نقل موقع Middle East Eye البريطاني، الخميس 12 أغسطس/آب 2021، قصة الشاب الجزائري علي الذي قال إنه في الليلة التي اقتربت فيها النيران من منزله لم يغمض له طرف طوال الليل، وأضاف: "لقد جمعت بطاقات هويتي، وكل ما تبقى لدي من مال، وأمسكت بمصباح كهربائي، ووضعت بضع قطع من الملابس في الحقيبة، ولم يعد أمامي سوى الانتظار".
علي روى في شهادته أنه شاهد من غرفة منزله التقدم الكاسح لخط أحمر طويل من ألسنة اللهب يقطع الجانب الآخر من الوادي باتجاه قريته وكان علي الذي بلغ سن التقاعد الآن قد بنى منزلَه في قرية آيت ميمون الجبلية الصغيرة في مرتفعات تيزي وزو، الواقعة بمنطقة القبائل الجزائرية، بكل ما جمعه من مدخرات طوال حياته.
في اليوم التالي، وبينما كادت النار تحيط به، تمكَّن علي من الفرار في اللحظة الأخيرة بمساعدة أحد الجيران الذي دفع سيارته إلى حافة النيران لإنقاذ الضحايا المذعورين. ومع ذلك، فقد استمرت النيران في طريقها ودمرت جزءاً كبيراً من قريته.
ويأتي هذا بعد أن لقي 69 شخصاً، منهم 28 جندياً، مصرعهم منذ الإثنين 9 أغسطس/آب في حرائق اجتاحت الغابات الواقعة شمال وشرق الجزائر وبحسب جهاز الحماية المدنية الجزائري، فإن البلاد كان لا يزال بها أكثر من 60 حريقاً مشتعلاً حتى يوم الأربعاء 11 أغسطس/آب في 17 ولاية، منها تيزي وزو، التي شهدت أكبر عدد من الخسائر في الأرواح.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال يوسف ولد محمد، محافظ الغابات في ولاية تيزي وزو: "إن اشتعال نحو 30 حريقاً في أوقات متزامنة، ومنها 10 حرائق كبيرة في بلديات مختلفة من المنطقة الواحدة في نفس اليوم الذي تصدر فيه نشرة الأرصاد الجوية تنبيهاً باقتراب موجة حارة، لا يمكن أن يكون ذلك لأسباب طبيعية".
مع ذلك، يلفت إبراهيم بوشارب، وهو مدرس وباحث في مجال الغابات، إلى أن الجزائر التي لديها مناخ مهدد باشتعال الحرائق، تعاني إلى جانب ذلك نقصاً في صيانة غاباتها، خاصة "مع عدم وجود محطات مراقبة وغياب الإزالة المنهجية للشجيرات، وهي الخطوات التي قد تمنع انتشار الحرائق المدمرة" من هذا النوع.
حجم التدمير في الوقت الحالي
وأظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي نازحين -فقدوا كل شيء يملكونه- ينتقدون استجابة الحكومة الجزائرية وفي نظرهم، فشل زعماء البلاد في التصرف وكانوا مقصِّرين وقال فاروق عاشور، المتحدث باسم فرق الإطفاء، لصحيفة الوطن الجزائرية: إن البلاد "لا تنقصها الموارد"، لكن حرائق الغابات "لا تُخمد بقليل من الماء. يجب وضع تقنيات متخصصة لضمان عدم اندلاع الحرائق".
بعد ظهر يوم الأربعاء، أطلق المواطنون مزيداً من نداءات الطوارئ على وسائل التواصل الاجتماعي، وعرضت الصور ومقاطع الفيديو مباشرةً مشاهد الموت والدمار، وأجمعت روايات الشهود على وصف الوضع بأنه "كارثي".
