تشهد ليبيا في الآونة الأخيرة انقطاعات متكررة لشبكة التيار الكهربائي، في حالة يعاني الليبيون من جحيمها منذ نحو عشر سنوات، مع عجز عن إيجاد حلول مجدية رغم الانفراجة السياسية التي عاشتها البلاد في الفترة الأخيرة.
بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، الأحد 29 أغسطس/آب 2021، فإن انقطاع التيّار الكهربائي يتم مرّات عدّة في اليوم بمعدّل إجمالي يناهز 12 ساعة خلال فصل الصيف، فيما يتصاعد ضجيج لا ينقطع من المولدات في المدينة التي اعتادت أصواتها، ويغزو الدخان الرمادي ذو الرائحة الحادة شوارعها ليلاً، فيما تغرق أحياء بأكملها في العتمة مع حلول الليل.
الصيدلاني سفيان رجب الزرقاني (23 عاماً) يأسف "لحالة الظلام التام" في بعض الأحيان، مشدداً بانفعال على أنّ التيار الكهربائي "من متطلبات الحياة وواجب على الدولة أن توفره للمواطن".
بنية تحتية قديمة
وتقادمت البنية التحتية في ليبيا وانهار الاقتصاد. إلا أنّ هذه الدولة غنية بموارد الطاقة، وعدد سكانها الذي يدور حول سبعة ملايين، ليس كبيراً على تقاسم أرباح احتياطات إفريقيا الأكثر وفرة.
وعلى الرغم من بزوغ الأمل من جديد مع وصول حكومة انتقالية إلى السلطة بعد وقف إطلاق النار صيف 2020، فإنّ الليبيين ما زالوا يعانون من تقنين التيّار الكهربائي.
يقول الطالب الجامعي نادر النعاس (25 عاماً) وسط ضجيج صادر عن مولّد: "لا شيء تغيّر. الوعود التي قطعتها الحكومات المتعاقبة لم تُحترم".
يصبح الوضع أكثر مأساوية، عندما تتجاوز درجات الحرارة الأربعين. وتتفاقم الأوضاع كارثية بالنسبة لأولئك العاجزين عن ابتياع مولّد على غرار أحمد (اسم مستعار) الذي ينام فوق "سطح المبنى هرباً من الحرّ" في شقته التي ينيرها "بمصباح يدوي" فحسب.
ولا يخفي البقّال أسامة الدلح استياءه قائلاً: "هذه الانقطاعات ترهقنا، تؤثر علينا نفسياً وتتسبب لنا بخسائر. نحن في حاجة إلى حلّ جذري".
بينما يقول علي العوامي الميكانيكي إن أعماله تعطّلت بسبب انقطاع الكهرباء. "أعمل في هذه السيارة منذ أسبوع". ثم يضيف: "أصبحنا نعيش في سجن كبير، فهل المطلوب منّا الهجرة وترك البلاد؟".
لا تطوير
كيف يفسّر شحّ الكهرباء المزمن؟ ينتقد ديوان المحاسبة الليبي ذو الدور الرقابي الإدارة السيئة للشركة العامة للكهرباء ومشاريعها غير المنجزة وكذلك استثماراتها.
ويعزو مسؤول في الشركة رداً على أسئلة لوكالة فرانس برس الأسباب إلى "معاناة" شركة الكهرباء من "ضعف وتهالك البنى التحتية منذ عشرة أعوام بينما هناك حاجة في معظم المحطات إلى عمليات صيانة" واسعة النطاق.
حيث تعرضت عشرات خطوط التوتر العالي لنقل التيار الكهربائي للتدمير خلال الهجوم الذي شنّه المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس بين نيسان/أبريل 2019 وحزيران/يونيو 2020.
وأدت مغادرة شركات أجنبية البلاد إلى تأخر تشييد منشآت جديدة. وبالتوازي، تزدهر التجارة في أسلاك النحاس المسروقة التي تباع في السوق السوداء.
يوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أنّ "الإنتاج اليومي للطاقة يتراوح حالياً بين خمسة آلاف و5,5 ألف ميغاوات"، كاشفاً أنّ "هذا الرقم لا يلبي الطلب على الطاقة الذي يرتفع في وقت الذروة خلال فصلي الصيف والشتاء إلى ما بين سبعة آلاف وثمانية آلاف ميغاوات".
ويلفت المصدر نفسه إلى عمل ائتلاف ألماني تركي (انكا تكنيك وسيمنس) على تشييد محطة في مصراتة (غرب) وأخرى في طرابلس بطاقة إجمالية تبلغ 1300 ميغاوات، على أن تباشرا الإنتاج خلال الفصل الأول من عام 2022. كما ستبني شركة "ميتكا" اليونانية محطة ثالثة في طبرق (أقصى الشرق).
إلى حين تحقق ذلك، تنمو تجارة المولدات المربحة على هامش أزمة شحّ الطاقة، وتتفاوت أسعار سلعها المعروضة بين بضع مئات وآلاف الدولارات.