كشفت صحيفة The Washington Post الأمريكية أن دخول طالبان الخاطف للعاصمة كابول الأحد 15 أغسطس/آب 2021، بعد سيطرتها السريعة على عدد من المدن الرئيسية خلال أيام، جاء نتيجة جهد بذلته الحركة لاحتواء عناصر الأمن الحكومي والجيش الأفغاني الذين عانوا الفقر لقلة اهتمام القيادة السياسية بهم.
ففي تقريرها الإثنين 16 أغسطس/آب، رصدت الصحيفة الأمريكية أسباب هذا "الانهيار المذهل" للجيش الأفغاني، والذي فتح الطريق أمام مقاتلي طالبان للدخول إلى العاصمة الأفغانية على الرغم مما أنفقته الولايات المتحدة على مدار 20 عاماً من تدريب ومليارات الدولارات من الدعم بمختلف أنواعه، والتي كان من بينها حالات فرار جماعي أو عدم مقاومة بأوامر عليا.
شهادات حية نقلتها الصحيفة، تثبت أن القوات الأفغانية في مواقع مختلفة تلقت أوامر من قيادات أعلى بعدم المقاومة، حيث قال ضابط من القوات الخاصة الأفغانية التي كانت متمركزة في قندهار، والمكلفة بحماية معبر حدودي مهم، إن أحد قادته هو من أمره بالاستسلام.
وروى الضابط في وقت لاحق أن قائد الوحدة قال لهم: "لا تطلقوا رصاصة واحدة". وكانت شرطة الحدود استسلمت على الفور، تاركة وحدة القوات الخاصة بمفردها، وأيَّد ضابط ثانٍ رواية زميله للأحداث.
تفاهمات وقف إطلاق النار
بحسب الصحيفة، فقد بدأ الأمر حينما شرعت حركة طالبان في سلسلة من الاجتماعات التي عُقدت عبر وساطات في المناطق الريفية مع أفراد الحكومة الأفغانية.
الاجتماعات، التي بدأت لأول مرة مطلع العام الماضي، وصفت بأنها تهدف لعقد اتفاقات لوقف إطلاق النار، لكن الأمور ذهبت لأكثر منذ ذلك، فقد أحاط مقاتلو طالبان بوحدات الشرطة والجنود الجائعين، ووعدوهم بالمرور الآمن إذا استسلموا وتركوا معداتهم، مِمَّا منح مقاتلي الحركة تدريجياً توسعا سريعا وذخيرة جاهزة.
وعلى مدار العام ونصف العام التاليين، توسَّع نطاق تلك الاجتماعات إلى مستوى المقاطعات قبل أن تنتقل بسرعة إلى عواصم الولايات، حتى بلغت ذروتها بسلسلةٍ من تفاوضات استسلام القوات الحكومية، وفقاً لمقابلات مع أكثر من 10 من ضباط الجيش والشرطة والعمليات الخاصة وغيرهم من الجنود الأفغان.
في غضون أسبوع أو أكثر بقليل، اجتاح مقاتلو طالبان أكثر من اثنتي عشرة عاصمة إقليمية ودخلوا كابول دون مقاومة، ما أفضى إلى رحيل الرئيس الأفغاني وانهيار حكومته.
والسبت، اختفت قوات الأمن الأفغانية من المناطق المحيطة بالعاصمة كابول وفي المدينة نفسها. وبحلول الليل، كانت نقاط التفتيش التابعة للشرطة قد تُركت مهجورة، وبات مسلحو طالبان يتجولون في شوارع المدينة بحرية.
وتيرة الانهيار العسكري السريعة هذه صدمت عديداً من المسؤولين الأمريكيين وغيرهم من المراقبين الأجانب؛ ما أجبر الحكومة الأمريكية على تسريع جهودها لسحبِ الرعايا من سفارتها في كابول.
استغلال ضبابية المستقبل
تشير الصحيفة كذلك إلى أن حركة طالبان استغلت حالةَ انعدام اليقين الناجمة عن اتفاق فبراير/شباط 2020 الذي عُقد في قطر، وما نص عليه الاتفاق من التزام أمريكي بالانسحاب الكامل من أفغانستان.
إذ أدركت على إثر ذلك بعض القوات الأفغانية أنها قريباً لن تستطيع الاعتماد على القوة الجوية الأمريكية في ساحة المعركة، ومن ثم أصبحت أكثر تهيؤاً لفكرة سيطرة طالبان.
فقد قال ضابط بالقوات الخاصة الأفغانية: " أن هناك من رأوا أن التزام الولايات المتحدة بالانسحاب الكامل يعني "جزماً" بأن طالبان سعود إلى السلطة في أفغانستان، وعليه فقد أرادوا تأمين مكان لهم إلى جانب الطرف الفائز، على حد قوله.
كذلك، أدى اتفاق الدوحة، الذي عُقد لإنهاء الحرب في أفغانستان، إلى حالة من خيبة الأمل بين العديد من القوات الأفغانية، ما حفَّز كثيرا من المسؤولين الأفغان للتخلي عن ولائهم الضعيف أصلاً للحكومة المركزية في البلاد، خاصة أن بعض ضباط الشرطة كانوا يشتكون بالفعل من عدم تلقي رواتبهم منذ 6 أشهر أو أكثر.
فعندما سُئل ضابط شرطة أفغاني عن افتقار قوته الواضح إلى الحمية للقتال، أجاب بأنهم لم يتلقوا رواتبهم. وقال كثير من ضباط الشرطة الأفغانية الذين خدموا على الخطوط الأمامية في قندهار قبل سقوط المدينة إنهم كانوا لم يتلقوا رواتبهم منذ ستة إلى تسعة أشهر.
وعندما بدأت طالبان في بناء زخمٍ كبيرٍ بعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب، زاد الاعتقاد بأن القتال في قوات الأمن، أي من أجل حكومة الرئيس أشرف غني، لا يستحق الموت من أجله.