تبادل للاتهامات بسرقة أراضي المحافظات السنية والتحالفات الإقليمية قبيل وقت قصير من الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بين كل من محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان الحالي، وزعيم تحالف التقدم البرلماني، والسياسي السني الشهير خميس الخنجر، زعيم تحالف عزم.
رسالة "واتساب" مهينة من الحلبوسي لخنجر
وفي الوقت الذي يتنافس فيه كلا الزعيمين السنيين على الانتخابات البرلمانية المقبلة، زاد الصراع بينهما لدرجة إرسال رسائل نصية تحتوي على إهانات، ففي نهاية الشهر الماضي، أرسل محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان الحالي، رسالة عبر تطبيق الواتساب إلى منافسه خميس الخنجر، يتهمه فيها بسرقة وبيع أراضي المواطنين في المحافظات السنية، واصفاً إياه بنادل في مطعم من ضمن إهانات لفظية أخرى.
رسالة تم تسريبها عبر المجموعات الخاصة بالصحفيين على تطبيق واتساب، واطلع عليها "عربي بوست"، كانت سبباً في تفجير الأزمة الحالية بين الحلبوسي والخنجر، الذى رد في بيان عام عليها، مترفعاً عن تبادل الشتائم مع رئيس البرلمان وغريمه السياسي.
مصدر مقرب من خميس الخنجر تحدث لـ"عربي بوست"، قائلاً: "إن الحلبوسي يحاول في الفترة الأخيرة التخلص من جميع خصومه السياسيين، من أجل الحفاظ على مكانته السياسية، وصل الحد به إلى توجيه الإهانات اللفظية إلى السيد خميس، دون نشر أي أدلة على كلامه".
ويشير المصدر ذاته إلى أن من قام بتسريب هذه الرسالة إلى الصحفيين هم أنصار الحلبوسي، فيقول: "يتهم الحلبوسي السيد خميس بأنه من قام بتسريب الرسالة، لكن العكس صحيح، أنصار الحلبوسي في وسائل الإعلام هم من فعلوا ذلك، لتشويه سمعة خميس الخنجر قبل الانتخابات".
خميس الخنجر يسرق أراضي المواطنين
في المقابل يتهم أنصار محمد الحلبوسي، خميس الخنجر بأنه يتاجر بقضية النازحين السنة، المحرمين من العودة إلى محافظتهم منذ أن تركوا ديارهم في عام 2014، بسبب قتال القوات العراقية لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي اتخذ من المحافظات السنية في العراق ملاذاً له.
يقول أحد السياسيين السنة المقربين من محمد الحلبوسي، لـ"عربي بوست": "يريد خميس الخنجر كسب أصوات المواطنين السنة ببيع الوهم لهم، من خلال ادعائه القدرة على إعادتهم إلى منازلهم، ثم يقوم بسرقة هذه الأراضي والمنازل وبيعها إلى الأطراف المنتفعة"، لم يوضح السياسي السني من هم الأطراف المنتفعة من شراء الأراضي في المحافظات السنية.
فى الآونة الأخيرة، وفى تقرير سابق لـ"عربي بوست"، تحدثت مصادر عراقية سنية، ومصادر من العشائر السنية، عن تعنت قوات الحشد الشعبي، ضدهم وعدم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم، بعد انتهاء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2018، في المقابل دافع أحد قادة الفصائل المسلحة العراقية والمنطوية تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي، عن هذا الأمر، قائلاً: "إن هذه المناطق ليست آمنة إلى الآن، ومازال فلول داعش يقيمون على أطرافها، لذلك من الصعب عودة النازحين السنة إلى منازلهم".
يقول المصدر المقرب من محمد الحلبوسي لـ"عربي بوست": "يحاول خميس الخنجر وحلفاؤه السنة والشيعة السيطرة على الانتخابات القادمة، آملين في الفوز بمنصب رئيس البرلمان، لكن هذا الفوز سيكون على حساب عذاب أهل السنة ممن سيقررون التصويت لهم".
خميس الخنجر سياسي سني شهير، كان معروفاً في السابق بمهاجمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحلفائها في العراق، لكن بعد انتهاء القتال العراقي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وسيطرة الأحزاب الشيعية الموالية للفصائل المسلحة المقربة من إيران على مقاليد الحكم في العراق أكثر من ذي قبل، انضم خميس الخنجر إلى حلفاء إيران في العراق، وقدمت طهران الدعم المالي والمعنوي له منذ ذلك الحين.
فيما يتمتع رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي، الذي يعتبر أصغر رئيس برلمان في تاريخ العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، والذى كان في السابق يشغل منصب محافظ الأنبار، المحافظة السنية، بالدعم المالي والمعنوي من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة.
لذلك يفسر البعض داخل العراق الصراع بين الزعيمين من السنة بأنه ليس فقط صراعاً على الانتخابات المقبلة، وإنما صراع ذو توجهات إقليمية أيضاً.
