كشفت وكالة رويترز، مساء الثلاثاء 31 أغسطس/آب 2021، تفاصيل الاتصال الأخير الذي تم بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الأفغاني وقتها أشرف غني، قبل أن تتمكن حركة طالبان من السيطرة على أفغانستان بأكملها.
حيث اطلعت رويترز على تفريغ للمكالمة الهاتفية، واستمعت للتسجيل الصوتي للمحادثة الأصلية. وقدّم مصدر طلب عدم الكشف عن هويته بسبب عدم التصريح له بنشرها المواد المكتوبة والمسموعة لرويترز.
كانت تلك المحادثة الهاتفية جرت بين الرجلين في 23 يوليو/تموز المنصرم، واستمرت لمدة نحو 14 دقيقة.
في الوقت الذي ناقش فيه الزعيمان المساعدات العسكرية والاستراتيجية السياسية، وتنظيم المراسلات التكتيكية، لم يكن أي منهما مدركاً أو مستعداً للخطر الداهم على الأبواب ولا لأن تسقط البلاد بأكملها في يد طالبان.
لكن في 15 أغسطس/آب، فرَّ غني من القصر الرئاسي ودخلت طالبان إلى العاصمة كابول. ومنذ ذلك الحين فر عشرات الآلاف من الأفغان اليائسين أو حاولوا الفرار، وقُتل 13 جندياً أمريكياً وعشرات المدنيين الأفغان في هجوم انتحاري عند مطار كابول خلال عمليات إجلاء أمريكية عسكرية محمومة.
خطة للسيطرة على الأوضاع
في المكالمة الهاتفية، عرض بايدن مساعدات إذا تمكن غني من أن يوضح علناً أن لديه خطة للسيطرة على الأوضاع المتدهورة في أفغانستان، وقال: "سنواصل تقديم دعم جوي مكثف إذا علمنا ما هي الخطة".
كانت الولايات المتحدة قد شنّت، قبل أيام من تلك المكالمة، ضربات جوية لدعم قوات الأمن الأفغانية، وهي خطوة قالت حركة طالبان إنها انتهاك لاتفاق الدوحة للسلام.
كما نصح الرئيس بايدن نظيره غني بأن يحصل على موافقة أفغان نافذين على استراتيجيته العسكرية من وقتها فصاعداً ثم وضع "شخصية مقاتلة" لتقود تلك الجهود في إشارة لوزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي.
أفضل جيش!
في حين أشاد بايدن في المكالمة بالقوات المسلحة الأفغانية، التي دربتها ومولتها الحكومة الأمريكية، وقال لغني: "من الواضح أن لديك أفضل جيش.. لديك 300 ألف جندي مسلحون جيداً، مقابل 70 أو80 ألفاً، وهم بالطبع قادرون على القتال جيداً".
إلا أنه بعد أيام من ذلك، بدأ الجيش الأفغاني في التقهقر في أنحاء البلاد وعواصم الأقاليم بدون قتال يُذكر في مواجهة طالبان.
خلال أغلب المكالمة، ركّز بايدن على ما وصفه بأنه "نظرة" الحكومة الأفغانية للمشكلة، مضيفاً: "أحتاج لأن أقول لك وجهة النظر والمفهوم السائد حول العالم وفي أجزاء من أفغانستان، أعتقد أن الأمور لا تسير بشكل جيد فيما يتعلق بالقتال ضد طالبان.. وهناك حاجة، إذا كان ذلك صحيحاً أو لا، هناك حاجة لرسم صورة مختلفة".
بايدن واصل حديثه إلى غني، مؤكداً أن عقد شخصيات سياسية أفغانية بارزة لمؤتمر صحفي معاً لدعم استراتيجية عسكرية جديدة "سيغير من المفهوم السائد، وسيغير الكثير من الأمور على ما أعتقد".
