لا يزال لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، متصدراً لمشهد الأحداث الفلسطينية، كونه أول لقاء سياسي بهذا المستوى يجمع عباس بمسؤول إسرائيلي منذ توقف المفاوضات في 2014.
اللقاء الذي جرى في ساعة متأخرة من مساء الأحد 29 آب/أغسطس 2021 بمقر المقاطعة برام الله، جاء بطلب من غانتس، واستمر لأكثر من ساعتين، بحضور وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، ورافق غانتس منسق العمليات الحكومية في الأراضي المحتلة غسان عليان.
قرض للسلطة
كشفت هيئة البث الإسرائيلي- مكان، أن غانتس وافق خلال اجتماعه بعباس على منح السلطة الفلسطينية قرضاً بـ500 مليون شيكل، قرابة 170 مليون دولار، يتم سداده من أموال المقاصة من منتصف 2022، وناقشا أزمة آلاف الفلسطينيين العالقين في الخارج ممن لا يمتلكون تصاريح لدخول المناطق الفلسطينية، وزيادة عدد التصاريح للعمال الفلسطينيين للعمل داخل الخط الأخضر بـ15 ألف تصريح جديد.
وعلم "عربي بوست" من مصادر خاصة أن "عباس طالب غانتس بمساعدته في مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي، عبر إنشاء نظام محاسبي مشترك من شأنه جباية الاستحقاقات الضريبية للتجار الفلسطينيين، مما سيوفر على السلطة 10 ملايين شيكل شهرياً (3 ملايين دولار).
من جهته، كشف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لـ"عربي بوست" أن "اجتماع عباس بغانتس مهم على صعيد معالجة القضايا التي تهم الفلسطينيين، وقد تناول جملة من القضايا المتعلقة بالمضايقات الإسرائيلية في القدس، وتقديم اعتراضات على سلوكيات لجماعات دينية يهودية تهدد باستقرار المنطقة، واستمرار إسرائيل بالابتزاز المالي في أموال المقاصة التي أدت لانعكاسات كبيرة على صعيد الاستقرار المالي للموازنة العامة الفلسطينية، آملين ترجمة ما تم التوافق عليه في المرحلة القادمة، إن صدقت النوايا الإسرائيلية".
زيارة نفتالي لإسرائيل
حمل لقاء عباس بغانتس أبعاداً سياسية، فهو يتزامن مع زيارة موازية أجراها رئيس الوزراء نفتالي بينت لواشنطن والتقى بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وكان الملف الفلسطيني حاضراً فيها، وطالب الأخير إسرائيل بخطوات لبناء الثقة مع الفلسطينيين، ونزع فتيل التوتر من الاستفزازات في القدس.
في الوقت ذاته، يمكن اعتبار أن طابع الاجتماع كان أمنياً في جوهره، فالإسرائيليون بدأوا باستشعار الخطر من تكرار العمليات التي تنفذ ضد قوات الجيش في الضفة الغربية، تحديداً في جنين، التي تشهد منذ أسابيع حالة من التوتر في ظل اشتباكات مسلحة، وهناك قلق إسرائيلي من تأثير الأزمة الاقتصادية التي تعانيها السلطة على التنسيق الأمني، خاصة أن الضفة الغربية تعد ساحة استنزاف كبير للجيش الإسرائيلي.
منير الجاغوب رئيس المكتب الإعلامي بمفوضية التعبئة والتنظيم في فتح قال لـ"عربي بوست" إن "كل ما طرح في اجتماع الرئيس بغانتس يهم المصلحة الفلسطينية والقضايا الوطنية، حتى لو سعت إسرائيل لترويج عكس ذلك، واختزالها في قضايا إنسانية واقتصادية، فمسألة العالقين التي ترفض إسرائيل دخولهم للأراضي المحتلة قضية سياسية وليست إنسانية، وحقوقنا الاقتصادية والمالية التي نسعى لانتزاعها من القرصنة الإسرائيلية انتصاراً سياسياً، وليس منَّة أو مكرمة من إسرائيل".
