عباس والقدوة بالغا في استخدامها لتصفية خلافاتهما.. كواليس إغلاق مؤسسة ياسر عرفات بالقاهرة

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/12 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/12 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش

حالة من الترقب تسود المتابعين للشأن الفلسطيني انتظاراً للإعلان عن قرار السلطة الفلسطينية إغلاق المكتب الرئيسي لمؤسسة ياسر عرفات ومقره في العاصمة المصرية القاهرة، في خطوة أولى نحو نزع الصبغة العربية عن مجلس أمناء المؤسسة التي أنشئت عام 2007، ويضم مجلس أمنائها العديد من الشخصيات العامة العربية والفلسطينية، ومنهم عمرو موسى ونبيل العربي ونبيل فهمي الذين تولوا منصب وزير الخارجية في مصر في فترات متباينة، وكذلك نبيل شعث مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الخارجية والشؤون الدولية.

علم "عربي بوست" من مصادره داخل المؤسسة أن الموظفين تسلموا، يوم الثلاثاء العاشر من أغسطس/آب، خطابات من إدارة المؤسسة في رام الله، تفيد بعزمها إغلاق مكتب القاهرة، وتحويل مكتب المؤسسة في رام الله إلى مقر رئيسي لها، مع تعيين مجلس أمناء جديد بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وكشفت المصادر عن أن فكرة الإغلاق هي الخطوة المنطقية في ختام سلسلة الأزمات التي أحاطت بالمؤسسة منذ شهر مارس/آذار الماضي، وتحديداً منذ صدور قرار محمود عباس بإقالة ناصر القدوة (ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات) من رئاسة مجلس إدارة المؤسسة وعضوية مجلس أمنائها، بعد أيام قليلة من قرار فصل القدوة من اللجنة القيادية لحركة فتح في ذات الشهر، عقب مخالفته قرار عباس بعدم ترشيح قائمة انتخابية منفصلة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي كانت مقررة في مايو/أيار الماضي، وإقدامه على تشكيل قائمة حملت اسم الحرية لمنافسة القائمة الرسمية لحركة فتح في الانتخابات التي تم تأجيلها لأجل غير مسمى.

عقب ذلك قرر الصندوق القومي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يتولى تمويل العديد من المؤسسات الأهلية الفلسطينية، ومنها مؤسسة ياسر عرفات ومؤسسة محمود درويش بجانب الهلال الأحمر الفلسطيني، وقف تمويل المؤسسة التي أنشئت في العام 2007 لتخليد ذكرى الزعيم الفلسطيني الراحل، ما أصاب المؤسسة بحالة من الشلل، خصوصاَ أن مساهمة الصندوق التي تبلغ مليون دولار سنوياً تمثل تقريباً 60% من ميزانية المؤسسة، في حين يعتمد الجزء الباقي من الميزانية على التبرعات ومساهمات الدول والأشخاص العرب، والتي تراجعت بدورها على خلفية النزاعات والضبابية التي غلفت الأجواء داخل المؤسسة.

صبح يطالب بوقف التكهن حول مستقبل المؤسسة 

"عربي بوست" هاتف د. أحمد صبح مدير عام مؤسسة ياسر عرفات، لمعرفة حقيقة ما يدور حول وجود نية لإغلاق مكتب القاهرة، وتحويل المؤسسة إلى فلسطينية محضة ونزع الشكل العربي عنها، فقال إنه لا يملك حق التعليق على ما يثار سواء بالقبول أو الرفض، لكنه أكد أن هناك اجتماعاً طارئاً لمجلس أمناء المؤسسة مقرر عقده يوم السبت الموافق الرابع عشر من أغسطس/آب الحالي، من المتوقع أن تتخذ فيه مجموعة من القرارات تتعلق بعمل المؤسسة ومستقبلها، وطالب جميع من يجتهدون في استقراء مستقبل المؤسسة الانتظار حتى يوم السبت، ووقتها ستكون الأمور واضحة للجميع.

