عدم التعرض للشيعة الأفغان مقابل استمرار الدعم الإيراني.. الكشف عن تفاصيل اتفاق بين طهران وطالبان

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/26 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/26 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
الملا عبدالغني برادر الرجل الثاني في طالبان/ رويترز

حاولت الفصائل المسلحة العراقية، والمدعومة من إيران، لعب دور في الأحداث الأخيرة التي تمر بها أفغانستان، بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد، وعودة سيطرة طالبان على الحكم مرة أخرى.

فقد اجتمع قادة الفصائل المسلحة الشيعية العراقية، لبحث التطورات الأخيرة، وإيجاد "وسيلة لحماية الأقلية الشيعية في أفغانستان، على خلفية تاريخ طالبان السيئ والدموي تجاه الشيعة الأفغان"، على حد وصفهم.

لكن طهران سارعت لتهدئة الأمور، وإبرام العديد من الصفقات الجديدة مع طالبان، وتجديد الاتفاقيات التي كان قد أبرمها الجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني منذ سنوات.

لقاء قآني والحرس الثوري في بغداد

علم "عربي بوست"، من قادة سياسيين وعسكريين بالعراق، أنه تم عقد اجتماع سري وغير معلن بين قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قآني، وعدد من قيادات الحرس الثوري، بالفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران في بغداد، لتهدئة الأطراف الشيعية فيما يخص الأحداث الأخيرة في أفغانستان.

وذكر قائد عسكري في فصيل كتائب حزب الله العراقي، أحد أكبر الفصائل المسلحة المقربة من إيران، لـ"عربي بوست"، أن قادة المقاومة العراقية اجتمعوا في البداية، قبل حضور الإيرانيين، لبحث كيفية التعامل مع سيطرة طالبان على أفغانستان و"حماية إخواننا الشيعة هناك، كنا نفكر في إرسال قوة مسلحة لحماية الشيعة، ولكن كان لا بد من إخبار طهران بالأمر"، على حد تعبيره.

وعندما علم قادة الحرس الثوري الإيراني بنية قادة الفصائل المسلحة العراقية، سارعوا بالذهاب إلى بغداد، والاجتماع بهم.

وذكر القائد العسكري، المطلع على هذا الاجتماع، لـ"عربي بوست"، "حضر الإيرانيون لتهدئة غضبنا تجاه طالبان، وطمأنة الجميع بأن الشيعة الأفغان في مأمن، وقد عملت الجمهورية الإسلامية على حل هذه الأزمة مع قادة طالبان".

الشيعة الأفغان

يعتبر الهزارة في أفغانستان هم ثالث أكبر مجموعة عرقية، وهم أساس الطائفة الشيعية الأفغانية. تتركز الطائفة الشيعية الأفغانية في العديد من المدن الأفغانية مثل كابول وقندهار ومزار شريف.

في الماضي تعرضوا للكثير من الأذى والهجمات من قبل طالبان، عندما كانت في السلطة قبل الغزو الأمريكي لكابول في عام 2001، وبعد الإطاحة بالجماعة السنية من الحكم، استمر استهداف الهزارة الشيعة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

تنظر جماعة طالبان للهزارة على أنهم ليسوا أفغانيي الأصل، بل دخلاء على أفغانستان، كما أن أيديولوجية جماعة طالبان ترى أن الشيعة من الكفار ويجب محاربتهم.

وبالطبع كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعادي جماعة طالبان، خاصة بعد أن ازداد التوتر بينهما، لدرجة كادت أن تصل لحرب مفتوحة، في التسعينيات عندما أقدم مقاتلو طالبان على قتل 10 دبلوماسيين إيرانيين وصحفي، في مقر القنصلية الإيرانية بمدينة مزار شريف.

الفصائل الإيرانية العراق فيلق القدس
الجنرال إسماعيل قآني قائد فيلق القدس الإيراني/ رويترز

اتفاقيات إيرانية

لكن في عام 2015 اختلف الأمر، يقول مصدر استخباراتي إيراني رفيع المستوى، لـ"عربي بوست": "نعلم أنها أيديولوجية مختلفة تماماً مع الأيديولوجية التي تتبناها جماعة طالبان، ونعلم خطرهم، لذلك كان يجب التعامل معهم بشكل مختلف، وهذا ما فعله قاسم سليماني".

