قالت وكالة Associated Press الأمريكية، الأحد 16 أغسطس/آب 2021، إن الرئيس الأفغاني أشرف غني، غادر بلاده بالطريقة نفسها التي قادها بها في السنوات الأخيرة، معزولاً ووحيداً، وذلك مع دخول حركة طالبان العاصمة كابول دون مقاومة.
حيث رحل غني عن القصر الرئاسي خفية مع مجموعة صغيرة من المقربين، دون حتى أن يخبر القادة السياسيين الآخرين الذين كانوا يتفاوضون على انتقال سلمي للسلطة مع طالبان، بأنه في سبيله للرحيل. فيما لم يُعرف مكانه الحالي.
لكنه قال في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي من مكان مجهول، إنه رحل حفظاً للأرواح، مضيفاً: "لو بقيت لسقط عدد لا يحصى من أبناء بلدي شهداء وستواجه كابول دماراً وتتحول إلى أنقاض، وهذا قد يؤدي لكارثة إنسانية لسكانها الستة ملايين".
كانت مصادر محلية قد أفادت، الأحد، بمغادرة الرئيس الأفغاني البلاد، ونقلت وكالة رويترز عمن وصفته بالمسؤول الكبير في وزارة الداخلية الأفغانية، أنَّ غني غادر إلى طاجيكستان.
في حين قال مكتب الرئيس الأفغاني لوكالة رويترز، إنه لا يمكنهم الإفصاح عن أي شيء بخصوص تحركات غني، لأسباب أمنية.
"عجزَ عن توحيد البلاد"
من جهته، قال بيل روجيو، الباحث البارز بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها الولايات المتحدة: "عجزُ غني عن توحيد البلاد، وميلُه إلى إحاطة نفسه بمجموعة من المثقفين المتأثرين بالغرب هما ما أوصلا أفغانستان إلى هذه المرحلة. وحين انهارت أفغانستان، رفض التعامل مع المشكلات وزاد من عزلته عن سماسرة السلطة الذين يحتاجهم للتعامل مع المشكلة، والشعب الأفغاني أيضاً".
روجيو أضاف أنه توجد العديد من الأسباب لانهيار الحكومة، لكنَّ "غني لم يكن الرجلَ المناسب لقيادة أفغانستان وهي في أحلك أوقاتها".
وفق وكالة Associated Press الأمريكية، كان غني، في أثناء حملته الانتخابية للترشح للرئاسة عام 2014، مشاركاً في دورة للتحكم في الغضب. ولكن يبدو أنها لم تنجح، إذ أشار العديد من شيوخ القبائل إلى عنفه اللفظي في اجتماعاته معهم.
في حين يؤكد منتقدو غني أن أسلوبه المتسلط في القيادة هو المسؤول إلى حد ما عن التفكك السريع للجيش الأفغاني وتحالف الميليشيات المناهضة لـ"طالبان" التي فرَّ قادتها أو استسلموا للحركة بدلاً من أن يقاتلوا من أجل رئيس لا يحظى بشعبية.
بدوره، يؤكد مايكل كوغلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون بالولايات المتحدة، أن سقوط غني كان ناجماً عن "إصراره على مركزية السلطة بأي ثمن ورفضه العنيد للاستعانة بأشخاص آخرين. وبعدها، أضر به أيضاً عجزه عن تطوير استراتيجية واضحة لمواجهة تمرد طالبان وكذلك التصورات بأنه كان يعرقل عملية السلام".
يشار إلى أنه كثيراً ما كانت طريقة حكم غني توصف بأنها إقصائية ومتعجرفة؛ فنادراً ما كان يصغي لنصائح حكومته، ويهاجم من يعارضونه علناً.
نتيجة لذلك، اتهمته الأقليات العرقية بالانحياز إلى البشتون، الأقلية التي ينتمي إليها، وكان يرى في نفسه نداً لـ"طالبان"، التي ينتمي أغلب مقاتليها للمجموعة العرقية نفسها. وقد أقصى الأقليات العرقية الأخرى، واتسعت الهوة بين المجموعات العرقية في أفغانستان بدرجة لم يسبقها مثيل.