في المقابل، ذكر دبلوماسي عربي عضو بمجلس أمناء المؤسسة أن الدعوة لاجتماع السبت لم يُذكر فيها شيء عن إعادة تشكيل المجلس أو إغلاق مكتب المؤسسة في القاهرة، كما يشاع، ولكن العنوان الأساسي للاجتماع هو التصويت على قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسمية د. نبيل شعث رئيس مجلس الأمناء بالإنابة ليكون رئيساً دائماً للمجلس، وذلك بحسب اللائحة الداخلية للمؤسسة التي تعطي الرئيس الفلسطيني حق ترشيح رئيس مجلس الأمناء على أن يصوت المجلس على القرار بالقبول أو الرفض، وفي حالة الرفض يلتزم الرئيس بتسمية مرشح آخر.

موظفو المؤسسة يتقاضون ربع رواتبهم المعتادة وهناك من لم يتقاضوا رواتب 

مصادر "عربي بوست" في مؤسسة ياسر عرفات أكدت أن أغلب الموظفين يتقاضون أقل من ربع رواتبهم الشهرية منذ قرار الصندوق المالي الفلسطيني، وهناك من لم يتقاضوا رواتب من الأساس طوال الشهور الماضية، لكنهم لم يقدموا على الشكوى أو اتخاذ أية إجراءات تصعيدية تقديراً للظروف المتشابكة التي تمر بها المؤسسة، وكذلك بسبب تطمينات ناصر القدوة الذي لم يعرفوا غيره منذ إنشاء المؤسسة قبل نحو 14 عاماً، ومعه عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق ورئيس مجلس أمناء المؤسسة.

لكن استقالة عمرو موسى في الثالث من أغسطس/آب الحالي من منصبه، وقبل ذلك استقالة نبيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق وعضو مجلس الأمناء، فجرت الأوضاع الإدارية داخل المؤسسة، قبل أن تباغتهم إدارتها في رام الله بقرار الإغلاق المرتقب، من دون توضيح لتبعات ذلك القرار عليهم، وهل سوف يتبعه قرار بالاستغناء عن خدماتهم وتسريحهم، وكيف ستتم تسوية مستحقاتهم المالية والتعويضات المستحقة لهم في ظل أن قرار الإغلاق سياسياً بالأساس وليس له علاقة بأدائهم؟!

استقالة عمرو موسى من مجلس الأمناء.. تصرف أخلاقي أم تحصيل حاصل؟!

في اتصال هاتفي مع عمرو موسى، قال رئيس مجلس الأمناء المستقيل إنه لم يعتد الاستمرار في مكان لا يشعر أن بإمكانه أن يضيف شيئاً إيجابياً فيه، وقد داهمه هذا الشعور بسبب تعدد الخلافات والانقسامات في الساحة الفلسطينية التي أدت إلى إضعاف الموقف السياسي الفلسطيني وإلى التأثير السلبي في مسار القضية الفلسطينية، وبالتالي شعر أن استمراره في رئاسة مجلس الأمناء لن يمكنه من خدمة القضية كما كان يتمنى، وبناء على ذلك آثر الابتعاد.

لكن مصادر فلسطينية مطلعة كشفت لـ"عربي بوست" أن استقالة موسى لم تكن بسبب شعوره بعدم قدرته على خدمة القضية، وإنما كانت مجرد إجراء شكلي، بعد تأكده من نية الرئاسة الفلسطينية إغلاق مكتب القاهرة، وتحويل المؤسسة إلى رام الله، بجانب إعادة تشكيل مجلس الأمناء من عناصر فلسطينية والاستغناء عن الشخصيات العربية في المجلس، وأشارت المصادر إلى أن موسى لم تكن لديه نية للاستقالة حتى بعد إقالة ناصر القدوة، ووقف التمويل، وما تبع ذلك من عدم وضوح الرؤية بخصوص مستقبل المؤسسة، ولكنه على العكس كان أول ما فعله عقب إقالة القدوة هو مسارعته بالاتصال برئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الذي أكد وقتها حرص الرئيس محمود عباس على استمرار عمل المؤسسة بطواقمها الإدارية، وتوفير كل متطلباتها واحتياجاتها بما يحافظ على الأهداف التي أُنشئت من أجل تحقيقها.

محمود عباس وناصر القدوة بالغا في استخدام المؤسسة لتصفية خلافاتهما السياسية

باحث استراتيجي مصري متابع للشأن الفلسطيني علق على التطورات المتسارعة في مؤسسة ياسر عرفات فقال لـ "عربي بوست" إن المؤسسة ستكون في الغالب هي كبش الفداء للخلافات السياسية التي تنهش في الجسد الوطني الفلسطيني منذ فترة، مشيراً الى أن كل ما تتعرض له المؤسسة سببه تجرؤ ناصر القدوة على تشكيل تحالف انتخابي مستقل تحت اسم تحالف الحرية، مخالفاً بذلك تعليمات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كان قد هدد في وقت سابق أي قيادي في فتح بالفصل إذا فكر في الترشح أو تشكيل قائمة بعيداً عن القائمة الرسمية لحركة فتح.

