استيقظ اللبنانيون على فاجعة انفجار صهريج للمازوت وقع في منطقة عكّار شمالي لبنان، وأودى بحياة 28 شخصاً، وجرح أكثر من 100، معظمهم في حالة حرجة بسبب الحروق البالغة، وانعدام المقوّمات في المستشفيات.
المحروقات مخزّنة للتهريب
في فترة خانقة يعاني منها اللبنانيون من نقص في المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل والانتظار لساعات في طوابير أمام محطّات المحروقات، تستمرّ عمليات التهريب إلى سوريا بسبب فارق الأسعار في المحروقات بين لبنان وسوريا.
ففي سوريا، صفيحة الوقود تباع بحوالي 20 دولاراً أمريكياً، أمّا في لبنان ومع رفع الدّعم الجزئي، تستورد على سعر 3900 ليرة لبنانية بدلاً من 1500 ليرة لبنانية، إثر ذلك، يتّجه التجّار إلى تهريب المحروقات من أجل حصد أرباح مالية أكبر.
ونظراً لعدم تدخّل الدولة بوضع حدّ للتهريب عبر الحدود غير الشرعية، عمل بعض الشبّان في عكّار على توقيف التهريب عبر التصدّي للصهاريج والشاحنات إلى سوريا.
وفي حال لم يكن التهريب هو الغاية، فالاحتكار سبب أساسي، خصوصاً بعدما أعلن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة أنّه سيرفع الدّعم عن المحروقات وسيستوردها على حسب سعر الصرف في السوق السوداء.
انفجار لبنان.. الأسباب والخلفيات
يروي الناشط السياسي في عكار، محمد المرعبي أنه أمس، وبعد اشتداد حدّة أزمة المحروقات لتصل إلى المستشفيات وكافة المؤسّسات والقطاعات، عثر عدد من الشبّان "العكّاريين"على خزّان ضخم لتخزين مادّة البنزين في منطقة التليل في عكّار، والذي يظهر منه كأنها مواد بناء كنوع من التمويه لعدم فضح المستور والكميّات المخزّنة.
وبعد اكتشاف حقيقة التخزين، قام الجيش اللبناني بمصادرة 60 ألف لتر من أصل 80 ألف، على أنّ توزّع باقي الكميّة على المواطنين.
لكن خلال ساعات الليل وحتى أولى ساعات الفجر، توجّه عدد من المواطنين إلى منطقة التليل في عكّار حيث المخزون، وعمدوا على تعبئة سياراتهم بمادة البنزين قبل أن يرتفع سعر الصفيحة إلى حوالي 336 ألف ليرة لبنانية.
في غضون هذه الساعات، وفيما كان المواطنون منشغلين في تعبئة البنزين، قام ابن صاحب الأرض المتواري عن الأنظار جورج الرّشيد والمحسوب على التيار الوطني الحر،ّ الذي يرأسه النائب وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل، بإشعال المواد بولّاعة سجائر ومن ثمّ بادر إلى إطلاق النّار على الخزّان كنوع من الانتقام.
وفوْر إطلاق النار على خزّان المازوت، وقع الانفجار الكبير حيث كان في المكان بحسب المصادر ما يقارب الـ200 شخص، سقط منهم 28 ضحيّة، والآخرون نُقلوا إلى المستشفيات المجاورة لتلقّي العلاج بسبب تعرّضهم لحروق بالغة.
من صاحب الأرض؟
بعد التحقّق من الحادثة ومعرفة صاحب الأرض، تبيّن أنّ مسرح التخزين كان يديره علي صحبي الفرج، وهو من منطقة وادي خالد في عكّار، كما أنّه كان موقوفاً منذ 4 أشهر بتهمة التهريب.
وفي التفاصيل، كان الفرج يعمل لمصلحة جورج إبراهيم، والذي ينادى أيضاً بجورج الرشيدي، أي صاحب الأرض.
جورج الرشيدي محسوب على النائب أسعد ضرغام الذي ينتمي إلى كتلة "لبنان القوي" أي التيار الوطني الحرّ الذي بدوره تبيّن أنّه يتعامل أيضاً مع نائب كتلة تيار المستقبل في عكّار وليد البعريني.
ومع الكشف عن أسماء المسؤولين، بدأ كلّ من تيار المستقبل، والتيار الوطني الحرّ بتقاذف المسؤوليات نظراً للخلاف السياسي القائم بينهما.
