قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية الخميس 2 سبتمبر/أيلول 2021، إن السلطات الروسية هدَّدت بفرض غرامات على شركتي "آبل" و"جوجل" Google وتوجيه اتهامات لهما بالتدخل في الانتخابات، إذا لم يحذفا تطبيقاً طوَّره أنصار زعيم المعارضة المسجون أليكسي نافالني، فيما يقول معارضون إن هذه الإجراءات تمثل أحدث محاولات النظام الروسي لكبت أي انتقادات له قبل التصويت البرلماني المقرر الشهر المقبل.
هيئة تنظيم الاتصالات الروسية قالت إن التطبيق المشار إليه مكَّن أنصار نافالني من مواصلة حملاتهم حتى بعد أن صُنِّفت مؤسسته لمكافحة الفساد منظمةً إرهابية ومُنعت من العمل في روسيا.
كانت الهيئة أمرت في أغسطس/آب الماضي شركتي التكنولوجيا العملاقتين بالتوقف عن عرض التطبيق على متجريهما، وقالت إن امتناع الشركتين عن إزالته قد تعتبره السلطات تدخلاً في الانتخابات الروسية، ووصفت سلوكهما بأنه ينطوي على "انتهاك للقانون الروسي".
على الطرف الآخر، لم ترد شركتا آبل وجوجل فوراً على طلبات التعليق التي وردت إليهما بشأن تعليمات هيئة الاتصالات الروسية.
يُشار إلى أن السلطات الروسية عمدت إلى تكثيف ضغوطها على الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي؛ لتشديد الرقابة على منتقدي الحكومة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 19 سبتمبر/أيلول، والتي تشهد تنافساً على 450 مقعداً في مجلس الدوما الروسي (مجلس النواب). ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريص على فعل أي شيء لترسيخ مكانة حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، والسعي إلى ردع أي تحدٍّ محتمل له.
قمع واسع للمعارضة
في هذا السياق، شدَّد الكرملين في الأشهر الأخيرة حملته لقمع المعارضين والمنظمات التي يُنظر إليها على أنها مناهضة للحكومة، وتضمن ذلك اعتقال زعماء المعارضة وإجبار جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية على حل نفسها، إضافة إلى حملات المداهمة والتضييق الأسبوعية على المنظمات الإعلامية المستقلة منذ سجن أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الأبرز في روسيا، في أبريل/نيسان.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد منعت هيئات تنظيم الاتصالات الحكومية الولوجَ إلى موقع نافالني الإلكتروني، وعشرات من مواقع المعارضة الأخرى، ومنها المواقع الخاصة بمؤسسته لمكافحة الفساد والأفراد والمنظمات المدافعة عنه والمؤيدة له.
كما يعمل الكرملين على تعزيز جهوده للضغط على منصات تويتر ويوتيوب وتيك توك لإزالة أي محتوى مناهض للنظام الروسي، وإدخال المزيد من المنشورات تحت بند التصنيف على أنها غير قانونية وتوجيه حملات للمطالبة بحذفها.
من جانبها، امتثلت شركات التكنولوجيا المملوكة لدول غربية في كثير من الحالات لهذه الضغوط. فعلى سبيل المثال، أزال موقع يوتيوب التابع لشركة جوجل مؤقتاً الروابط المؤدية إلى المحتوى الذي ينشر استراتيجيات التصويت للمعارضة. وفي يونيو/حزيران، قال مسؤولون روس إن تويتر أبدى الامتثال لطلبات إزالة المحتوى الذي تعتبره موسكو غير قانوني.
في يونيو/حزيران، قالت شركات تيك توك وتويتر وجوجل إنها تبحث فيما إذا كانت ستمتثل لطلبات حذف المحتوى، بناءً على القوانين المحلية التي يعملون بها ووفقاً للإرشادات الداخلية الخاصة بها.
مع ذلك، قد يؤدي امتثال شركتي آبل وجوجل للتوجيهات الحكومية الروسية بحذف تطبيق منظمة نافالني إلى القضاء على إحدى الطرق الأساسية لبقاء زعيم المعارضة على اتصال مع مؤيديه بعد سجنه بدعوى انتهاكه شروط الإفراج المشروط عن إدانته السابقة التي قال إنها ذات دوافع سياسية. وغالباً ما يستخدم فريقه التطبيقَ لمشاركة الأخبار حول تحقيقات مكافحة الفساد والتعليق على الموضوعات العامة الرئيسية.
ظروف اعتقال قاسية
نهاية أغسطس/آب، أجرى المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني، أول مقابلة صحفية له من سجنه، الذي قارنه بمعسكر عمل صيني؛ إذ كشف أنه أُجبر على مشاهدة التلفزيون الحكومي الروسي لمدة ثماني ساعات يومياً.
المعارض الروسي قال لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إنّ أيام الأعمال الشاقة في المعسكرات السوفيتية قد ولّت، وتم استبدالها بما وصفه بـ"العنف النفسي"، عبر غسل الأدمغة والدعاية.
ونقلت الصحيفة عنه قوله عن السجن: "قد تتخيّل رجالاً بعضلات مفتولة وأوشام وأسنان حديدية يتحاربون بالخناجر لأخذ أفضل سرير بجوار النافذة"، وأضاف: "لكن عليك أن تتخيّل شيئاً مثل معسكر عمل صيني، حيث يسير الجميع في طابور، وكاميرات المراقبة معلّقة في كل مكان، هناك السيطرة المستمرّة وثقافة الوشاية".
كما أكّد نافالني أنّ الحرّاس يقومون بمراقبتهم وهم يشاهدون ساعات من الدعاية الحكومية، ولا يسمحون لهم بالقراءة أو حتى الكتابة، رغم ذلك أعرب نافالني عن تفاؤله بشأن مصير نظام فلاديمير بوتين، مشدّداً على أنّه سينتهي يوماً ما.
وقال: "عاجلاً أم آجلاً هذه الغلطة سيتم تصحيحها، وروسيا ستتقدّم إلى الأمام إلى مسار ديمقراطي وأوروبي من التنمية، لأنّه ببساطة هذا ما يريده الناس".
كما كرّر انتقاده للولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، لفرضها عقوبات على روسيا، كون هذه العقوبات تضرّ بالشعب الروسي وليس بمن هم في السلطة.
نافالني، الذي بنى حياته السياسية بالعمل على مكافحة الفساد وكشفه في روسيا، يقضي عقوبة في سجن شديد الحراسة في بوكروف، على بُعد 100 كيلومتر شرق موسكو.
ومنذ سجنه في مارس/آذار، لم يلتزم نافالني الصمت؛ إذ بعث برسالة من السجن، واستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخباره، لكنّ المقابلة مع نيويورك تايمز هي الأولى له منذ سجنه.
هذا الشهر وُجّهت تهم جديدة إلى نافالني قد تُطيل مدة سجنه ثلاث سنوات في حالة إدانته، ولن يكون بالإمكان إطلاق سراحه إلا بعد عام 2024، الذي من المقرّر أن تجري فيه انتخابات رئاسية في روسيا.