أيام قليلة تفصل المغاربة عن الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، وعلى الرغم من الطابع التنافسي الحاد بين الأحزاب، وتحديداً الأحزاب الكبرى، تجري تفاهمات واسعة لترتيب المشهد بعد الانتخابات، يكون من نتائجه حرمان "العدالة والتنمية" من الفوز برئاسة المدن الكبرى.
فرصة لا تعوَّض
في هذا الاتجاه، كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن تحالفاً غير معلن بين ثلاثة أحزاب هي: الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، تفاهموا فيما بينهم على محاصرة حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى؛ للحيلولة دون عودته لرئاستها.
وتابعت المصادر ذاتها أن قيادات الأحزاب الثلاثة وجهت مسؤوليها الجهويين والإقليميين إلى القيام بما يلزم لإزاحة حزب العدالة والتنمية من رئاسة الجماعات المحلية الكبيرة، التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، والتي سيطر عليها في انتخابات 2015.
وحقق حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة اختراقاً غير مسبوق بالتاريخ السياسي المغربي، حيث تمكن من تحقيق أغلبية مطلقة في أكثر من 200 مدينة يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة، كما حسم بسهولة كبيرةٍ رئاسة أهم المدن الكبرى في المغرب.
وأفادت المصادر ذاتها، بأن الأحزاب وجدت في قرار عدد كبير من عمداء المدن من حزب العدالة والتنمية، عدم الترشح للانتخابات الجماعية المقبلة فرصة لا تعوَّض من أجل الانقضاض على رئاسة المدن الكبرى.
وسجلت المصادر، أن الأحزاب الثلاثة سعت إلى التعاقد مع شخصيات غنية وذات نفوذ واسع لترشيحها كوكلاء لوائح أحزابها من أجل الظفر برئاسة المدن الكبيرة.
كما أن قيادات الأحزاب نفسها دعت مسؤوليها الجهويين والإقليميين إلى تفضيل مرشحي الأحزاب الثلاثة عند بناء تحالفات للتسيير داخل المدن؛ من أجل تضييق الخناق على "العدالة والتنمية".
لا عودة للرئاسة
كان لافتاً رفض "أغلب" رؤساء المدن الكبيرة الترشح مجدداً كوكلاء لوائح لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي اعتبرته الأحزاب الأخرى "هدية" من السماء.
هذا الموقف نقله "عربي بوست" إلى قيادي كبير في حزب العدالة والتنمية، أكد أن عدم ترشح عمداء المدن السابقين يعد بحد ذاته خسارة كبيرة للحزب كما للمدن، لأنهم قدموا مردوداً طيباً وكانت لمساتهم بادية في تسيير المدن.
وتابع: "فكثير من المدن التي سيّرها الحزب في 2015 كانت غارقة في الديون، كما أنها كانت بعيدة عن المعايير الوطنية للتأهيل والتهيئة، والآن تحررت هذه المدن من الديون، وعرفت إعادة هيكلة تليق بالمدن الحديثة، بفضل التسيير الناجح للعمداء من أبناء العدالة والتنمية".
وكشف المتحدث أن أسباب رفض عدم الترشح تظل شخصية، وأصحابها هم من يعرفون طبيعة دوافعهم، لكن لا يمكن القفز على الصعوبات القانونية والميدانية التي يعانيها رؤساء المدن وهم يحاولون ممارسة مهامهم بنزاهة.
وأوالضح أن المعاناة القانونية تتمثل في ازدواجية التسيير بين المنتخبين وممثلي وزارة الداخلية، ورغم أن العلاقة في عمومها كانت تتميز بالتعاون فإن ازدواجية القرار هذه مشكلة كبيرة قد تؤثر على مشاريع التنمية والميزانيات.
وتابع أن هذه الازدواجية، وتتبع تنفيذ سياسات القرب من المواطنين، مع ما تتطلبه من مجهودات، فضلاً عن نتائج الأخطاء الطبيعية التي يقع فيها هؤلاء المسؤولون، فيطاردهم كابوس جرّهم إلى المحاكمة، كلها عوامل أنهكت عمداء المدن ودفعتهم إلى عدم الترشح.
وزاد المتحدثُ: "ثم إن الحزب (العدالة والتنمية) كان في هذه المرحلة ضعيفاً جداً، وبالتالي لم يستطع حماية مرشحيه من التجاوزات، والضغوط التي ظلوا يتعرضون لها، خلافاً للوعود التي كانت تقال لهم في بداية ولايتهم الانتدابية".
القانون وأشياء أخرى
الرغبة في حصار "العدالة والتنمية" تتجاوز المدن والجماعات بل تشمل كذلك البرلمان أيضاً، ففي مارس/آذار الماضي صدَّق البرلمان المغربي على تعديلات القوانين الانتخابية، التي ستتم الانتخابات القادمة في ضوئها، وكان لافتاً تمرير عدد من الإجراءات الجديدة، التي حملت لدى كثير من المثقفين والمراقبين والسياسيين رغبة في طي صفحة العدالة والتنمية بالقانون.
أولى هذه المراجعات تمثلت في القاسم الانتخابي، الذي يعني بحسب المادة الـ84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة "القاسم الانتخابي" ويُستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوزع المقاعد حسب قاعدة أكبر البقايا، وذلك بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور.
يُذكر أن القاسم الانتخابي صوَّت لصالحه 162 نائباً ينتمون إلى 7 أحزاب من الأغلبية والمعارضة، فيما عارضه 104 نواب ينتمون جميعهم إلى فريق العدالة والتنمية.
نقطة أخرى تمثلت في تعديل نمط الاقتراع الذي تحول إلى نمط اقتراع فردي، بعد أن كان المغرب يعتمد نمط الاقتراع اللائحي، النص الجديد وسَّع مجال تطبيق نمط الاقتراع الفردي، في المدن التي يقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة، بينما كان يشمل منذ 2002 المدن التي يبلغ عدد سكانها 35 ألف نسمة.
المتغير الثالث تجلى في إلغاء العتبة، والعتبة الانتخابية هي النسبة المئوية الأدنى من الأصوات المحصلة في الانتخابات، وهو ما يشترط القانون على كل حزبٍ الحصول عليه حتى يتمكن من نيل أحد المقاعد المتنافَس عليها في أي دائرة انتخابية.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، على تخفيض العتبة المطلوبة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد بالدوائر الانتخابية، من 6% إلى 3%.
أما بخصوص الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة، فإنه جرى إلغاء العتبة بشكل نهائي بخصوص الانتخابات الجماعية والجهوية.
ويسود اعتقاد واسع أن إبعاد "العدالة والتنمية" عن تسيير المدن والجماعات يواجه عائقاً واحداً يتجلى في مستوى الارتقاء بالخدمات والعناية بالمدن الذي عرفته أغلب الحواضر وحتى البوادي التي سيّرها حزب الإسلاميين المغاربة.