بحسب المصدر ذاته، في عام 2015، وبعد مشاورات مع المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وبعض القادة الأمنيين في طهران، تَوَاصل الجنرال قاسم سليماني مع قادة طالبان للعمل على تأمين الحدود الإيرانية مع أفغانستان، بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية هناك.

وفي هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست"، "دعا سليماني قادة طالبان في عام 2015 لزيارته في طهران، والاتفاق بشأن العديد من الأمور، للعمل على إيقاف داعش، وعند اقترابها من الحدود الإيرانية عبر أفغانستان".

وبحسب المصدر المقرب من الحرس الثوري الإيراني، فقد طلب قادة طالبان من سليماني الدعم المالي والتسليح من قبل الجمهورية الإسلامية، مقابل منع تنظيم الدولة الإسلامية من استهداف الحدود الإيرانية.

وقال المصدر لـ"عربي بوست"، إن سليماني وافق على تدريب الحرس الثوري لمقاتلي الجماعة، وإمدادهم بالأسلحة، وطالبهم بعدم التعرض للشيعة الأفغان على الإطلاق، وهذا ما حدث، بالإضافة إلى استمرار استهداف القوات الأمريكية في أفغانستان، ووافقت طالبان على هذا الأمر.

التأكيد على الاتفاقيات الإيرانية مع طالبان

الاتفاق والسلام المؤقت بين إيران وجماعة طالبان كان قبل الانسحاب الأمريكي وعودة سيطرة جماعة طالبان على الحكم، بعد السيطرة الكاملة على أفغانستان من قبل جماعة طالبان، سارعت الجمهورية الإسلامية في إيران، بالتفاوض مع قادة الجماعة، للتأكيد على الاتفاقيات السابقة.

يقول مصدر أمني في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست"، "قبل أن تعلن طالبان سيطرتها على أفغانستان بالكامل، قمنا بدعوة قادة الجماعة للتباحث حول العديد من الأمور الهامة، ومنها التأكيد على الاتفاق بينهم وبين سليماني، وعدد من الأمور الأخرى".

وبحسب المصدر الأمني المطلع على سير هذا الاجتماع، أبلغت إيران قادة طالبان بضرورة الالتزام بالاتفاق المبرم بينهم وبين قاسم سليماني قبل وفاته، كما طلبت طالبان من إيران، عدم عودة لواء فاطميون إلى الأراضي الأفغانية، وأمر وحدات الهزارة المسلحة بعدم الدخول في قتال مع مقاتلي الجماعة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن لواء فاطميون، الذي أسسه الحرس الثوري من الشيعة الأفغان، كان يقاتل بجانب قوات بشار الأسد في سوريا، أما بالنسبة لوحدات الهزارة فهي جزء أساسي من قوات مكافحة الإرهاب الرسمية التابعة لحكومة كابول قبل سقوطها، وأغلبهم من الطائفة الشيعية.

وبحسب المصادر الأمنية الإيرانية، التي تحدث لـ"عربي بوست"، فقد وافقت إيران على مطالب جماعة طالبان، في مقابل عدم التعرض نهائياً بأي شكل من الأشكال إلى الطائفة الشيعية الأفغانية، ووقف حركات تهريب اللاجئين الأفغان عبر الحدود الإيرانية-الأفغانية.

تغيير لهجة الفصائل العراقية

قبل اجتماع قادة الحرس الثوري الإيراني بالفصائل المسلحة العراقية، كانت جميع وسائل الإعلام المحسوبة على الفصائل المسلحة الشيعية في العراق والمدعومة من إيران تهاجم جماعة طالبان، وتدعو لنصرة الشيعة الأفغان.

