كشفت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير لها الأحد 29 أغسطس/آب 2021، عن قيام عدد من الدول الأوروبية بتشييد حواجز هائلة من الأسلاك الشائكة على حدودها، بالإضافة إلى نشر العشرات من المدرعات العسكرية، وذلك تمهيداً لمنع الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء من الوصول إلى بلدانهم، خاصة من الأفغان، بعد أن أعلنت حركة "طالبان" عن سيطرتها على البلاد.
تروي الصحيفة البريطانية، أنه على امتداد الحدود الخضراء لأوروبا، يصعب ألا يلمح المار لمعان الترسانة الجديدة من الأسلاك الشائكة بين الأشجار المتمايلة وأعشاب المروج، في الوقت الذي تتجول فيه المركبات العسكرية على جميع ممرات نهر إيفروس، النهر الذي يشكِّل أقصى الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي.
أوروبا في حالة تأهب
هذا هو المكان الذي يُتوقع أن يتدفق عبره الأفغان الفارون من الانهيار الفوضوي لبلادهم إلى أوروبا خلال الأسابيع المقبلة، في نهاية رحلة تزيد على 4 آلاف كيلومتر عبر الأراضي الوعرة في إيران وتركيا، إذ بمجرد عبور نهر إيفروس إلى اليونان، يدخلون نظام اللجوء الأوروبي.
لكن بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى هذه الممرات، بعد ما كابدوه من مفاوضات على الطرق الجبلية المليئة بالعصابات ومراوغة مراكز الاحتجاز في تركيا، سيجدون حاجزاً آخر أمامهم: فاليونان تعمل على قدم وساق للتعجيل ببناء جدار يحيط حدودها بالكامل ويمتد بطول 209 كيلومترات على حدودها البرية مع تركيا وبعض حدودها مع بلغاريا.
يأتي هذا الجدار ليمثل جزءاً من شبكة متنامية من الحواجز المنصوبة عبر أوروبا، وهي قارة باتت الآن محاطة -ومقسَّمة- بالجدران أكثر حتى مما كانت عليه في ذروة الحرب الباردة.
اليونان وبولندا
بالقرب من قرية ديكايا اليونانية، يستحيل ألا تلاحظ مدى عسكرة هذه المنطقة تأهباً للتدفق المتوقع للأفغان، فالأسلاك الشائكة منصوبة على ضفاف النهر، والكاميرات الأمنية مثبتة في مواضع عدة.
لا تعيش اليونان وحدها هذا الهياج في إنشاء الأسوار الجديدة: فقد أعلنت بولندا هذا الأسبوع أنها ستبني "سياجاً صلباً" بارتفاع 2.5 متر على حدودها مع بيلاروسيا، في محاولة لمنع ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا، من الضغط عليها عبر دفع المزيد من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا والشرق الأوسط إلى عبور تلك الحدود.
أقامت وارسو بالفعل الحواجز والأسلاك الشائكة على طول 104 كيلومترات من الحدود، وضاعفت عدد القوات في دورياتها إلى نحو ألفي جندي. ومن المقرر، أن تبني ليتوانيا أيضاً سياجاً بارتفاع 4 أمتار على طول حدودها مع بيلاروسيا.
أما تركيا، فقد أقامت بالفعل جداراً من الحواجز العسكرية على طول حدودها التي تبلغ نحو 900 كيلومتر مع سوريا، وهناك حاجز آخر قيد الإنشاء على طول حدودها الشرقية مع إيران، وهو الطريق الذي عادة ما يسلكه اللاجئون الأفغان. وهذه الحواجز مزودة بمدافع رشاشة يُتحكم فيها عن بعد وكاميرات لاستشعار الحركة.
في اليونان، كان تأمين حدود أقوى للبلاد أقرب إلى الوعد الانتخابي الأبرز لحزب الديمقراطية الجديدة الذي يتزعمه رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، والذي تولى السلطة في عام 2019.
حقوقيون ينتقدون
في المقابل، تقول ماريانا كاراكولاكي، وهي باحثة في سياسات الهجرة بجامعة برمنغهام البريطانية: "يُنظر إلى اللاجئين ويُقدَّمون على أنهم متطرفون، كما أن الجدران ليست فعالة أبداً في الواقع.. لكنها فعالة في خدمة أغراض الحكومة الحالية".
في معرض انتقادها لهذه السياسات، تشير ماريانا إلى أن كل ما ستحققه هذه الحكومات على المدى الطويل هو فتح الطريق أمام مسارات جديدة للهجرة، وتعزيز شبكات التهريب التي سترفع من رسومها.
تقول شاهدة العيان جيانولا كاراوغلو إنها رأت يوم الخميس 26 أغسطس/آب الجيشَ اليوناني يُفرغ ترسانة لفات جديدة من الأسلاك الشائكة في ديلوفوس، وهي قرية يونانية صغيرة بجوار إيفروس والحدود التركية. وقد أعلنت أثينا عن الانتهاء من بناء جدار فولاذي بطول 40 كيلومتراً مدعوم بالخرسانة وتعلوه أجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء ومدافع صوتية لإبعاد طالبي اللجوء المحتملين.
كما تتهم جماعات حقوق الإنسان أثينا بإجبار قوارب المهاجرين على العودة إلى المياه التركية، وإلقاء الأشخاص الذين يصلون إلى الأراضي اليونانية في طوافات بدون محركات وتركهم في وسط البحر. وتنفي أثينا ذلك، مع أن هناك لقطات وصوراً توثق ذلك.
بينما تشير البيانات الواردة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إلى أن العدد الإجمالي للمهاجرين الذين دخلوا اليونان هذا العام قد انخفض انخفاضاً كبيراً، من أكثر من 15 ألفاً العام الماضي ونحو 74 ألفاً في عام 2019 إلى ما يزيد قليلاً على 5 آلاف مهاجر بحلول بداية أغسطس/آب من هذا العام.