نقل محامي الأسير محمود العارضة، الجمعة 17 سبتمبر/أيلول 2021، أحد الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم الأسبوع الماضي من سجن جلبوع قبل أن تعيد سلطات الاحتلال اعتقالهم، رسالة "مؤثرة" إلى والدته، قال فيها إنه حاول أن يصل إليها ليعانقها ولكنه لم يستطع، كما أنه كان يحمل لها هدية.
الأسير "العارضة" أحد الأفراد الرئيسين الذي أعدوا وخططوا لعملية الهروب من سجن جلبوع شديد التحصين عبر نفق حفره الأسرى بأنفسهم لمدة 6 أشهر. تمكن 6 أسرى من انتزاع حريتهم، فيما استطاعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إعادة اعتقال 4 منهم بعد 5 أيام من المطاردة، فيما لايزال اثنان منهم قيد الحرية بعد أكثر من 10 أيام من الحادثة.
المحامي رسلان محاجنة نقل من الأسير "العارضة" رسالة إلى والدته خلال زيارته الجمعة، قال فيها: "بعد التحية والسلام، حاولت المجيء لأعانقك يا أمي قبل أن تغادري الدنيا، لكن الله قدَّر لنا غير ذلك"، بحسب ما نقلته مواقع إخبارية فلسطينية.
وقال أيضاً في الرسالة: "أنت في القلب والوجدان، أبشّرك أني أكلت التين من طول البلاد، والصبر والرمان، وأكلت المعروف والسماق والزعتر البري، وأكلت الجوافة بعد حرمان 25 عاماً، وكان في جعبتي علبة العسل هدية لك، سلامي لأخواتي العزيزات باسمة ورُبى وختام وسائدة ولكل الإخوان؛ فأنا مشتاق لهم كثيراً".
أردف "العارضة" في رسالته إلى والدته: "تنسمت الحرية، ورأينا أن الدنيا قد تغيرت، وصعدت جبال فلسطين لساعات طويلة، ومررنا بالسهول الواسعة، وعلمت أنَّ سهل عرابة في محافظة جنين بالضفة قطعة صغيرة من سهول بيسان والناصرة".
كما ختم رسالته بالقول: "سلام إلى كل الأهل والأصدقاء. سلامي إلى ابنة شقيقتي (افيهات) والتي لبست جرابيها وقطعت بها الجبال، سلام إلى عبد الله وهديل ويوسف وزوجة رداد والأهل جميعاً، سارة ورهف وغادة ومحمد والجميع، سلام خاص إلى هدى، وأنا مشتاق إليها كثيراً وسأبعث لها بكل القصة والحكاية".
تفاصيل جديدة
موقع "والا" الإسرائيلي كشف، الجمعة، تفاصيل جديدة عن عملية "نفق الحرية" التي تمكن من خلالها 6 أسرى فلسطينيين من انتزاع حريتهم من سجن جلبوع، نقلاً عن مسؤول مطلع على تفاصيل التحقيقات في حادثة الهروب، قال فيها إن سجّاناً جاء إلى زنزانة الأسرى الذين هربوا من سجن جلبوع ونادى على انفيعات لتسليمه رسالة، بينما كان وقتها تحت الأرض يقوم بحفر النفق.
إلا أن زميله في الزنزانة محمود العارضة اقترب من السجان من خلف قضبان الزنزانة وأوضح له أنه متعب جداً ونام.
الصحيفة قالت إن السجّان أصر على التحدث إلى انفيعات لكن دون جدوى، حيث قام "العارضة" بإلهائه وإقناعه بأن زميله نائم بالفعل، وأنه هو من سيسلمه الرسالة، وأضافت الصحيفة أن ما حدث كان بسبب تهاون السجّان، ولو أصر حينها على مقابلة نفيعات أو فتح باب الزنزانة لجنَّب تل أبيب الحادثة التي أربكتها لأيام.
الصحيفة كشفت كذلك أن عملية الحفر كانت تتم بشكل رئيسي في وضح النهار من قِبل الأسير الفلسطيني نفيعات، مؤكدةً ما صرح به الزبيدي في وقت سابق، بأن العملية تمت باستخدام مقابض أواني الطهي القديمة، كما ساعدت ساق سرير حديدي تم تفكيكه في الحفر.
عملية "نفق الحرية"
وفي وقت سابق، كشف الأسير الفلسطيني محمد العارضة كواليس فراره رفقة 5 أسرى آخرين من سجن جلبوع الإسرائيلي، إضافة إلى تفاصيل إعادة اعتقاله إلى جانب 3 أسرى آخرين، وفق ما نقلته وسائل إعلام فلسطينية عن محامي الأسير "العارضة"؛ إذ قال الأسير محمد العارضة لمحاميه خلال زيارة الأخير له في مركز تحقيق الجلمة، إنهم حاولوا قدر الإمكان عدم الدخول للقرى الفلسطينية في مناطق 48؛ حتى لا يتعرض أي شخص للمساءلة.
