماسي الأوروبي: "يتطلع الفرنسيون بنشاط إلى جميع قنوات الدعم في الاتحاد الأوروبي بعد عقد اتفاقية "أوكوس". نريد مساعدة فرنسا لكن نرى أنَّه من مصلحة الاتحاد الأوروبي إجراء محادثات مع الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، رفض مسؤول بوزارة الخارجية الفرنسية التعليق على الأمر.
من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لشبكة "CNN" الأمريكية يوم الإثنين إنَّ "العمل لا يمكن أن يسير كالمعتاد بعد مباغتة الاتحاد الأوروبي باتفاقية أوكوس".
كما أضافت: "لقد عوملت واحدة من دولنا الأعضاء بطريقة غير مقبولة. نريد معرفة ما حدث وتوضيح كل شيء وتفسيره قبل أن نواصل العمل معاً كالمعتاد".
رئيسة المفوضية الأوروبية، تابعت في المناسبة نفسها قائلة: "لقد حدَّدنا موعد اجتماع مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأسبوع المقبل قبل فترة من حدوث الأزمة. نحلِّل الآن تداعيات إعلان اتفاقية (أوكوس) على إمكانية عقد الاجتماع في موعده".