في أول تصريحات له عقب سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإثنين 16 أغسطس/آب 2021، إنه لن يكرر أخطاء الماضي بالبقاء والقتال في صراع ليس في مصلحة الولايات المتحدة، مؤكداً أن "ما حدث بأفغانستان مؤلم لقدامى المقاتلين الأمريكيين الذين عملوا هناك، لكننا لن نواصل القتال بالنيابة عن القوات الأفغانية".
بايدن أضاف، في كلمة متلفزة له من البيت الأبيض: "مهمتنا في أفغانستان لم تكن بناء دولة، بل كانت لمكافحة الإرهاب، ومصلحتنا هي منع الاعتداءات على الأراضي الأمريكية. ونحن قادرون على التحرك في الوقت المناسب، لمواجهة أي تهديد مصدره أفغانستان".
كما أشار إلى أن ما وصفها بـ"التهديدات الإرهابية" كانت الدافعَ الأول لبلاده للتحرك تجاه أفغانستان، منوهاً إلى أنه وفريقه يراقبون الوضع الميداني هناك عن كثب، كاشفاً أنهم ينتقلون إلى تنفيذ الخطط البديلة التي وضعوها، دون أن يوضح أي تفاصيل بخصوص تلك الخطط.
في حين استنكر بايدن موقف الرئيس الأفغاني أشرف غني، وكبار المسؤولين الحكوميين هناك، قائلاً: "الرئيس الأفغاني رفض الانخراط في الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية، والقيادة السياسية لديهم استسلمت وفرَّت من البلاد"، مشيراً إلى أنَّ غني كان "مخطئاً عندما أصر على القدرة على المواجهة العسكرية مع طالبان".
"قرار في الوقت المناسب"
بينما اعتبر الرئيس الأمريكي أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان جاء في الوقت المناسب، واصفاً التطورات بأنها كانت متسارعة بشكل غير متوقع، ومشدّداً في الوقت ذاته على أن بلاده أعطت الحكومة الأفغانية كل ما تحتاجه.
بايدن برّر قراره الخاص بالانسحاب من أفغانستان بأنه جاء نتيجة الالتزام الذي قطعه على نفسه تجاه القوات الأمريكية بأنه لن يطلب منهم الاستمرار في المخاطرة بأرواحهم من أجل حرب كان ينبغي أن تنتهي منذ فترة طويلة، وقال: "فعل قادتنا ذلك في فيتنام عندما جئت إلى هنا وأنا شاب. لن أفعل ذلك في أفغانستان.. أعلم أن قراري سيتعرض للانتقاد، لكنني أفضل أن أتلقى كل تلك الانتقادات على نقل هذا القرار لرئيس آخر".
أما تعقيباً على إجلاء بعثاتهم الدبلوماسية ورعاياهم من أفغانستان، فقال: "أغلقنا سفارتنا في كابول، ونقلنا دبلوماسيينا بأمان. وخلال الأيام القادمة سننقل آلاف الأمريكيين من أفغانستان".
كذلك، أشار إلى أن الجيش الأمريكي سيوفر المساعدة في نقل الأفغان المتعاونين مع الولايات المتحدة، التي قال إنها لن تتخلى عن الشعب الأفغاني وتأييد حقوقه.
بايدن يقطع إجازته
يشار إلى أن غياب بايدن عن متابعة تطورات الأحداث المتسارعة في أفغانستان كان قد أثار تساؤلات وعاصفة من الانتقادات المتزايدة، حيث إنه يواجه ضغوطاً متصاعدة، بسبب الفوضى في كابول.
تمثلت أبرز الانتقادات الحادة لبايدن في دعوة الرئيس السابق دونالد ترامب، خليفته جو إلى الاستقالة، على خلفية انتصار حركة طالبان في أفغانستان، وكذلك بسبب ما اعتبر أنه سوء إدارة من جانب بايدن لملفات أخرى مثل الجائحة.
على أثر تلك الانتقادات الكثيرة، اضطر بايدن إلى قطع عطلته، وأعلن البيت الأبيض، في وقت سابق من يوم الإثنين 16 أغسطس/آب 2021، أن الرئيس سيعود إلى العاصمة واشنطن قادماً من منتجع كامب ديفيد، للإدلاء بتصريحات بشأن أفغانستان.