أضاف "العارضة": "لم تكن هناك مساعدة من أسرى آخرين داخل السجن، وأنا المسؤول الأول عن التخطيط والتنفيذ لهذه العملية التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2020".
كما تابع قائلاً: "سرنا مع بعضنا حتى وصلنا للناعورة ودخلنا المسجد، ومن هناك تفرقنا، كل اثنين على حدة، وحاولنا الدخول لمناطق الضفة، ولكن كانت هناك تعزيزات كبيرة".
ثم أوضح الأسير الفلسطيني محمد العارضة: "تم اعتقالنا صدفة، ولم يبلغ عنا أي شخص من الناصرة، حيث مرت دورية شرطة وعندما رأتنا توقفت وتم الاعتقال، واستمر التحقيق منذ لحظة اعتقالنا حتى الآن 7 ساعات يومياً".
كما أشار المحامي خالد محاجنة إلى أن "محمد العارضة وزكريا زبيدي لم يشربا نقطة ماء واحدة بعد خروجهما من سجن جلبوع، ما تسبب بإنهاكهما وعدم قدرتهما على مواصلة السير".
رسائل محمود العارضة لأهله وللفلسطينيين
نقل المحامي رسلان محاجنة تفاصيل مثيرة عن محمود العارضة، الذي قال: "تأثرت كثيراً عندما شاهدت الحشود أمام الناصرة، وأوجه التحية لأهل الناصرة، لقد رفعوا معنوياتي عالياً".
أضاف: "أطمئن والدتي عن صحتي، ومعنوياتي عالية، وأوجه التحية لأهلنا في غزة، وأحيي كل جماهير شعبنا على وقفتهم، كان لدينا راديو صغير وكنا نتابع ما يحصل في الخارج".
ختم الأسير "العارضة" رسالته التي وجهها من خلال محاميه، قائلاً: "ما حدث إنجاز كبير، وأنا قلِق على وضع الأسرى وما تم سحبه من إنجازات للأسرى".
محمود العارضة هو ابن بلدة عرّابة إلى الشمال من مدينة جنين (شمالي الضفة الغربية)، وأحد قيادات حركة "الجهاد الإسلامي"، وتُصنّفه مصلحة السجون، والمخابرات الإسرائيلية، كأحد أكثر الأسرى "خطورة".
قضى "العارضة" في السجون الإسرائيلية نحو 28 عاماً، منها 25 عاماً بشكل متواصل، منذ عام 1996 وحتى الآن.
تعذيب قاسٍ على أيدي الإسرائيليين
في تصريحه عقب خروجه من مركز تحقيق الجلمة، قال المحامي خالد محاجنة إن الأسير محمد العارضة "مر برحلة تعذيب قاسية جداً، حيث تم الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وكذلك رطم رأسه بالأرض ولم يتلقَّ علاجاً حتى الآن".
كما أكد المحامي أن الأسير "العارضة" لم ينَم إلا 10 ساعات منذ إعادة اعتقاله فجر السبت الماضي، وأنه يتعرض لتحقيق على مدار الساعة، حيث لا يُسمح له بالنوم ولا بالصلاة ولم يقدَّم له الطّعام سوى الجمعة.
المحامي خالد محاجنة كشف أيضاً أن "الأسير محمد العارضة يرفض التهم الموجهة إليه، ويلتزم الصمت، رغم كل التعذيب ومحاولات الضغط". وقال إن الأسير "العارضة" رد على محققي الاحتلال بقوله "إنه لم يرتكب جريمة، وإنه تجول في فلسطين المحتلة".
الأسير قال للمحامي: "كنت أبحث عن حريتي ولقاء أمي، ولقد ذقت فاكهة الصبر من أحد بساتين مرج ابن عامر لأول مرة منذ 22 عاماً". كما أكَّد الأسير "العارضة" للمحامي أنّ عودته إلى المعتقل لا شيء، مقابل الحريّة التي ذاقها في بساتين مرج ابن عامر.
كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت اعتقال 4 أسرى من بين 6 تمكنوا من التحرر من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد الحراسة، بعد عملية فرار أثارت كثيراً من الجدل في إسرائيل، كما أن هناك مخاوف على حياة الأسرى المعتقلين، خاصة مع ورود أنباء عن تعرضهم للتعذيب.