أعاد البيان الذي أصدره للمجلس الأعلى للأمن الجزائري، يوم الأربعاء 18 أغسطس/آب 2021 حركة "ماك" التي تطالب باستقلال القبائل إلى الواجهة، خصوصاً بعد اتهامها رسمياً بزعزعة استقرار الجمهورية.
الجزائر اتهمت حركتين صنفتهما مؤخراً ضمن "المنظمات الإرهابية"، وهما حركة "رشاد" وحركة "ماك"، بالتسبب في اشتعال حرائق غابات منطقة القبائل، هذا الشهر، وقالت إن إحداهما مدعومة من المغرب وإسرائيل.
ومن بين الحركتين ركز البيان الأخير على حركة "ماك"، التي قال إنها "تُدعم من المغرب لزعزعة الاستقرار الجزائري"، في الوقت الذي ترفع فيه الحركة مطلب استقلال منطقة القبائل عن الجزائر.
"ماك" استقلال القبائل
تُعد حركة "ماك" من بين أشهر التنظيمات السياسية المعارضة للنظام الجزائري منذ بداية الألفية الثالثة، وهي حركة أمازيغية تُطالب بتقرير المصير في منطقة القبائل، واستقلال المنطقة عن الجمهورية الجزائرية، الأمر الذي جعل النظام والإعلام الجزائري يصفها بالحركة الانفصالية.
خرجت حركة "ماك" للوجود سنة 2001، في الفترة التي اندلعت فيها داخل منطقة القبائل مشادات عنيفة بين قوات الأمن الجزائرية والمتظاهرين، واستمرت لمدة سنة، وكانت حصيلتها 126 وفاة، و5000 جريح، و200 معاق مدى الحياة.
تأسست حركة "ماك" على يد فرحات مهني الملقب بفرحات إيمازيغن إيمولا، وهو مغنٍّ وشاعر وسياسي ومعارض أمازيغي جزائري، ولد في منطقة القبائل، وبالضبط في إيلولة أمالو في دائرة بوزغن ولاية تيزي وزو، شرقي العاصمة الجزائر.
سنة 2010، أعلنت حركة "ماك" على يد فرحات مهني عن تشكيل حكومة قبائلية مؤقتة في فرنسا، وذلك لإنهاء ما سمته بـ"ظلم واحتقار وهيمنة الحكومة الجزائرية لمنطقة القبائل وأبنائها".
نصب فرحات نفسه رئيساً لـ"دولة القبائل" وتبرأ من الجزائر فجُرد من جنسيتها، فعيّن 9 وزراء، كما أنه أنشأ عملةً دولة القبائل وجواز سفر خاصاً بالمنطقة، رغم عدم الاعتراف الرسمي بها.
بدأت حركة "ماك" تجد لنفسها موطئ قدمٍ داخل منطقة القبائل، فبدأت تتوسع شيئاً فشيئاً وتحصد في صفها مؤيدين لسياستها ومطالبها، فارتفع منسوب الجرأة لدى المئات من أنصارها داخل المنطقة، وصلت إلى تنظيم مظاهرة في قلب مدينة تيزي وزو، حاملين علم "ماك"، بمناسبة الذكرى العشرين لـ"الربيع الأسود".
فرنسا تحتضن "ماك"
منذ تأسيسها بداية الألفية الثالثة نشطت حركة "ماك" في فرنسا، فوجدت فيها الملاذ الآمن للهروب من المطاردات الأمنية، واستقر أغلب نشطائها في باريس، حيث يقطن أيضاً رئيسها فرحات مهني.
وتسبب الحركة في أزمة غير معلنة بين الجزائر وفرنسا، هذه الأخيرة التي تحتضن القيادات رغم أنهم مطلوبون لدى السلطات الجزائرية، وتُوجه لها الجزائر تهمة حماية أعضاء الحركة.
وفي شهر مايو/أيار 2021 نشرت وكالة الأنباء الفرنسية برقية حملت عنوان "حركة الماك القبائلية تدحض أي خطة لشن هجمات"، ووصفتها بـ"المنظمة المؤهلة والمؤيدة للديمقراطية".
وصف فرنسا لـ"ماك" بالحركة الديمقراطية أغضب حكام قصر المرادية، الذي احتج في شخص السفير الجزائري لدى فرنسا محمد عنتر داود، والذي وجه رسالة إلى موجه الرئيس التنفيذي لوكالة الأنباء الفرنسية، بخصوص التغطية الإعلامية التي تُعطى للحركة، التي تعتبرها الجزائر انفصالية.
عودة الأضواء
نهجت الجزائر منذ البداية سياسة تجاهل نشاط حركة "ماك"، فتعاملت معها بلا مبالاة لسنوات، رغم الأنشطة التي قادها فرحات المهني داخل الجزائر وخارجها، وبالضبط في فرنسا.
ونهج فرحات مهني السياسة الاستفزازية تجاه السلطات الجزائرية، إذ زار سنة 2012 العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، والتقى بنائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، وصرح علانية بأنه يرغب في فتح سفارة إسرائيلية بمنطقة القبائل.
زيارات مهني لإسرائيل جعلت هذه الأخيرة محط اتهام بدعم تل أبيب لحركة "ماك" وتمويلها مادياً، حتى تستطيع استقطاب أكبر عدد من المؤيدين والأنصار، سواء داخل منطقة القبائل أو خارجها، على عكس الجزائر التي ترفض التطبيع مع إسرائيل، وتقول إنها من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية.
أما الموقف الرسمي للجزائر فقد تمسكت السلطات دائماً بتعبيرها عن رفض استقلال منطقة القبائل الناطقة باللغة الأمازيغية، والواقعة في شمال شرق البلاد، واعتبرت بذلك هذه الحركة غير قانونية.
واتهمت الجزائر الحركة بالتخطيط لأعمال إرهابية، وذلك بعد تفكيك خلايا انفصالية تنتمي إليها، صنفتها في مايو/أيار الماضي كحركة إرهابية انفصالية.
القبائل.. منطقة الاستثناء
تتعامل السلطة الحاكمة مع منطقة القبائل بمنطق الاستثناء، فمنذ الربيع الأسود بالمنطقة الذي راح ضحيته المئات من أبناء المنطقة، أصبحت أرض القبائل قابلة للاشتعال في أي لحظة.
تعد منطقة القبائل في الجزائر من بين المناطق التاريخية الثورية التي واجهت الاستعمار الفرنسي لسنوات طويلة منذ 1830، وعُرفت المنطقة بتجدّد ثوراتها الشعبية، ومن أبرزها ثورة "لالا فاطمة نسومر"، والشريف بوبغلة، وثورة المقراني، وغيرها، وصولاً إلى الثورة التحريرية، بحيث كانت مقراً للولاية الثالثة بقيادة كريم بلقاسم.
كثيراً ما عرفت منطقة القبائل اضطرابات بسبب مطالبها الهوياتية، بحيث لا يكف أهلها عن المطالبة بإدراج لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم في المناهج الدراسية، وتعميم لغتهم طبقاً لما ينص عليه الدستور الجزائري، الذي يُقر في نسخته الجديدة المستفتى عليها قبل سنة، بأن اللغة الأمازيغية لغة رسمية، كما جعل الدستور الجديد هذه المادة مادة أساسية لا يمكن المساس بها أو تعديلها.
ومنذ اندلاع الحرائق في منطقة القبائل الجزائرية تعاملت السلطات بحذرٍ مع الحادثة، إلى أن خرج بيان رسمي يتهم "الماك" وجماعة "رشاد" المعارضة بإشعال الحرائق المدمرة في وقت سابق من هذا الشهر.