لا يستطيع أحد أن ينكر تأزّم العلاقة السياسية والدبلوماسية بين المغرب والجزائر منذ عقود خلت إلى اليوم، وفي كل مرة تأخذ مداً وجزراً إلى أن وصلت قبل أشهر إلى مستوى قطع العلاقات، وهو القرار الذي اتخذته الجزائر بشكل فردي ونهائي.
ورغم أن العلاقات بين المغرب والجزائر لم تُصبغ يوماً باللون الوردي، إلا أن الأمل بين الشعبين بقي مفتوحاً، على أساس أن تُزال الحواجز الحديدية من على الحدود، وتمد يد التعاون الاقتصادي وتُسهل الحياة على أبناء الجارين، خصوصاً من يقطنون الحدود.
وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية لصناع القرار هناك عيون مغربية ترى الأزمة بين البلدين من منظور مختلف، فهناك من يرى أن الجار الجزائري فعلاً تمادى في كيل الاتهامات للمملكة، والآخر لا يعرف عن الجزائر سوى "خوتنا ودمنا".
رعونة الجار
سفيان البالي، صحفي مغربي قال إنه "لا يمكن وصف القطيعة المعلنة من جانب واحد، جانب الجزائر، إزاء المغرب إلا بالرعونة؛ هي رعونة في ردّ يد مُدت إليهم خائبة، رعونة في الاستجابة لدعوات حسن الجوار، رعونة في مواجهة خط التاريخ وضرورة الواقع اللذين يفرضان على البلدين أكثر من أي وقت مضى، لا تطبيع العلاقات فحسب، بل الانخراط في تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري أمني تام من أجل مواجهة رهانات الظرف الذي تمر به المنطقة، ولتحقيق التنمية المأمولة من قبل شعوبها".
وأضاف المتحدث أنه بالمقابل اختار النظام الجزائري الاستمرار في كيل الاتهامات لنظيره المغربي، اتهامات تفي أكثر بالتأثير على جبهته الداخلية ومحاولة احتواء وتهريب الضغط الذي يعيشه جراء فشله في الاستجابة لكل وعوده، مثل كل المشاكل الذي قابلها الشعب الجزائري: قضية المواد الغذائية المختفية من الأسواق، وعجز السيولة المالية، وهشاشة البنية التحتية الصحية…
وأشار الصحفي المغربي إلى أن "آخرها قضية الحرائق، التي أصابت كل الدول المحيطة بحوض البحر الأبيض المتوسط، وللمفاجأة الجزائر وحدها التي صرحت بأنها كانت بفعل فاعل، متهمة المغرب بالضلوع في ذلك، وهو اتهام يُفنّده عرض المملكة يد المساعدة في إخمادها، مقابل عجز حكومة تبون عن توفير الوسائل الضرورية لذلك، كما تفنده التقارير البيئية الكارثية التي تنذر بحدوث كوارث أكثر من التي عاشتها المنطقة صيف هذه السنة".
وأشار المتحدث إلى أن هناك "قضية أخرى، وتأكيداً على أن اللعب الوسخ قادم من المرادية ومحيطها، أن التأجيج العنصري الذي أدى إلى فاجعة قتل شاب والتنكيل بهم، النظام الجزائري هو قائده، كما أنه قائد التَّفرقة الإثنية والمناطقية بين الجزائريين".
واعتبر المتحدث أن ما حصل في الجزائر مشهود لها تاريخياً بالتورط فيه، في تأجيج أعمال العنف في غرداية بين الطائفة الإباضية والسنيَّة، وما شهدناه طوال الحراك من وحدة للشعب الجزائري بكل أطيافه ضد النظام العسكري، لجأ هذا النظام العسكري إلى تجريم حمل الراية الثقافية الأمازيغية، ولجأ إلى اتهام أمازيغ القبائل بالإرهاب، ولجأ إلى تحميلهم مسؤولية الفساد الذي كان مستشرياً في مفاصل الدولة، فحينما نقوم بكل هذا الحشد والتعبئة العنصرية، ماذا سننتظر غير مشاهد دموية بشعة كالتي شاهدناها في الفيديو المذكور".
خاوة خاوة
من جهتها ترى يسرا أفريط، مهندسة مغربية أن الشعبين الجزائري والمغربي إخوة، والأمر لن يتغير بتغيُّر حكام قصر المرادية، فعندما كان بوتفليقة كنا شعبين جارين، ونحن كذلك اليوم عندما جاء عبد المجيد تبون، والأمر لن يتغير مهما أمسك الحكم.
وقالت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست": "أنا لا أفهم في السياسة كثيراً، فهي بعيدة عن مجال اهتمامي، لكن أتابع ما يحصل وأقرأ عن الأزمة بين الجارين، وأعتقد أنها كان لها حل، لولا وجود طرف ثالث بيننا، هو الذي يُؤزّم الأوضاع".
مقابل ذلك، ترى يسرا أن "الجيش الجزائري ليس له أية مشروعية تاريخية أو ديمقراطية، لكنه يتمسك بتسيير دواليب الحكم عن طريق حكومات صورية، وخلقِ عدوّ افتراضي على حدود البلاد، ليجعل من هذا العدو أداةً تُسهل له البقاء في الحكم، وهذا شيء قد وعى له الشعب الجزائري، الذي لم يعد يطيق هذه المناورات الزائفة".
"الراي" يجمعنا
وبعيداً عن الأزمة السياسية بين الجارين، يرى حمزة أهبيل، طالب مغربي، أنه لا يعرف شيئاً عما يحصل غير أنه يسمع الموسيقى الجزائرية بحب كبير، فعِشْق حمزة لفن الراي جعله يتجاهل الأزمة السياسية بين الطرفين.
يقول حمزة في حديثه مع "عربي بوست": "أعلم أن هناك أزمة سياسية، وتابعت الخطاب الملكي الأخير، الذي مدّ يد الصلح إلى جارتنا الجزائر، والاتهامات التي كَالَتها لنا في المقابل، لكن كل هذا لا يهمني، ما يهم هو أنني أحب تلك البلاد وشعبها الطيب، وأحب ثقافتهم وموسيقاهم".
من جهتها، ترى شيماء مزيان، مهندسة مدنية مغربية، في حديث مع "عربي بوست"، أن "المغرب والجزائر شعب واحد قسمته الجغرافيا، فالطرفان يتشابهان في كل شيء، العادات والتقاليد، وحتى طريقة الاحتفال بالمناسبات والأفراح متشابهة".