ما زالت تداعيات الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب تلقي بظلالها على الشعبين الشقيقين، بحيث كان الطرفان ينتظران أن تنفرج الأزمة بين النظامين، لاسيما في ظل التحولات السياسية التي عرفتها الجزائر بعد حراك 22 فبراير.
ولم يكن يتوقّع أكثر المتشائمين أن تصل الأزمة إلى حدّ القطيعة الدبلوماسية رغم الهزات التي تعرفها العلاقات بين البلدين من حين إلى آخر، لعدة أسباب، أبرزها ملف الصحراء.
ورغم أن كثيراً من الجزائريين يبدون مقتنعين بالحجج التي ساقها وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، قبل إعلانه قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجارة المغرب، فإنهم يفرقون جيداً بين النظامين وتوجهاتهما ومصالحهما والعلاقات التاريخية والأسرية التي تربط الشعبين.
ويبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والملك المغربي محمد السادس يدركان جيداً أن العلاقات المتجذرة بين الشعبين أكبر بكثير من الخلافات بين النظامين، وهو ما يفسر عدم إغفالهما في أي خطاب لهما، التفريق بين المصالح السياسية المتعارضة والعلاقات التاريخية المتجذرة والمترابطة بين الشعبين.
الجزائريون والقطيعة
لا يرى سفيان، البالغ من العمل 27 ربيعاً، أن القطيعة بين بلاده والمغرب ستؤثر على العلاقات بين الشعبين الشقيقين، على حد قوله.
ويعتقد المتحدث الذي يقطن بالجزائر العاصمة، أن العلاقة بين الشعبين لا يمكن أن تتضرر بسبب خلافات سياسية زائلة لا محالة بحسبه.
ويضيف سفيان الذي زار المغرب صيف 2017 للسياحة، أنه لقي ترحاباً كبيراً هناك بسبب جنسيته الجزائرية.
وأشاد الشخص نفسه بقرار عدم قطع العلاقات على المستوى القنصلي بين البلدين لخدمة الجاليتين، متمنياً أن تزول الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب في أقرب وقت ولما لا، إعادة فتح الحدود؟
أما مصطفى المقيم في تلمسان غرب الجزائر بالقرب من الحدود المغربية، فيؤكد أن موقف الدولة الجزائرية بقطع العلاقات مع المملكة المغربية له ما يبرره، مشيراً إلى أنه مقتنع جداً بمبررات وزير الخارجية رمطان لعمامرة.
ووفق المتحدث البالغ من العمر 33 سنة، فإن على الجزائريين أن يتفاعلوا مع قرارات الدولة ويدعموها طالما تصب في مصلحتهم.
وفي السياق ذاته، يقول مصطفى إن الشعب المغربي لا علاقة له بحكّامه وهو شعب شقيقٌ اليوم وغداً، مؤكداً أنه يحلم باليوم الذي يزور فيه المغرب براً لاسيما أن الحدود بين البلدين تبعد عن مكان إقامته نحو 35 كم فقط.
"عندما يستطيع الجزائر والمغرب إرساء نظامين ديمقراطيين ساعتها يمكن أن تنتهي المشاكل بين البلدين، ويستطيع الشعبان رفقة الشعوب المغاربية الأخرى بناء الاتحاد المغاربي الذي كان يحلم به أجدادنا"، كان هذا موقف أحمد الذي يبلغ 40 عاماً.
أحمد أكد لـ"عربي بوست"، أن النظامين في البلدين يستغلان الأزمات السياسية لصالحهما ليستمرا في نهب الثروات والسيطرة على مقدرات الشعبين الشقيقين.
ويضيف المتحدث أن الشعبين يعانيان من المشاكل نفسها فلا تنمية ولا رفاهية ولا فرص عمل ولا تعليم ولا صحة، لذلك فمصلحتهما مرتبطة ببعض وليست بالنظامين اللذين فشلا في التوحد رغم أن كل شيء يدعوهما إلى ذلك.
رأي النخبة
ويرى الصحفي والمحلل السياسي مولود صياد أن الأزمة بين الجزائر والمغرب سياسية، ولا يمكن أن تكون شعبية حتى وإن أراد النظامان تحويلها إلى ذلك.
وقال صياد لـ"عربي بوست"، إن النظامين لحد الساعة مقتنعان بأن خلافاتهما السياسية لا يمكن أن تؤثّر على الشعبين؛ لذلك لم يعملا على إذكاء الفتنة بينهما.
وأبدى المتحدث إعجابه بموقف الجزائر المتعلق بترك قنصلية المغرب تعمل في الجزائر لرعاية شؤون الجالية المغربية في البلاد، وهو نوع من الاحترام والتقدير للشعب المغربي، على حدّ تعبيره.
وأضاف المتحدث أن المشكل في أساسه سياسي وليس شعبياً، لذلك فهو غير مؤثر على نفسية الشعبين، مشيراً إلى الاستقبال الرائع الذي حظي به المنتخب الجزائري الذي لعب مباراة كرة قدم بمراكش المغربية في إطار التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم بقطر.
وفي المقابل، يعتقد المحلل السياسي محمد الأمين بختي أن الأزمة السياسية بين الجارتين الجزائر والمغرب من الممكن أن تلقي بظلالها على الشعبين، بسبب الإعلام في البلدين.
وأضاف المتحدث أن الإعلام في البلدين يمكنه أن يشحن على الأقل بعض الفئات في المجتمع ويحوّلها إلى رأس حربة في الصراع.
ودعا بختي إلى تتبُّع ما يحدث بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي من البلدين بحيث تشتعل حروب افتراضية بين النشطاء في مختلف المجالات.