صحفي عراقي يعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية التابعة للفصائل المسلحة العراقية، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلاً "مع سقوط المحافظات الأفغانية واحدة تلو الأخرى في قبضة طالبان، تلقينا تعليمات بشن حملة موسعة مناهضة لطالبان، والتركيز على أهمية إنقاذ الشيعة الأفغان من الجماعة السنية المتشددة، لكن الأمور تغيرت تماماً في الأيام الأخيرة".

وبحسب الصحفي العراقي، فقد بدأت القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية التابعة للفصائل المسلحة، في تغيير لهجتها الحادة تجاه جماعة طالبان، والتأكيد على هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان.

يقول قائد عسكري في إحدى الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من إيران، لـ"عربي بوست"، "بعد اجتماعنا مع الإخوة الإيرانيين، تبيّن لنا أن قلقنا كان زائداً عن الحد، وأن الجمهورية الإسلامية استطاعت انتزاع اتفاق مع طالبان بحماية الشيعة هناك، لذلك لا يوجد أي تحرك من قِبل الفصائل العراقية حتى الآن".

يبرهن القائد شبه العسكري على أمر حماية طالبان للأقلية الشيعية في أفغانستان، بسماح قادة طالبان للشيعة بإقامة شعائر ذكرى عاشوراء (ذكرى مقتل الحسين، الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة)، بحرية وأمان، فيقول "علمنا من الإيرانيين أن قادة طالبان شاركوا في بعض المحافظات في مراسم عاشوراء، وأن الشيعة الأفغان استطاعوا إقامة شعائرهم دون أي مضايقة، ليس أمامنا سوى الانتظار لنرى مدى مصداقية طالبان".

لكن في الوقت نفسه تحدث قائد عسكري آخر ينتمي لفصيل عصائب أهل الحق عن الأمر، لـ"عربي بوست"، قائلاً "لم نكن في البداية نعلم بأمر الاتفاق بين إيران وطالبان، يبدو أن الأمور تسير بشكل جيد إلى حد ما إلى الآن بالنسبة للإخوة الشيعة في أفغانستان، لكننا لا نثق بطالبان، وإذا حاولت إلحاق الأذى بالشيعة هناك فسنتحرك فوراً لنصرة إخواننا، دون الحاجة لإذن من الإيرانيين".

صحيح أن مراسم ذكرى عاشوراء مرت بسلام في أفغانستان، لكن هذا لم يمنع وجود بعض التوترات، على حد تعبيره.

صحفي أفغاني ينتمي إلى الطائفة الشيعية تحدث لـ"عربي بوست" قائلاً: "لم يتعرض مقاتلو طالبان للشيعة إطلاقاً، لكن علمنا أن بعض عناصر من طالبان حاولوا استفزاز الناس أثناء مراسم عاشوراء، وقاموا بتمزيق الإعلام الشيعية، لكن الشيعة التزموا الصمت لتهدئة الأمور".

دعم السيستاني

لم تكن الفصائل المسلحة العراقية فقط هي المستنفرة تجاه ما يحدث في أفغانستان، وإنما في النجف، المدينة الشيعية العراقية، التي تعتبر مركز العالم الإسلامي الشيعي، كانت هناك بعض التوترات، خاصة أن هناك الكثير من الطلبة الأفغان الشيعة، متواجدون في المدينة لاستكمال دراستهم الدينية في الحوزات العلمية بالنجف.

وبحسب بعض المصادر الدينية الشيعية، التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فقد طالب عدد من رجال الدين الشيعة العراقيين، آية الله العظمى علي السيستاني، والذي يعتبر أكبر مرجعية دينية شيعية في العراق، بالتدخل من أجل شيعة أفغانستان.

مصدر في مكتب السيستاني بالنجف تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، يقول: "السيد السيستاني تابع بشدة الأحداث في أفغانستان، وهو على علم بكل التطورات، لكنه لا يستطيع التدخل ولا فعل أي شيء، لأن الأمر سيكون بمثابة تحويل الأمر لحرب طائفية، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى دعم الطلاب الأفغان في النجف ومحاولة طمأنتهم".

تحميل المزيد