وأضاف قائلاً إن الطرفين (عباس والقدوة) بالغا في استخدام المؤسسة لتصفية خلافاتهما السياسية، حيث استغل القدوة المؤسسة ومقرها لأغراض انتخابية خاصة به وبقائمته التي شكلها لمنافسة فتح في الانتخابات التشريعية والرئاسية، كما تجاهل الاستقالة في الوقت المناسب لتجنيب المؤسسة أية تجاذبات سياسية أو تنظيمية، وفي المقابل رد عباس على ذلك بعقاب المؤسسة على تصرفات القدوة التي رأى الرئيس أنها تمثل تحدياً شخصياً له، خصوصاً بعد أن أعلن عن نية تحالف الحرية ترشيح المناضل مروان البرغوثي للرئاسة في مواجهة محمود عباس نفسه.

مؤسسة ياسر عرفات تفند مزاعم القدوة وتؤكد قانونية تدخل محمود عباس

يذكر أن مؤسسة ياسر عرفات قد أصدرت بياناً في السادس من يوليو/تموز الماضي للرد على ناصر القدوة أوضحت فيه أن كل ما قام به الرئيس الفلسطيني محمود عباس تجاه المؤسسة تصرفات قانونية، وذكر البيان أنه تم إنشاء مؤسسة ياسر عرفات بمرسوم رئاسي عام 2007م (مرفق نص المرسوم) وبناءً على طلب المؤسسة تم تعديل هذا المرسوم بمرسوم جديد عام 2008م (مرفق)، وفي المرسومين يتضح أن الرئيس الفلسطيني هو الذي يعتمد أعضاء مجلس الأمناء، وقد قام بالفعل باعتماد أول مجلس أمناء عام 2008 الذي كان مشكلاً من 77 عضواً.

"طوال هذه الفترة وحتى نهاية عام 2015، كانت المؤسسة تتسلم دعماً مالياً مباشراً من وزارة المالية بقيمة 40 ألف دولار أمريكي شهرياً يضاف إليها مبلغ عشرة آلاف دولار شهرياً من مكتب الرئيس محمود عباس تدفع بواسطة رئيس مجلس الإدارة السابق، كما أن مكتب الرئيس كان يغطي قيمة أجرة سكن رئيس مجلس الإدارة السابق خلال كل السنوات الماضية بقيمة 1500 دولار شهرياً". 

وقالت: "كما هو معروف، فإن مؤسسة ياسر عرفات قد تسلمت الأعمال الإنشائية لمتحف ياسر عرفات عام 2014 بحضور الرئيس محمود عباس، وبدأت عملية إعداد المتحف الذي بلغت تكلفة إنشائه (أكثر من ستة ملايين دولار) حيث قامت الخزينة بتغطية كامل المبلغ، وفي عام 2015 وحيث كانت المؤسسة بصدد توظيف عدد كبير من الموظفين للعمل بالمتحف، وبالتالي كنا بحاجة لتمويل إضافي ووجدنا ذلك ممكناً فقط من خلال اعتماد موازنة ثابتة للمؤسسة من خلال الصندوق القومي الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية.

لهذا الغرض، وبالاتفاق مع رئيس مجلس الإدارة السابق وبطلب منه، فقد أصدر الرئيس مرسوماً جديداً يقضي بإلحاقها بمنظمة التحرير الفلسطينية واعتبار الصندوق القومي الفلسطيني مرجعيتها الإدارية والمالية (مرسوم عام 2015) على أن يسري مفعوله في 1/1/2016، وكل ذلك بمبادرة ومتابعة رئيس مجلس الإدارة السابق، وبموجب ذلك بدأت المؤسسة باستلام موازنة سنوية قدرها مليون دولار مقسمة على 12 شهراً، ويتم من خلالها دفع رواتب الموظفين. 

