تعلمنا في الرياضيات أنه ليس للصفر قيمة، إنه كَالعدَم، لكن معادلة غزة في فيزياء الحق والوجود أعطت للصفر قيمة حقيقية فاق فيها الأرقام جميعها، وكالعادة فإن غزة بمكوناتها البشرية والجغرافية تفاجئنا بكل ما هو جميل، وكذلك تبكينا على حالها المأساوي بفعل الاحتلال والحصار، إلا أنها بقعة جغرافية تحفظ لنا كرامتنا نحن الفلسطينيين الماضين في دروب شتى من أجل تحرير البلاد.
أمس خلال مسيرة شعبية انطلقت شرق غزة، كان أحد قناصي الاحتلال يقف متجهزاً بعدته وعتاده خلف جدار إسمنتيّ عازل، مهمته قنص الشباب الثائر في غزة وإعدامهم، ولكن سرعان ما انقلبت الأحداث، غزة التي اعتدنا عليها أن تضبط مواعيد المقاومة، وتضبط لنا المفاهيم والمصطلحات، صححت لنا مثلاً يقول "امش الحيط الحيط ويا رب الستر"، فأصبح المثل "امشِ الحيط الحيط ويا رب النصر"، بعد انتشار مقطع فيديو يوضح مقاوماً فلسطينياً بسلاحٍ بسيط جداً لا يرقى لما في جعبة الجندي الإسرائيلي، يقف ببسالة مطلقاً النار على الجندي يرديه جريحاً في حالة خطرة، بعد محاولة أحد الشبان سابقاً سحب القناص الذي يستخدمه الجندي متخفين بالجدار العازل، يمضون حذاء الحيط الحيط ويا رب النصر، فنحن أهل الحيط إن النصر وَجَب.
هذا المشهد خطف القلوب، ربما تحديداً لنا في الضفة الغربية، حيث العطش الدائم لمقاومة الاحتلال بشتى الوسائل ولكنها قبضة الاحتلال وأدوات الاستعمار طويلة. هذا المشهد أعادنا إلى الزمن الجميل الذي كانت فيه فلسطين مشتعلة بالثورة بكل أطيافها الشعبية وفي كل الميادين، غزة دائماً ما تعيدنا إلى الزمن الجميل، غزة باتت هي الزمن الجميل، الذي حفظت كرامتنا وحقنا الوجودي النضاليّ على هذه الأرض المباركة.
ربما بعض القرّاء يتبنون وجهة النظر التي تتحدث عن أهمية صورة الفلسطيني السلمي أمام العالم حتى يقدم روايته ويقنع العالم بأنه يعاني من الاحتلال، ولكن بعد أكثر من 70 عاماً على الاحتلال واللجوء من أراضينا المُهجّرة، ومئات المجازر التي ارتكبت بحق أجدادنا وما زالت تُرتكب بحقنا حتى اليوم، ألم يرَ العالم أجمع أن الاستعمار ما زال يفتك بالوجود الفلسطيني، ثم بعد أكثر من 20 عاماً على توقيع اتفاقيات مهادنة و"سلام" كما يسمونها، ومال زال الاحتلال يقتل الفلسطيني ويعتقله ويهدم منزله ويشرّده ويحرمه من أدنى حقوقه الإنسانية والعالم صامت متفرج على المجازر فقط.
هل ما زال أحد في العالم مقتنع بأن على الفلسطيني أن يهادن ويستسلم؟ إن العالم بأسره يا عزيزي يقف مع القويّ فقط وليس مع الحق، فلنكن نحن -الفلسطنيين- أقوياء وأصحاب الحق، فتكون قوّتنا مضاعفة "قوة الحق وقوة القوة" لنستعيد ديارنا ونعيش في كامل بلادنا آمنين على حياتنا وأبنائنا، مطلين على العالم من سواحل حيفا ويافا وسور عكا الحصين، باعثين الأمل والحب وبرتقال حيفا إلى العالم، وورود غزة مبرقين بها حبنا للحياة الكريمة.
ما يدفعنا للكتابة عن مشهد قصير انتشر أمس، هو أملنا بأن هذا الجيل هو الجيل الذي يمتلك مفاتيح تفكيك الاستعمار وتحرير البلاد بصلابته وعناده ودفاعه عن حقه وعقيدته الدينية التي تشير بوصلتها إلى الأقصى الشريف، المسجد الذي سنشدّ جميعنا رحالنا إليه فاتحين مصلين مكبرين رافعين راية الإسلام على مآذنه، داحضين كل عدوّ ومتآمر علينا، فالنصر شريعة الأقوياء وأصحاب الحق. ولا عزاء لمن سيسقط في موكب الجلاء محاولاً الهرب من العدالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.