أصدر مكتب المدعي العام العسكري الليبي (تابع لوزارة الدفاع)، الأربعاء 11 أغسطس/آب 2021، أمراً بإلقاء القبض على سيف الإسلام القذافي؛ لـ"تورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة"، بحسب وسائل إعلام محلية، فيما لم يتسنَّ على الفور الحصول على تعقيب من الجهات المعنية، بشأن هذه التقارير.
سيف الإسلام هو أحد أبناء العقيد معمر القذافي، الذي حكم البلاد بين عامي 1969 و2011، وأطاحت به ثورة شعبية، إضافة إلى أنه مطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أوامر بالبحث والتحري عنه
فقد ذكرت وسائل إعلام، بينها قناتا "ليبيا الأحرار" و"فبراير"، أن مكتب المدعي العام العسكري أمر، في 5 أغسطس/آب الجاري، بالبحث والتحري عن سيف الإسلام القذافي وضبطه وإحالته مقبوضاً عليه؛ لـ"تورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة".
كما وجَّه المدعي العام هذا الأمر في بلاغ إلى جهات أمنية وعسكرية، بينها إدارة الشرطة العسكرية، وإدارة الاستخبارات العسكرية، والاستخبارات العامة، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وجهاز دعم الاستقرار، وجهاز الأمن الداخلي، ووزارة الداخلية.
وأجاز "الاستعانة في سبيل تنفيذ هذا الأمر بالجهات العسكرية والأمنية الواقعة في نطاق اختصاص مكان وجود المعنيِّ".
المدعي العام أوضح أن هذا الأمر جاء بناءً على "التحقيقات الجنائية التي تجرى" بشأن ملف "قضية متعلقة بواقعة جرائم القتل المرتكبة من قِبل المرتزقة من الجنسية الروسية (شركة فاغنر) أثناء هجوم ما يُعرف بعملية الكرامة على مدينة طرابلس (غرب)".
ظهر بعد 10 سنوات من الاختفاء
كان ذلك عبر لقاء مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، ليثبت للشعب الليبي والعالم أنه مازال حياً بعد انقطاع أخباره لسنوات، ومؤكداً أنه يسعى لاستعادة ليبيا.
لم يكُن أحد يعلم ماذا حلَّ بسيف الإسلام، وهل هو على قيد الحياة أم لايزال سجيناً، لكن في هذا اللقاء، أكد القذافي أنه "رجل حر" وأنه يرتب لعودته إلى الساحة السياسية.
فقد كشف سيف الإسلام للصحيفة الأمريكية أنه شارك في القتال لفترة وجيزة في "باب العزيزية" عندما حاصر المتمردون طرابلس في أغسطس/آب 2011. ويقال إن آخر ظهور له كان لتحميس المؤيدين وتوزيع الأسلحة بحي أبوسليم في طرابلس.
بعدها فرّ إلى بلدة "بني وليد"، معقل النظام في المنطقة الجنوبية الشرقية، وبقي هناك حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول، عندما أودت الضربة الجوية التي شنها "الناتو"، بحياة 22 شخصاً من أتباعه وأصابته في يده اليمنى.
لجأ القذافي بعد إصابته إلى مدينة سرت ومنها إلى وادٍ صحراوي، لكن يده المصابة كانت تزداد سوءاً طوال هذا الوقت.
استطاع سيف الإسلام التواصل مع عبدالله السنوسي، رئيس المخابرات في نظام أبيه، واتفقا على أن يلتقيا في المثلث الحدودي الجنوبي بين ليبيا والجزائر والنيجر.
اعترضت مجموعة من المسلّحين الموكب الصغير، ليجدوا رجلاً أصلع صغير السنّ تغطي الضماداتُ يدَه اليمنى. رأوا وجهاً كان دائم الظهور على شاشات التلفزيون الليبي. إنه سيف الإسلام القذافي، الابن الثاني لديكتاتور ليبيا سيئ السّمعة وأحد الأهداف الرئيسية للمتمرّدين.