"هرب بأربع سيارات وهليكوبتر محملة بالمال!"
في السياق، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن سفارة روسيا في كابول قولها، الإثنين، إنَّ غني هرب من البلاد ومعه أربع سيارات وطائرة هليكوبتر محمَّلة بالمال، واضطر إلى ترك بعض النقود، لأنه لم يكن هناك مُتَّسع لها، لذلك تُرك بعض المال ملقىً على المدرج.
فقد ذكر نيكيتا إيشتشنكو، المتحدث باسم السفارة الروسية في كابول، أن "شهوداً" هم مصدر معلوماته المُشار إليها. بينما لم يتسنَّ لوكالة رويترز التحقق من صحة روايته من مصدر مستقل.
كان ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاص بأفغانستان زامير كابولوف، قد قال في وقت سابق، إنه لم يتضح حجم الأموال التي تركتها الحكومة الهاربة وراءها.
كما قال كابولوف لراديو إكو موسكفي في موسكو: "آمل ألا تكون الحكومة الهاربة قد أخذت كل المال من ميزانية الدولة. لو تُرك شيء ما فسيكون هو حجر الأساس للميزانية".
"هجوم حاد"
في هذا الإطار، شنّ وزير الدفاع الأفغاني، الجنرال بسم الله خان محمدي، هجوماً حاداً على الرئيس أشرف غني، مؤكداً أنه كبّل أيديهم في حين لاذ هو بالفرار خارج البلاد، وقال: "اللعنة على غني وعصابته".
حيث أكد الوزير الأفغاني، في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر"، أنَّ غني وكبار المسؤولين الأفغان قيّدوا أيديهم وراء ظهورهم، و"باعوا الوطن، ثم غادروا البلاد".
كذلك، وصف عبدالله عبدالله، أكبر مسؤول أفغاني معنيّ بعملية السلام، غني بـ"الرئيس السابق"، مُحمِّلاً إياه المسؤولية الرئيسية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد، ومشدّداً على أن "الشعب سيحكم على الرئيس السابق وسيحاسبه الله".
حيث قال عبدالله، الذي يترأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، في رسالة مصورة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك: "الرئيس الأفغاني السابق غادر البلاد، تاركاً البلاد في هذا الوضع الصعب. لقد وضع أفغانستان في مثل هذه الحالة، بعدما ورطها وورط الشعب فيما نحن فيه".
سيطرة طالبان
كانت "طالبان" قد أعلنت، مساء الأحد 15 أغسطس/آب الجاري، سيطرتها على كابول، وعواصم ولايات لغمان وميدان وردك وباميان وخوست وكابيسا وننغرهار ودايكندي في البلاد.
بذلك، باتت 31 عاصمة (مركز) ولاية أفغانية من أصل 34 في قبضة "طالبان"، بعد سيطرتها على عواصم 7 ولايات.
يُذكر أن "طالبان" كانت قد تمكنت، قبل أقل من 3 أسابيع على سحب الولايات المتحدة آخر قواتها، من السيطرة على جزء كبير من شمال أفغانستان وغربها وجنوبها.
على أثر ذلك، استولت "طالبان" على كل أفغانستان تقريباً فيما يزيد قليلاً على أسبوع، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" على مدى ما يقرب من 20 عاماً، لبناء قوات الأمن الأفغانية.
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد صرّح، قبل أيام، بأنه غير نادم على قراره مواصلة الانسحاب، منوهاً إلى أن واشنطن أنفقت أكثر من تريليون دولار وفقدت آلاف الجنود خلال 20 عاماً، ودعا الجيش والزعماء الأفغان إلى التصدي للتحدي.
يشار إلى أنه منذ مايو/أيار الماضي، تصاعد العنف في أفغانستان، مع اتساع رقعة نفوذ "طالبان"، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس/آب الجاري.
فيما تعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم طالبان؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم "القاعدة" الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه في الولايات المتحدة.