قالت سارة، وهي امرأة في الثلاثينيات من عمرها وتعيش في قرية بني معوش، لموقع MEE: "رأينا النيران بأم أعيننا، والأسوأ من ذلك، شعرنا بحرارتها. لم نكن نعرف ما إذا كانت ستصل إلى حيث كنا. لكن في كل الأحوال، لم يكن لدينا خيار. كنا مُجبرين على البقاء هناك لأن الطرق كانت مقطوعة بسبب النيران".
وفي قرية بالقرب من بلدة "الأربعاء ناث اراتين" في ولاية تيزي وزو، صوَّر الشباب أنفسهم وهم يحاولون إخماد النيران بلا جدوى، فيما كان الدخان الرمادي يحاصر المنازل ببطء، لكن بوتيرة مطَّردة.
البطولة والتضامن
مع ذلك، وفي وسط هذه الحكايات المحزنة عن الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم، يُمكن أيضاً العثور على شهادات لا حصر لها من البطولة والتضامن.
في إحدى هذه الشهادات، تحدثت شابة من قرية آكلي، في تيزي وزو، عن الشجاعة التي أبداها شباب قادمون من قرية أخرى، حيث دخلوا إلى قلب النيران مسلحين بالمجارف وأغصان الأشجار لحجز ألسنة اللهب عنهم.
ويأتي بين أكثر المشاهد انتشاراً الآن مشهدُ استعداد الجنود للدخول إلى غابة مشتعلة، حيث يهتف القرويون: "أنتم شهداء! الله معكم!"، ويوزعون عليهم زجاجات المياه.
كما انطلق موكب من الشباب القادمين من ولاية خنشلة، بعد قتالهم ببسالة منذ أسابيع قليلة في مواجهة الحرائق المروعة التي اشتعلت في قراهم، لكن كانوا على الموعد يوم الثلاثاء للقتال مرة أخرى في منطقة القبائل.
يقول أحد سكان بلدة "الأربعاء ناث ارتين": "عندما أنظر إلى لوحات تسجيل المركبات من حولنا، أجد أناساً قادمين من أكثر من 30 منطقة البلد بأكمله جاء لمساعدتنا".
في الجزائر العاصمة، تحولت المتاجر والمطاعم والمدارس الخاصة إلى مستودعات للتبرعات في أقل من 24 ساعة، ويديرها متطوعون ينظمون ويجمعون المساعدات التي تركها حشود من الناس. وتنتشر مستودعات مماثلة على امتداد 100 كيلومتر من الطريق الذي يربط الجزائر العاصمة بولاية تيزي وزو.
وقال أنور، وهو متطوع من حي حيدرة بالعاصمة، لموقع MEE: "نعمل بالتنسيق مع المجالس القروية والجمعيات المحلية. ونحاول جمع الأشياء التي تشتد الحاجة إليها في مثل هذه الظروف: المياه المعبأة وأدوية الحروق والأسرة النقالة وحليب الأطفال والبطانيات والمراتب والأطعمة المعلبة".
فيما كتب أحد الأشخاص في منشور على موقع إنستغرام: "كل الطرق تؤدي إلى تيزي وزو، من وهران وبجاية وعنابة وقسنطينة وعين الدفلي والبليدة والجزائر العاصمة وبومرداس والبويرة ومن جميع مناطق البلاد انطلق المتطوعون لجمع وتسليم المساعدات والبطانيات والأدوية والغذاء والماء… إنه تضامن مذهل، غير أنه ليس شيئاً غريباً على هؤلاء الرائعين".
وفي صورة أخرى من صور التضامن، قالت لمياء لموقع MEE: "الليلة، ننام في الجزائر العاصمة مع أهل زوجي". فقدت لمياء منزلها الذي كان يقع بالقرب من قرية سوق الاثنين في تيزي وزو، وتقول وهي تبكي إنها لا تعرف ما الذي يحمله الغد، ولا كيف تعزي طفليها، "لكن كل هذا التضامن من حولنا يسكِّن قلوبنا المفجوعة، ومعه نتعلم ألا نفقد الأمل".