بعدها بفترة قصيرة، انتشرت بعض الصور التي ظهر فيها ذليلاً في الصحافة؛ منها صورة يجلس فيها على كرسي ويده ملفوفة بضمادات بيضاء بينما يحيط به المقاتلون المنتصرون؛ وصورة داخل مروحية سوفييتية الصنع في طريقها إلى "الزنتان"، وبعدها اختفى تماماً.
مكان اختباء سيف الإسلام القذافي
أما عن فترة اختفائه، فقد مر سيف الإسلام بظروف قاسية، جعلته يشعر بقرب انتهاء أجله، فقد أكد سيف الإسلام أنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شُقّت وسط الصحراء أسفل منزل في بلدة "الزنتان".
لم تكن بالغرفة أي نوافذ، بحسب روايته، ولم يكن يميّز الليل عن النهار أغلب الوقت. كان وحيداً تماماً، وأدرك أنه قد يموت في أي لحظة، فازداد إيماناً.
وفي أحد الأيام، وبالتحديد في مطلع عام 2014، تلقى زيارةً غيَّرت مجرى حياته، وذلك عندما دخل عليه رجلان من كتيبة الزنتان إلى غرفته الصغيرة. بدا عليهما الغضب والانزعاج وأرادا التحدث.
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن هذين الرجلين كانا قد شاركا في الثورة ضد القذافي، كان لأحدهما ابن أصيب بطلقة في رأسه أثناء تبادل إطلاق النار مع ميليشيا منافسة من مدينة مصراتة على ساحل البحر المتوسط.
كما تابعت الصحيفة: "أعرب الرجلان عن شعورهما بالحسرة، ولم يكن هذا الشعور نابعاً من خسارتهما الشخصية فحسب. وقفا محنيَّي الظهور داخل الغرفة- التي كانت تتسع بالكاد لثلاثتهم- وأخذا يسبّان الثورة ويقولان إنها كانت غلطة وإن سيف الإسلام وأباه كانا محقَّين".
قال سيف إنه ظل يستمع إليهما وهو يشعر بأن شيئاً ما يتغيّر. كانت الثورة تلتهم أبناءها. في النهاية، سيشعر الليبيون بإحباط شديد؛ لدرجة أنهم سينظرون إلى الماضي ويشعرون بالحنين إلى عهد القذافي. وهذا بدوره قد يهيئ له الفرصة ليستعيد كل ما فقده.
أوضح القذافي للصحيفة الأمريكية أن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل 10 سنوات "قد تحرّروا من وهْم الثورة وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفاً قويّاً لهم". ارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يصف تحوّله من أسير إلى أمير منتظر، فقال: "هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي".
مطلوب للمحكمة الدولية
يُذكر أنه بدعم من دول عربية وغربية ومرتزقة ومقاتلين أجانب، شنت ميليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بين 4 أبريل/نيسان 2019 و4 يونيو/حزيران 2020، هجوماً فاشلاً للسيطرة على العاصمة طرابلس، مقر الحكومة المعترف بها دولياً، ما خلّف قتلى وجرحى بين المدنيين.
في 17 مايو/أيار الماضي، قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك، فاتو بنسودة: "إما أن يقوم سيف الإسلام القذافي بتسليم نفسه وإما أن تقوم السلطات الليبية بتسليمه إلى المحكمة".
بينما يطمح أنصار النظام السابق إلى العودة للحكم في ليبيا من بوابة المصالحة الوطنية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وهم لا يُخفون، وفق مراقبين، رغبتهم في ترشيح سيف الإسلام للانتخابات الرئاسية، بدعم روسي وقبلي، خاصة مع ما يتردد عن احتفاظ ابن عم القذافي، أحمد قذاف الدم، بثروة تسمح له بتمويل مشروع العودة إلى السلطة.