كان بايدن وزوجته، جيل، قد وصلا لمنتجع كامب ديفيد، الجمعة 13 أغسطس/آب، وكانا يُفترض أن يبقيا هناك حتى الأربعاء 18 أغسطس/آب.
في حين أدلى بايدن بتصريح، السبت 14 أغسطس/آب، بعد الظهيرة، حول الأزمة التي تكشفت، حيث أعلن إرسال 5000 جندي؛ للمساعدة في عمليات الإجلاء، وألقى اللوم كذلك على ترامب في عملية الانسحاب الكارثية.
منذ ذلك الحين، لم يقدم بايدن أي تصريحات أو بيانات مكتوبة أو شفهية بخصوص الوضع الأفغاني.
لكن البيت الأبيض فعل ذلك من خلال تغريدة مصحوبة بصورة لبايدن بينما تجرى إحاطته عبر الفيديو وهو في منتجع كامب ديفيد، الأحد، بشأن تطورات الأحداث الجارية في أفغانستان.
فقد كُتب مع الصورة: "التقى الرئيس ونائبة الرئيس هذا الصباح مع فريق الأمن القومي وكبار المسؤولين؛ للاستماع إلى تطورات الأحداث حول سحب موظفينا المدنيين من أفغانستان، وإجلاء المتقدمين للحصول على تأشيرات الهجرة الخاصة والحلفاء الأفغان الآخرين، والموقف الأمني المستمر في كابول".
كان بايدن قد أجاب، في 8 يوليو/تموز الماضي، حينما سُئل عما إذا كان استيلاء طالبان على السلطة "محتوماً"، قائلاً: "كلا، ليس كذلك. لأن القوات الأفغانية لديها 300 ألف جندي مجهز تجهيزاً جيداً، بجانب الطعام مثل أي جيش في العالم، ولديه قوات جوية، ضد نحو 75 ألف مقاتل من طالبان. لذا ليس محتوماً".
سيطرة طالبان
كانت "طالبان" قد أعلنت، الأحد 15 أغسطس/آب الجاري، سيطرتها على العاصمة كابول، وعواصم ولايات لغمان وميدان وردك وباميان وخوست وكابيسا وننغرهار ودايكندي في البلاد.
بذلك، باتت 31 عاصمة (مركز) ولاية أفغانية من أصل 34 في قبضة "طالبان"، بعد سيطرتها، الأحد، على عواصم 7 ولايات.
في حين أفادت مصادر محلية، الأحد، بمغادرة الرئيس الأفغاني أشرف غني البلاد، ونقلت وكالة رويترز عمن وصفته بالمسؤول الكبير في وزارة الداخلية الأفغانية، أنَّ غني غادر إلى طاجيكستان.
من جهته، قال مكتب الرئيس الأفغاني لوكالة رويترز، إنه لا يمكنهم الإفصاح عن أي شيء بخصوص تحركات غني، لأسباب أمنية.
يُذكر أن "طالبان" كانت قد تمكنت، قبل أقل من 3 أسابيع على سحب الولايات المتحدة آخر قواتها، من السيطرة على جزء كبير من شمال أفغانستان وغربها وجنوبها.
نتيجة لذلك، استولت "طالبان" على كل أفغانستان تقريباً فيما يزيد قليلاً على أسبوع، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" على مدى ما يقرب من 20 عاماً، لبناء قوات الأمن الأفغانية.
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد صرّح، قبل أيام، بأنه غير نادم على قراره مواصلة الانسحاب، منوهاً إلى أن واشنطن أنفقت أكثر من تريليون دولار وفقدت آلاف الجنود خلال 20 عاماً، ودعا الجيش والزعماء الأفغان إلى التصدي للتحدي.
يشار إلى أنه منذ مايو/أيار الماضي، تصاعد العنف في أفغانستان، مع اتساع رقعة نفوذ "طالبان"، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس/آب الجاري.
فيما تعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم طالبان؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم "القاعدة" الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه في الولايات المتحدة.