قرَّرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرضَ حصار مالي على حركة طالبان، ومنعها من الوصول إلى مليارات الدولارات في الحسابات الحكومية الأفغانية التي يديرها البنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك الأمريكية الأخرى، في وقت قال صندوق النقد الدولي، الأربعاء 18 أغسطس/آب 2021، إن أفغانستان لن يكون بمقدورها الوصول إلى موارد الصندوق، بما في ذلك تخصيص جديد لاحتياطيات حقوق السحب الخاصة، بسبب عدم وضوح حكومتها.
رغم هذا الحصار حذَّر مسؤولون أمريكيون من أن الدخل الذي تحصده الحركة من الأنشطة التجارية يهدد بتقويض حملة الضغط التي تفرضها واشنطن كحلٍّ أخير لإخضاع الحركة لشروط الدول الغربية.
حصار مالي على طالبان
وفقاً لأشخاص مطلعين على الموضوع، فقد حصلت الولايات المتحدة بدرجة كبيرة على الدعم الذي تحتاج إليه لمنع وصول طالبان إلى مليارات الدولارات من الاحتياطيات الموجودة في صندوق النقد الدولي، والمساعدات التي تعهَّد بتقديمها البنك الدولي ومجموعات المانحين الأخرى لأفغانستان.
كما جمَّدت واشنطن أصولاً للحكومة الأفغانية بمليارات الدولارات، كما أوقفت الشحنات النقدية إلى البلاد مع سيطرة طالبان على العاصمة كابول هذا الأسبوع، ويقول مسؤولون أمريكيون إن النفوذ المالي قد يكون مفتاحاً للضغط على طالبان، كي تمتثل للبنود المفروضة عليها بموجب اتفاقيات السلام التي وقعتها.
يُشار إلى أن المساعدات الخارجية تغطي أكثر من نصف الميزانية السنوية للبلاد، البالغة 5 مليارات دولار. ويوفر الصندوق الائتماني المخصص لإعادة إعمار أفغانستان، والذي يديره البنك الدولي، ما يقرب من 3 مليارات دولار سنوياً. وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن هذه المساعدات كان لها دور كبير في الحفاظ على اقتصاد البلاد من الانهيار.
مع ذلك، تواردت تحذيرات من بعض المسؤولين الأمريكيين من أن تدفقات الدخل الحالية لحركة طالبان قد تكون كبيرة بما يكفي لتعويض هذه الخسائر جزئياً.
ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن الحركة تحصد عائدات من الأنشطة التجارية، وأنها استعانت بما يشبه حكومة ظل موازية تضم وزارة تعدين وما يشبه إدارة بيروقراطية جمركية، وحتى قسماً لمساعدة الأشخاص من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة.
وتتراوح تقديرات الإيرادات السنوية الإجمالية لحركة طالبان من نحو 300 مليون دولار إلى ما يزيد على 1.6 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقرير صدر في يونيو/حزيران من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يشرف على العقوبات المفروضة على الفصائل والتنظيمات التي تصنفها الأمم المتحدة إرهابية.
وقال تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مايو/أيار من العام الماضي: إن "اقتصاد أفغانستان لا يزال يعتمد اعتماداً كبيراً على النقد، حيث يوفر مقدمو الخدمات النقدية الوسائل الأكثر استخداماً لتحويل الأموال أو إرسالها على الصعيدين المحلي وعبر الحدود".
وفي إشارة إلى قدر الصعوبات التي تواجهها السلطات الأفغانية مع تضييق الخناق على تمويل طالبان، قالت الأمم المتحدة إنه اعتباراً من عام 2019 فقط جمَّدت السلطات الدولية نحو 2.4 مليار دولار على أساس أنها تهدف إلى تمويل الإرهاب.
وتزعم الأمم المتحدة أن طالبان تسيطر على أكبر حصة من عمليات بيع الأفيون في العالم، وأنها تكسب نحو 460 مليون دولار سنوياً من الضرائب المفروضة على بيع الهيروين الذي يُنقل عبر أراضيها.
كما زعمت تحذيرات صدرت مؤخراً عن مسؤولين بالأمم المتحدة والولايات المتحدة أنها تشعبت مؤخراً إلى تجارة مادة الميثافيتامين المخدرة، التي لها هوامش ربحٍ أعلى بكثير.
إدارة بايدن تسعى لعرقلة المساعدات
وفي وقت سابق ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مسؤول بوزارة الخزانة الأمريكية لم تذكر اسمه، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تريد منع طالبان من الحصول على تمويل طارئ، تزيد قيمته على 400 مليون دولار، من المقرر أن يفرج عنه صندوق النقد الدولي لأفغانستان خلال أيام.
يأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه موقع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تقرير نُشر الثلاثاء، 17 أغسطس/آب 2021، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أوقفت شحنة نقود بمئات الملايين من الدولارات كانت متجهة إلى أفغانستان، بينما كان مقاتلو طالبان على وشك السيطرة على العاصمة كابول، وذلك لإبعاد تلك الأموال عن أيدي الحركة.
كذلك فقد قالت الصحيفة إن الولايات المتحدة تحظر أيضاً وصول طالبان إلى الحسابات الحكومية، التي يديرها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك الأمريكية الأخرى، وتعمل على منع وصول الجماعة إلى ما يقرب من نصف مليار دولار من الاحتياطيات في صندوق النقد الدولي.
كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في تقرير نشرته الثلاثاء 17 أغسطس/آب 2021، عن مصدرين، قولهما إن إدارة بايدن "جمّدت احتياطيات الحكومة الأفغانية المالية، المودعة في الحسابات المصرفية الأمريكية". وأفاد مسؤول بالإدارة الأمريكية بأن "أي أصول للبنك المركزي تمتلكها الحكومة الأفغانية في الولايات المتحدة لن تكون متاحة لطالبان".
كما ذكرت "وول ستريت جورنال" أن هذه الإجراءات تمثل "آخر بقايا النفوذ الدبلوماسي الذي تأمل واشنطن أن يساعد في منع تفاقم الأزمة السياسية والإنسانية" بأفغانستان.
سيطرة طالبان على أفغانستان
ويأتي هذا بعد أن أقرّ الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي فرّ إلى خارج أفغانستان، مساء الأحد، بأنّ "حركة طالبان انتصرت"، في حين أظهرت مشاهد تلفزيونيّة مقاتلين من الحركة وهم يحتفلون بـ"النصر" من القصر الرئاسي في كابول.
بعد عشرين سنة تقريباً على طردها من السلطة، بات انتصار طالبان العسكري كاملاً مع انهيار القوّات الحكوميّة في غياب الدعم الأمريكي.
كما أعلن المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، عبر تويتر، أن "وحدات عسكرية من إمارة أفغانستان الإسلامية دخلت مدينة كابول لضمان الأمن فيها".
من جهتها، كشفت حركة طالبان أنها ستعلن قريباً "إمارة أفغانستان الإسلامية" من القصر الرئاسي في العاصمة كابول، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
فقد استولت طالبان على كل أفغانستان تقريباً فيما يزيد قليلاً عن أسبوع، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" على مدى ما يقرب من 20 عاماً، لبناء قوات الأمن الأفغانية.
ومنذ مايو/أيار الماضي، بدأت طالبان توسيع رقعة نفوذها في أفغانستان، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس/آب الجاري.