قالت مصادر مطلعة في الأجهزة التي تسابق الزمن للمساعدة في إخراج الأفغان المعرضين للخطر، إن أعداداً غير معروفة من الأسر التي أحد أطرافها أمريكي، وتخشى التعرض لخطوات انتقامية من جانب طالبان، تعرضت للانفصال فيما حدث من فوضى، سعياً للهرب من البلاد قبل انتهاء عملية الإجلاء الأمريكية.
أضافت المصادر أنه في ضوء منح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولوية لحَمَلة جوازات السفر الأمريكية، وحَمَلة بطاقات الإقامة الخضراء، واجه كثيرون من المتدفقين على المطار عبر حواجز طالبان الأمنية مع أُسر أفغانية خياراً مؤلماً، بين الرحيل دون الأقارب أو المجازفة بأرواحهم والبقاء في أفغانستان.
قصة رحيل مثيرة
من ضمن الحالات التي واجهت الأزمة شريفة أفضلي، المتزوجة من أمريكي، فوسط تدافع غيرها من الأفغان المستميتين في سبيل الخروج من أفغانستان، مدت يدها بهاتفها المحمول للجندي الأمريكي الذي يسد بوابة مطار كابول، وعلى الطرف الآخر في المكالمة الهاتفية كان زوجها، أحد قدامى المحاربين الأمريكيين في أوكلاهوما.
قال الزوج هانز رايت "قلت لها استكشفي إن كان سيوافق على التحدث معي على الهاتف. لم أعتقد أنه سيفعل ذلك، لكنه تحدّث معي". وتوسّل رايت للجندي كي يتجاوز القواعد من أجل المرأة التي يُحبها ولا تحمل تأشيرة. وروى رايت لرويترز، في تقرير، يوم الأحد 29 أغسطس/آب 2021، ما حدث قائلاً "من كرم الله أنه سمح لزوجتي ومترجمي بالمرور".
إذ استطاعت أفضلي الخروج من أفغانستان، معتبرة نفسها واحدة من المحظوظين.
من جانبها، قالت ستاسيا جورج، المسؤولة السابقة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "تعاملنا مع حالات عديدة لأُسر إما انفصل أفرادها أو قيل لهم إن من يحملون جواز سفر (أمريكياً) أو بطاقة خضراء هم فقط من سيُسمح لهم بالمرور عبر البوابات".
أضافت أن البعض اضطر لترك أطفال لهم الحق في الجنسية الأمريكية مع أقاربهم. وتمكن آخرون من نقل الأطفال إلى المطار مع أفراد أسرهم الذين يحملون الجنسية الأمريكية أو البطاقات الخضراء.
عمليات الإجلاء
في سياق متصل، قال جو ماكرينولدز، أحد المناصرين لعملية الإجلاء، إنه وثّق 12 حالة لأفراد عاملين في الجيش الأمريكي من المولودين في أفغانستان، أو قدامى المحاربين الأمريكيين الذين يحاولون من الولايات المتحدة جلب أقارب لهم بتأشيرات هجرة خاصة، أو بصدد الحصول عليها.
حيث قال "لو أن الجندي الأمريكي كان موجوداً في أفغانستان لاستطعنا على الأرجح إخراجهم"، مضيفاً أنه على علم بنجاح حالة واحدة فقط من هذه الحالات. وامتنع عن ذكر التفاصيل لدواعٍ أمنية.
في المقابل، تضافرت عوامل في نجاح هروب أفضلي، على رأسها قوة إصرارها والحظ وزوجها وشهادة الزواج وطلب الحصول على تأشيرة هجرة خاصة.
حيث جاءت مساهمة حاسمة من أشلي سوجي، ضابطة العمليات الخاصة السابقة بالجيش الأمريكي، التي تعتقد أن رسالة أرسلتها بالبريد الإلكتروني إلى جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، لعبت دوراً محورياً في وضع اسم أفضلي على قائمة المسافرين بالمطار.
في حين طلبت رويترز من ساكي التعليق، فقالت إن المسؤولين عن إنقاذ أرواح عشرات الآلاف هم رجال الجيش ونساؤه وفرق الأمن القومي ووزارة الخارجية الموجودون على الأرض في كابول.