يتهم محمد فرج، ناشط سياسي سني، وداعم لخميس الخنجر، الحلبوسي بتنفيذ أجندة سعودية إماراتية في العراق، فيقول لـ"عربي بوست": "يتهم الحلبوسي، السيد خميس ببيع وسرقة أراضي السنة، وهو ماذا يفعل بالأموال السعودية والإماراتية؟، وماذا كان يفعل في أبوظبي من أسابيع قليلة؟، أتحدى أن يجاوبني أحد من أنصاره على هذه الأسئلة".
"جرف الصخر" تزيد من الصراع السني
من ضمن حملته الانتخابية، أعلن السياسي السني البارز خميس الخنجر عودة بعض الأهالي السنة النازحين إلى منازلهم في منطقة جرف الصخر شمال محافظة بابل، تلك المنطقة التي وفقاً لقادة من الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران، تحدثوا في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، من ضمن المناطق التي يصعب عودة الأهالي إليها في الوقت الحالي، بعد أن تركوها أثناء القتال العنيف بين القوات العراقية ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
يحظى الخنجر بدعم من الفصائل المسلحة الشيعية، التي كرست جميع وسائل الإعلام التابعة لها لتصوير تقارير متلفزة لبدء عودة بعض الأهالي إلى منطقة جرف الصخر، تنفيذاً لوعد خميس الخنجر.
كما استعان الخنجر بزعماء العشائر السنية في هذه المنطقة لدعمه، وظهروا بجانبه في أكثر من تقرير مصور، وهم يؤكدون على عودة بعض الأهالي إلى منازلهم بالفعل.
على الناحية الأخرى، اتهم محمد الحلبوسي، الخنجر بكذب ادعاءاته بعودة الأهالي إلى منطقة جرف الصخر، وقال إنه استغل بعض العشائر لتحقيق دعاية انتخابية.
يقول مصدر سياسي مقرب من الحلبوسي لـ"عربي بوست": "نعلم أنه لا يوجد أي عائلة من العائلات النازحة عادت إلى جرف الصخر، إنها مجرد كذبة خلقها الخنجر ونحن نقوم بكشفها لأهلنا".
حرب إلكترونية
لم يتوقف الصراع بين الحلبوسي والخنجر عند تبادل الاتهامات والإهانات اللفظية، ولكن امتد لتكوين جيوش إلكترونية لتشويه سمعة كل واحد من الآخر، في الآونة الأخيرة ظهرت صفحات ممولة ومجموعات تضم آلاف المتابعين على تطبيق تيليغرام وواتساب، في خضم الحرب الدائرة بين الخصمين.
يقول ناشط وصحفي سني، مقرب من الخنجر، لـ"عربي بوست": "هناك الكثير من الأموال التي تم ضخها في الآونة الأخيرة على هذه الحرب الإلكترونية بين الطرفين، والكثير من الأموال تم دفعها للنشطاء السياسيين السنة، خاصة من الشباب، لشن حملات للدفاع عن مرشحهم المفضل".
وبالرغم من أن المصدر السابق يعمل في إحدى المنصات الإلكترونية التي من مهمتها العمل على تصعيد هذه الحرب بين الحلبوسي والخنجر، فإنه اتهم الطرفين بأن حربها قد تضعف الكتلة السنية في البرلمان العراقي القادم، فيقول لـ"عربي بوست"،: "هناك محافظات مختلطة مثل بغداد وديالى، بها مرشحون سنة وشيعة، من الممكن إن استمرت هذه الحرب بين الحلبوسي والخنجر، أن تضيع أصوات الناخبين السنة وتذهب لصالح المرشح الشيعي".
كما يصف الناشط والصحفي السني هذه الحرب الدائرة بين السياسيين السنة، بأنها لم يسبق لها مثيل من قبل، فيقول: "نعلم أن الاختلافات واردة لكسب أكبر عدد من أصوات الناخبين، لكن الإهانات والاتهامات لم تكن موجودة من قبل بين الأطراف السنية، إنها تضعف المكون السني أكثر من كونها دعايات انتخابية".
فيما يرى البعض داخل العراق أن هذه التناوش بين الحلبوسي والخنجر هو علامة صحية وضرورة من أجل الانتخابات البرلمانية، لكن في نفس الوقت هناك من يجادل بأن الخلاف ليس هدفه فقط الفوز بأكبر عدد مقاعد في البرلمان، وإنما يقف وراءه مصالح إقليمية واقتصادية لكلا الطرفين، يقول الباحث السياسي المستقل محمد العبيدي لـ"عربي بوست": "في أي مكان غير العراق، كان من الممكن رؤية هذا الصراع في إطار طبيعي، لكن في العراق، هذا الصراع مرهون بتحالفات إقليمية، وصراع على النفوذ فقط، دون الأخذ في الاعتبار مصالح الشعب العراقي".