كشف أنس حقاني، نائب زعيم "طالبان" والرجل النافذ في الحركة، عن خطة السلطة الحاكمة الجديدة بأفغانستان لتأمين البلاد وبسط السيطرة الكاملة عليها، وضمن ذلك مقاطعة بنجشير المتمردة، وكذا طبيعة علاقتها مع العالم، والسعي للحصول على الاعتراف العالمي بالإمارة الإسلامية، وذلك خلال حوار له مع مجلة Newsweek الأمريكية، الإثنين 6 سبتمبر/أيلول 2021.
أنس حقاني هو الابن الأصغر للزعيم الراحل جلال الدين حقاني وشقيق سراج الدين حقاني، الذي يشغل منصب نائب زعيم طالبان ويتولى حالياً قيادة شبكة حقاني المؤثرة العاملة عبر حدود أفغانستان وباكستان.
وقد أدرجت الولايات المتحدة الحركة على لوائح المنظمات الإرهابية الأجنبية منذ ما يقرب من عقد من الزمان، واتهمتها بالقيام بأنشطة متشددة وإجرامية على حدٍّ سواء، لكنها تحتفظ الآن بمكانة مؤثرة تعززت بشكل كبير بعد الانسحاب الأمريكي وانتصار طالبان على منافسها المتمركز في كابول، وهي الحكومة التي انهارت بسرعة.
المهمة ستكون صعبة
إذ وجدت حركة طالبان، التي يطلق عليها رسمياً اسم "إمارة أفغانستان الإسلامية"، نفسها للمرة الأولى منذ 20 عاماً، مسؤولةً عن إدارة دولة مترامية الأطراف لها تاريخ طويل من الصراع والاضطراب.
ترى حركة طالبان أنّ توفير بيئة أكثر أماناً نسبياً لشعبها، مقارنةً بما اعتادوه على مدى أجيال من الاضطرابات، من الطرق التي تُعتبر أساسيةً لكسب وُد شعبٍ أنهكته الحروب ويشعر بالقلق من عودة الحركة للسلطة وفرض رؤيتها المتشددة للإسلام.
مع ذلك، فقد أقر أنس بأن المهمة ستكون صعبة، إذ لطالما احتضنت أفغانستان مجموعةً من الجماعات المسلحة، والتي انتفض العديد منها جنباً إلى جنب مع مؤسسي حركة طالبان وشبكة حقاني كجزء من مقاومة المجاهدين التي تصدَّت للتدخل السوفييتي في الثمانينيات، بدعم من الولايات المتحدة وباكستان والمملكة العربية السعودية، وأدى هذا الصراع إلى نشأة تنظيم القاعدة، الذي أسفرت هجماته في 11 سبتمبر/أيلول، عن شن الولايات المتحدة حملةً هائلة على أفغانستان لتفكيك القاعدة، لكنها فشلت بالنهاية في هزيمة طالبان.
إضافة إلى ذلك، ما تزال عناصر القاعدة في أفغانستان، وكذلك الحال مع فرع خراسان المتشدد التابع لتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية خراسان)، ومجموعة من المنظمات المتشددة. لكن أنس قال إن أولئك الذين يعرّضون الأمة للخطر اليوم سيجري التعامل معهم بالشكل المناسب، وأوضح: "إن الإمارة الإسلامية لن تتسامح مع أي شخص ينتهك أمن واستقرار البلاد".
التحدي الأول لحكم طالبان في أفغانستان
هذا التحدي لا يأتي من الجهاديين، بل هو عدو مألوف يتكون من ميليشيات مختلفة ترفع علم التحالف الشمالي السابق الذي صمد ضد طالبان خلال استيلائها الأول على البلاد في التسعينيات، فضلاً عن عَلم الجمهورية الإسلامية المدعومة من الولايات المتحدة التي خلفتها.
وعملت هذه الجماعات اليوم في ولاية بنجشير تحت مسمى جبهة المقاومة الوطنية، ومن بين قادتها نائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، الذي أعلن نفسه قائماً بأعمال الرئيس منذ فرار الرئيس الأفغاني أشرف غني حين دخلت طالبان العاصمة كابول دون مقاومةٍ كبيرة، الشهر الماضي. إضافة إلى أحمد مسعود، نجل قائد الميليشيا الراحل أحمد شاه مسعود، الذي دافع قبلها عن بنجشير أمام كل من طالبان والسوفييت.
وقد أثبتت جبهة المقاومة الوطنية أنها أخطر عقبة حتى الآن على طريق طالبان لإنشاء إمارة إسلامية تمتد عبر أفغانستان بأكملها.
لكن أنس قال إنها مسألة وقت فقط قبل أن تُسيطر حركة طالبان بالكامل على الوادي الذي يبدو منيعاً، سواءً عن طريق الدبلوماسية أو القوة، كما كان الحال مع بقية أفغانستان التي سيطرت عليها الحركة بسرعة أذهلت العالم على مدار العام ونصف العام الماضيين، منذ اتفاق السلام الذي وقعته الحركة مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
الصراع في بنجشير
فقد حمّل مسؤولون من حركة طالبان وجبهة المقاومة الوطنية، الذين تحدثت إليهم Newsweek خلال الأسبوع الماضي، بعضهم البعض المسؤولية عن انهيار المحادثات، مما أسفر في نهاية المطاف عن هجوم طالبان على بنجشير.
لكن تقارير غير مؤكدة بالفعل انتشرت عن انتصار طالبان في بنجشير، ورغم نفى صالح ومسعود وغيرهما من المسؤولين في جبهة المقاومة الوطنية هذه المزاعم، فإن التقارير والمقاطع المصورة تشير إلى أن طالبان قد أحرزت تقدماً عميقاً في قلب المعسكر الشمالي.
بينما ناشدت جبهة المقاومة الوطنية المجتمع الدولي تقديم الدعم لها في كفاحها ضد توغل طالبان. وحتى الآن، ركزت البلدان التي تسعى للحصول على حصة في مستقبل أفغانستان بدلاً من ذلك على معايرة نهجها تجاه طالبان، التي باتت السلطة الفعلية الجديدة في البلاد.
معركة الاعتراف
في حين أن الدول بجميع أنحاء العالم، وضمن ذلك الولايات المتحدة، قد تواصلت بشكلٍ مكثف مع الحركة، في اعترافٍ ضمني بمكانتها؛ إلا أنه لم تقم أي حكومة حتى الآن بإقامة علاقات دبلوماسية رسمية.
وفي المرة الأخيرة التي سيطرت فيها طالبان على معظم أفغانستان، اعترفت ثلاث دول فقط بالإمارة الإسلامية: باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ودعمت دول أكثر بكثير، من ضمنها الهند وإيران وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان، التحالف الشمالي.
واليوم، يبدو أن عدداً من مؤيدي تحالف الشمال السابقين وقوى أخرى من المنطقة والغرب على اتصال مع طالبان، في ظل سعي الحركة إلى تهدئة المخاوف بشأن علاقتها مع الجماعات المسلحة الأخرى مثل القاعدة وسجلها بمجال حقوق الإنسان، خاصةً في ما يتعلق بالنساء والأقليات غير البشتونية. وربما يكون الشريك الأول لـ"طالبان" هو الصين المجاورة، التي تتوق إلى رؤية الحركة تفي بالتزاماتها للتخلص من أي إرهاب عابر للحدود.
وقال أنس إن "الإمارة الإسلامية أعلنت استعدادها لإقامة علاقات طبيعية مع جميع الدول على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤونها". ويبدو أن هذه الاستراتيجية فعالة حتى الآن.