بدأت المؤسسة باستلام ما سبق بانتظام، ولكن المرسوم الجديد لم يتم عرضه على مجلس إدارة المؤسسة، وبالتالي فإن مرجعية الصندوق القومي موجودة منذ أكثر من خمس سنوات ونصف وليست جديدة".

وأكدت أن "مرسوم (2015) المشار إليه يلغي هياكل المؤسسة كافة ويجعلها تابعة تماماً لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال الصندوق القومي الفلسطيني، وذلك سنداً لما جاء في أحكامه من كونه (يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار بقانون)، واستناداً لذلك المرسوم ولكون رئيس الصندوق القومي هو رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس الدولة، فقد تمت إقالة رئيس مجلس الإدارة السابق في 14/3/2021، وبالتالي كان ضرورياً أن تتم إعادة مأسسة المؤسسة، وتصويب الوضع القانوني لها وتأكيد خصوصيتها وهويتها، من خلال الاحتفاظ بمجلسي الأمناء والإدارة، إضافة لعمل المؤسسة كالمعتاد من خلال برامجها ونشاطاتها بما في ذلك المتحف، وهذا ما يوفره المرسوم الجديد لعام 2021".

القدوة تعامل مع المؤسسة باعتبارها إرثاً خاصاً تركه له خاله الراحل

تعليقاً على بيان المؤسسة قال دبلوماسي فلسطيني مقيم في القاهرة لـ"عربي بوست" إن ما تم ذكره في البيان صحيح بنسبة 100%، مؤكداً أن القدوة اعتبر المؤسسة إرثاً خاصاً له تركه له الزعيم الراحل ياسر عرفات، وليست مؤسسة تمولها الحكومة الفلسطينية، وبالتالي كان خطؤه الأول استغلال مقرات وإمكانيات المؤسسة لأغراض انتخابية، وعليه فقد كان هو من أبعد المؤسسة عن وظيفتها الأساسية، وكان ضرورياً بالتالي تدخل الرئيس الفلسطيني وإصدار قرار إقالته.

وأضاف: "كذلك بالغ القدوة في تصرفاته بعد الإقالة، فلم يكتف فقط بتوزيع تصريحاته الساخرة والرافضة لقرار محمود عباس على مختلف وسائل الإعلام، ولكنه تمادى في اعتبار المؤسسة إرثاً أو ملكية خاصة له كما أسلفت، وبالتالي تعامل مع الموظفين كأنهم كانوا يعملون في "عزبة والده"، وهو ما يتضح في استخدامه عبارات غير لائقة بحق بعض أعضاء مجلس الإدارة، وكبار موظفي المؤسسة، في الرسائل والتعليقات التي أرسلها لأعضاء مجلسي الإدارة والأمناء، ووصل به الأمر أن طالب الموظفين بالاستقالة احتجاجاً على قرار عباس بفصله. 

جدير بالذكر أن مؤسسة ياسر عرفات تأسست عام 2007 بموجب مرسوم رئاسي فلسطيني للمحافظة على تراث الرئيس الراحل وتخليد ذكراه، وتقوم بمهمات ذات طابع حكومي تجاه تراث الرئيس الراحل، منها الإشراف على متحف ياسر عرفات المقام في قلب مقر الرئاسة "المقاطعة" برام الله، وإدارة ضريحه المجاور لها، والقيام بنشاطات خيرية وإنسانية واجتماعية وأكاديمية لخدمة الشعب الفلسطيني.

يضم مجلس أمناء المؤسسة 120 شخصية فلسطينية وعربية برئاسة الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى (قبل استقالته) ويرأس مجلس إدارتها منذ إنشائها حتى مارس/آذار 2021 ناصر القدوة نجل شقيقة عرفات والدبلوماسي الفلسطيني المخضرم، بينما يتولى الرئيس الفلسطيني منصب الرئيس الشرفي للمؤسسة بحكم منصبه.

دخل المؤسسة يأتي على شكل دعم شهري من الصندوق القومي الفلسطيني كجزء من الدعم الذي يقدمه الصندوق للعديد من المؤسسات الفلسطينية، لكنه دعم عام لا يمس استقلالية المؤسسة وموظفيها.

إلى جانب ريع وقفية ياسر عرفات الذي يستخدم لتغطية جزء من مصاريف المؤسسة، وكذلك تبرعات من أعضاء مجلس أمناء المؤسسة الميسورين. 

تحميل المزيد