ووفقاً لمصدر سياسي مطلع أكد لـ"عربي بوست" أن جورج إبراهيم وعلي صبحي فرج يشكلان نقطة تلاقي بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر؛ حيث يوزعان الأرباح على نواب وشخصيات محسوبة على الطرفين على الرغم من الصراع السياسي بين الجانبين.
ووفقاً للمصدر ذاته فإن المعابر الحدودية الشمالية تقع تحت سيطرة الفريقين ونوابهما، حيث تنشط حركة التهريب إلى سوريا منذ مدة طويلة.
من جهة أخرى يؤكد شهود عيان من قرية التليل أن جورج رشيد يملك أرضاً ومعملاً لمواد البناء والكسارات في القرية المذكورة، المكان الذي عُثر فيه على الكميات المخزّنة من البنزين والمازوت، حيث يقوم منذ مدة بتخزين المحروقات بكمية تتجاوز خمسين ألف ليتر ليتم بعدها تهريبها إلى سوريا.
المناوشات السياسية
بعد وقوع الانفجار وبعدما اتضح حجم الخسائر ومعالم الجريمة، سارع كلّ من رئيس الحكومة السّابق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الجمهوريّة ميشال عون إلى تراشق التّهم حول المتسبب بوقوع هذه الفاجعة.
فيما الحريري سارع إلى اتهام رئيس الجمهورية ميشال عون قائلاً إنّ عليه الرحيل فوْراً مشيراً إلى أنّ هذا الانفجار مشابه لتفجير الرّابع من أغسطس/آب الذي دمّر العاصمة بيروت وجعلها مدينة منكوبة.
أمّا رئيس الجمهورية ميشال عون، فبعد اجتماعه مع المجلس الأعلى للدفاع، اتّهم المجموعات المتشدّدة بوقوع الفوضى في منطقة عكّار.
وقال قيادي في تيار المستقبل لـ"عربي بوست" إن "عون يحاول اتخاذ الطابع الطائفي، الذي لطالما سعى بوصمه بأهالي المنطقة، بمعنى آخر، يحاول عون اتّهام (الإسلاميين) في محاولة لتثبيت الذهنية الطائفية التي لطالما استفاد منها لتبرير فساده".
رغم ذلك، تعدّدت الأسباب والفاجعة واحدة، ومع تراشق الاتهامات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ بسبب الخلاف السياسي الواقع جرّاء ملف تشكيل الحكومة وتقاسم الحقائب الوزاريّة، تبقى الحقيقة أن كلا الطرفيْن شريكان في عملية التهريب وتخزين المازوت والمحروقات، من أجل الاحتكار.
والحقيقة التي لا بدّ من ذكرها أيضاً أنّ نواب المنطقة لم يعملوا يوماً على تطوير المنطقة، لا من خلال المستشفيات أو المدارس أو البنى التحتيّة.
وبقيت عكّار مهمّشة ومتّهمة أنّها باحة المجموعات المتشدّدة ليسود الفلتان الأمني في المنطقة وتبقى على الهامش، وأهالي المنطقة يقعون ضحيّة الصور النمطية.
ضحايا دون مستشفيات
وبحسب مستشار وزير الصحة، رضا الموسوي فإن المستشفيات لم تستطع تلبية احتياجات مصابي حادثة تفجير خزان البنزين في عكار، ما حدا بوزارة الصحة إلى طلب المساعدات الدولية لتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلاً عن نقل بعض المصابين من ذوي الحالات الحرجة.
حيث أبدت تركيا استعدادها لإرسال طائرة لإجلاء مجموعة من المصابين وإرسال جسر جوي من المساعدات، وبحسب الموسوي فإن الكويت قررت إرسال طائرة لإجلاء بين 4 إلى 6 حالات، فيما الأردن أعلن استعداده لإرسال طائرات إضافية وإرسال فرق عناية طبية وأدوية، إذا دعت الحاجة.
وبحسب الموسوي فإن دولة قطر طلبت تحديد حاجات المستشفيات الحكومية والخاصة من المحروقات ليصار إلى إرسالها إلى لبنان.
ويؤكد الموسوي أن 4 شركات خاصة في لبنان تبرعت، بالأدوية والمستلزمات الطبية.