وأضاف المتحدث: "نتفهم أن التطلعات الفلسطينية من اللقاء أكبر من ذلك، لكن قبل البدء بقطف ثمار مساعينا السياسية لابد من بناء خطوات للثقة بين السلطة والأطراف الإقليمية والدولية، فالإرث الذي خلفه ترامب في سياسته ضد السلطة يحتاج جهداً مضاعفاً من قبلها والمجتمع الدولي لإعادة الأمور لمسارها الصحيح".
تعليق إسرائيلي عن لقاء عباس وغانتس
الإسرائيليون اعتبروا اللقاء مادة دسمة للمزايدات السياسية، إذ علق وزير الاتصالات يوعاز هندل بالقول إن "اللقاء ناقش قدرة السلطة على الحكم والسيطرة والتنسيق الأمني، ومن مصلحتنا عدم انهيارها، ودعمها اقتصادياً، على أن تكون مهمتها إضعاف حماس، وجمع القمامة من شوارع جنين ورام الله".
وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، عيساوي فريج، قال إن "السلطة تمر بأزمة اقتصادية صعبة للغاية، ومن مصلحتنا المشتركة الحفاظ عليها قوية، نحن في طريقنا لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وسيكون لدينا في المرحلة القادمة مزيد من الموائد المستديرة مع رجال الأعمال الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه لن تقام دولة فلسطينية في السنوات الخمس القادمة".
نهاد أبوغوش، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) قال لـ"عربي بوست" إن "الرؤية الأمريكية والإسرائيلية متناغمة في عدم الحماس لبدء مسار المفاوضات السياسية مع السلطة، لذلك يمكن اعتبار اجتماع غانتس- عباس أمنياً بالدرجة الأولى، لدعم قوى "الاعتدال" خشية أن يؤدي ضعف السلطة لتقوية رصيد حماس في الشارع، مع العلم أن عباس يأمل من الاجتماع الخروج من العزلة السياسية التي عانتها السلطة منذ فترة ترامب، كما أن مسار التطبيع الأخير أضعف موقف السلطة على المستوى الإقليمي والدولي".
يشير الكشف الإسرائيلي عن القضايا التي ناقشها اجتماع غانتس – عباس، لطبيعة المرحلة السياسية بين الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية في التعامل مع السلطة، باختزال الصراع في ملفات اقتصادية ومعيشية دون أي مسار سياسي للتسوية يفضي لنتيجة نهائية تمنح الفلسطينيين مكاسب استراتيجية على المستوى البعيد.
وبالنسبة لإسرائيل لا تبدو الأمور جاهزة لبدء مسار سياسي مع السلطة الفلسطينية، فحكومة بينيت التي تتبنى سياسة يمينية متشددة ليس على أجندتها بدء المفاوضات مع السلطة، مما يفسر وفقاً للكثير من المراقبين حضور غانتس لهذا الاجتماع، بدلاً من وزير الخارجية يائير لابيد أو رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، عبدالمجيد سويلم قال لـ"عربي بوست" إن "لقاء غانتس – عباس جاء بإيعاز وطلب أمريكي، فغانتس هو الرجل الأقوى بين الوزراء الإسرائيليين من الناحية الاعتبارية، ويمتلك رؤية سياسية بالنسبة للحالة الفلسطينية، وأي خطوات إسرائيلية تقدم للفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة يجب أن تكون مرجعيتها مؤسسة الجيش والاستخبارات، لتكون في حالة تقييم مستمر لمعرفة نتائجها على الأرض".
وأضاف المتحدث أن "حرب غزة الأخيرة أظهرت مقاربة إسرائيلية وأمريكية جديدة للتعامل مع الفلسطينيين، عبر احتوائهم من خلال "القوة الناعمة"، وليس مزيداً من الضغط عليهم، لذلك بِتنا نشهد ترويجاً إسرائيلياً لمشاريع اقتصادية وأطروحات متعلقة بتحسين الوضع المعيشي، مقابل عدم ربط هذه التسهيلات بأي مسار سياسي، أي أنه بلا ثمن أو تنازل تقدم عليه إسرائيل".