عشرات السنوات في الخدمة
من جانبه فقد تقاعد رايت، القادم من مدينة جروب بولاية أوكلاهوما في 2009، وهو رقيب أول، بعد أن أمضى 24 عاماً في الخدمة، وقال إنه بدأ العمل كمتعاقد يقدم الاستشارات للقوات الخاصة الأفغانية.
فيما التقى بأفضلي التي كانت تعمل للشركة التي تعاقد معها في 2017. وعندما غيّر وظيفته في 2019 انتقلت هي للعمل كمترجمة في موقع آخر. وأضاف "كبرت العلاقة بيننا من خلال الرسائل النصية والبريد الإلكتروني وفيسبوك".
إلى ذلك فقد طار الاثنان في أبريل/نيسان 2021 إلى دبي، حيث تزوّجا، واضطر قاض في ولاية يوتا لتزويجهما عبر الإنترنت. وقال رايت إن الإمارات رفضت منحهما وثائق رسمية "لأنني مسيحي وهي مسلمة". وأضاف أن وثيقة الزواج وقع عليها نائب محافظ يوتا.
لكنه قال إن زواجها لم يذلل عقبة بيروقراطية، إذ لم تستطع أفضلي التقدم بطلب للحصول على تأشيرة بصفتها زوجة أمريكي، لأنها كانت قد تقدمت بالفعل بطلب للحصول على تأشيرة هجرة خاصة لم يُبت فيها منذ 2018.
تأشيرة الزوجة
في حين سافر رايت من أفغانستان، في مايو/أيار 2021، على أمل الموافقة على تأشيرة أفضلي. لكن أعقب ذلك سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان، والفوضى التي عمت عشرات الآلاف الساعين لركوب طائرة تنقلهم من البلاد.
كما روى رايت مساعيه الأولى لإخراج زوجته من أفغانستان، فقال "خلال هذين الأسبوعين الأخيرين لم أستطع النوم، أمضيتُ الكثير من الليالي في مخاطبة الجيش (الأمريكي) ووحدة الاتصال العسكري الأفغانية".
فيما أرشد أحد أفراد الجيش رايت يوم الإثنين عن سوجي، بعد أن اطلع على منشوراتها عن تقديم المساعدة في إخراج الناس من أفغانستان.
إذ أجرت سوجي اتصالات وأرسلت صور وثائق أفضلي بالبريد الإلكتروني، وما سترتديه من ملابس لمن تتعامل معهم في المطار، وتابعت الوضع في الخارج عبر شبكات معارفها في توقيتات آنية تقريباً.
التواصل مع الكونغرس
كما حثّت رايت على الاتصال بأعضاء في الكونغرس، ويوم الثلاثاء طلبت منه أن يبلغ زوجته بأن تتجه إلى المطار. وظلّ على تواصل مع سوجي عبر الهاتف والرسائل النصية.
في حين انطلقت أفضلي والمترجم نحو الساعة الثامنة مساء، واستغرق الأمر منهما حوالي 16 ساعة في الحر القائظ للوصول إلى البوابة، وتعرضت أفضلي للضرب بعصي مقاتلي طالبان.
فيما طلب الجنود الأمريكيون من الاثنين التوجه إلى بوابة مختلفة. وقال رايت "أصيبت (أفضلي) بجروح من بعض الضربات، وتعرضت للدفع واللطم من الحشد، وطلبت منها ألا تيأس".
حتى وصلت إلى بوابة ثانية، غير أن القوات الأمريكية رفضت السماح لها بالدخول، لأن تأشيرتها لم تتم الموافقة عليها بعد. وحثت سوجي أفضلي في رسالة نصية على المثابرة، وقدمت لرايت نصائح حول الكيفية التي يجب أن تخاطب بها أفضلي الجنود.
قالت لرايت أن يطلب من زوجته أن تكون "مهذبة ولحوحة"، وعندها طلب رايت من زوجته تسليم الهاتف للجندي الأمريكي. وما إن دخل الاثنان المطار حتى رتبت سوجي لركوب أفضلي والمترجم إحدى الطائرات، وقال رايت إن وجهتها في ذلك الوقت لم تكن معروفة. وأضاف يوم الجمعة "اتصلت بي صباح اليوم، أصبحت في ألمانيا".