فيما أشارت كلمات الرئيس الأمريكي إلى أنه لم يكن يتوقع حدوث التمرد الكبير والانهيار بعد 23 يوماً؛ فقد قال بايدن: "سنواصل الكفاح بقوة، دبلوماسياً، وسياسياً، واقتصادياً، للتأكد من أن حكومتكم لن تبقى فقط، لكنها ستستمر وتنمو".
بينما رفض البيت الأبيض، الثلاثاء، التعليق على هذا الاتصال الهاتفي.
كان البيت الأبيض قد أصدر بياناً بعد الاتصال ركز على التزام بايدن بدعم قوات الأمن الأفغانية، وسعي إدارته للحصول على مخصصات مالية لأفغانستان من الكونغرس.
إعادة التوازن للحل العسكري
في المقابل، أبلغ غني بايدن أنه يعتقد أن السلام يمكن أن يتحقق لو استطاع "إعادة التوازن للحل العسكري". لكن بايدن أضاف: "نحتاج إلى أن نتحرك على وجه السرعة".
غني أكد أنهم يواجهون "غزواً على نطاق واسع، يتألف من طالبان وتخطيط باكستاني كامل، ودعم لوجستي، إضافة إلى ما لا يقل عن 10 إلى 15 ألف إرهابي دولي معظمهم من الباكستانيين تم الدفع بهم في هذا الأمر". ولطالما أشار مسؤولون في الحكومة الأفغانية وخبراء أمريكيون إلى الدعم الباكستاني لطالبان باعتباره مفتاح عودة الروح للحركة، حسب قولهم.
لكن السفارة الباكستانية في واشنطن تنفي هذه المزاعم. وقال متحدث باسم السفارة: "واضح أن أسطورة عبور مقاتلي طالبان من باكستان ذريعة وفكرة لاحقة، لسوء الطالع، روج لها السيد أشرف غني لتبرير فشله في القيادة والحكم".
كذلك حاولت رويترز الوصول إلى حاشية غني بسبب هذا الموضوع سواء عبر الهاتف أو الرسائل النصية دون جدوى. وصدر أحدث بيان علني من غني، الذي يتواجد حالياً في دولة الإمارات يوم 18 أغسطس/آب. وقال إنه فر من أفغانستان من أجل منع إراقة الدماء.
بينما كان الرئيسان يتحدثان، سيطر متمردو طالبان على نحو نصف مراكز الأقاليم في أفغانستان؛ مما يشير إلى تدهور الوضع الأمني بسرعة.
أزمة تواجه بايدن
يشار إلى أن أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عبّروا عن خيبة أملهم بعد السقوط السريع لأفغانستان في يد طالبان التي أطاحت بها الولايات المتحدة من قبل بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وبسبب ما وصفوه بأنه إخفاق ذريع في عمليات الانسحاب والإجلاء. ولا يزال هناك ما يقدر بنحو مئة أمريكي أو أكثر عالقين في أفغانستان.
من المتوقع أن يستغل جمهوريون الأزمة لمحاولة إخراج سياسة بايدن التشريعية وأجندته عن مسارها وكنقطة للتركيز عليها أثناء انتخابات التجديد النصفي التي تجرى العام المقبل. ويأمل الجمهوريون في انتزاع السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب من يد الديمقراطيين، مما قد يضع عراقيل أمام النصف الثاني من ولاية بايدن الرئاسية.
في غضون ذلك، أظهر استطلاع رأي لرويترز/إبسوس، الإثنين 30 أغسطس/آب، أن أقل من 40% من الأمريكيين يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الانسحاب، وأن ثلاثة أرباعهم كانوا يرغبون في بقاء القوات الأمريكية في البلاد حتى خروج جميع المدنيين الأمريكيين.
من جهتهم، أكد كبار الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي، بمن فيهم مايكل ماكويل، كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أنهم كتبوا، الإثنين، لمستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان يطلبون تفاصيل خطة إعادة الأمريكيين إلى الوطن وإجلاء آخرين تركوا وراءهم.
أضاف ماكويل، في بيان: "للكونغرس الحق في معرفة كيف سيتم تسهيل عمليات الإجلاء هذه وإجرائها".