من يعقوب إلى حسان.. هل وقع مشايخ السلفية المصريون في فخ النظام؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/10 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/10 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
الشيخ محمد حسان أثناء شهادته أمام هيئة المحكمة في القضية المعروفة إعلاميا بـ"داعش إمبابة"/ يوتيوب- صحيفة الوطن المصرية

مثلت شهادة الشيخ محمد حسان أمام هيئة المحكمة في القضية المعروفة إعلامياً بـ"داعش إمبابة"، ومن قبله الشيخ محمد حسين يعقوب، خطوة هامة وبارزة في تعامل النظام المصري مع التيار السلفي ورموزه، في ظل حالة البطش بالإسلاميين الممتدة منذ وقوع الانقلاب في 2013 حتى الآن، والذين لم يكن من بينهم هؤلاء المشايخ الذين يُحسبون على التيار السلفي ولهم قاعدة عريضة من الجماهير.

استدعاء هؤلاء وتصوير وبث شهادتهم، ثم سؤالهم عن المشهد المصري والفكر الإسلامي بشكل عام ومفصل، فيه دلالة على أنها لم تكن مجرد شهادة يحتاجها قاضي محكمة الجنايات من أجل القضية، بل خطوة من خطوات النظام المصري في حربه على جماعة الإخوان المسلمين من جهة، وترويض باقي التيارات الدينية حتى تسير معه على نفس منهجه من جهةٍ أخرى، حتى لو كان ذلك عن طريق شهادة هي أقرب للاستتابة حتى يتبرأ فيها الشيخ من كل شيء يخالفه النظام.

الملاحظة التي بدت في حديث الشيخين يعقوب وحسان، قولهم إنهم مجرد دعاة إلى عقيدة التوحيد والتزكية، وهنا يأتي الحديث عن عدم المسؤولية، فلا هم مسؤولون عما آلت إليه الأوضاع السياسية في مصر، ولا هم مسؤولون عن انحراف بعض الشباب إلى طريق العنف، ولا غير ذلك فهم كما يقولون "مجرد دعاة".

وبالرغم من ذيوع وانتشار هؤلاء الشيوخ في فترة ما بعد الثورة وفترة حكم الرئيس محمد مرسي، من خلال التأييد والدعم الانتخابي وإبداء المواقف السياسية المتعددة وغير ذلك من خلال القاعدة الشعبية لديهم، فإن أحدهم لا يستطيع إلا أن ينفي عن نفسه الاشتغال بالسياسة، بل والعلم إن لزم الأمر، فالرجل داعية وليس بعالِم! وهو ما أثار القاضي حتى يعطيهم درساً في وجوب طلب العلم.

هذه الصورة البريئة التي حاول رموز التيار السلفي "التقليدي" في مصر الظهور بها، هي صورة إدانة أكثر منها صورة براءة، فمحاولة الانسلاخ من أفكار تخص الثورة والحالة الإسلامية في الحكم لم تكن مُرضية لرافضي النظام الذين يعاني الكثير منهم منذ سنوات في السجون، وبالطبع أثار عليهم أذرع النظام الإعلامية فلم يقبلوا منهم هذا الحديث ووضعوهم تحت سياط السخرية وأصبحوا يمارسون عليهم دور الوصاية وإظهارهم مخادعين، في حالة شماتة واستدعاء لمواقفهم القديمة، وكأنه انتصار جديد للنظام.

المشاركة القوية للتيار السلفي في الحالة السياسية ما بعد الثورة كانت ملء السمع والبصر، وتم تأسيس حزب النور ومشاركته في الانتخابات، وكان الشيخ حسان يظهر في مؤتمرات حزب النور المنافس لجماعة الإخوان المسلمين في كل ميادين السياسة.

كما كانت مواقف هؤلاء المشايخ مع التيار السلفي تظهر يوماً بعد يوم في أغلب القضايا خلال عام حكم الرئيس مرسي، وهنا يجب مقارنة موقفهم هذا مع ما لحقه من صمت إزاء موقف حزب النور بالدعم الكامل للانقلاب والمشاركة فيه والصمت عليه والترشح للانتخابات البرلمانية في عهد النظام الحالي دورة بعد أخرى؛ فهل الحكم الجديد الذي أتى أمنياً بامتياز أوصلهم مع مرور الوقت إلى مثل هذه الشهادة؟

الحقيقة أن أفكار التيار السلفي التقليدي في مصر كونها تؤيد النظام الحاكم لم تكن غريبة أو جديدة، وأشار إليها الشيخ حسان عندما سأله القاضي عن ولي الأمر، فأجابه أنه المتغلب الذي يسيطر على بلد من البلاد فيكون هو ولي الأمر، ولكن انتقاد تجربة الإخوان في الحكم وفكر الجماعة وإطلاق بعض الادعاءات عليهم دون بينة مثل ادعاء "الشرعية أو الدماء"، في تغافل تام عن الدماء التي أسَالها النظام في مصر في مثل هذا الشهر من ثماني سنوات على عين الجميع بعد الانقلاب بأيام قليلة، وضع الشيخ في موقف محرج وكأنه يعترف لجلاده تحت سياط التعذيب، لا شيخاً أتى كشاهد بكامل كرامته وإرادته.

هذا الظهور وهذه التصريحات الهامة التي أدلى بها مشايخ السلفية أمام المحكمة، يثير تساؤلاً آخر، وهو لمَ لَم يظهر الشيخ حسان لإجراء هذه التقييمات والمراجعات على إحدى الفضائيات أو في أحد برامجه وبشكل موسع حتى يتضح الأمر لجمهوره، وكذلك الشيخ يعقوب الذي اختفى من المشهد تماماً بعد جلسته في المحكمة، فإذا كان النظام يتعمد إهانتهم واستبعادهم فلم يكن جديراً بهم الاستجابة بهذا الشكل من الاستسلام، وإن كانت هذه رغبةً منهم في عدم الظهور فهو كذلك ضعف وتراجع غير مبرر حيث يُفترض أن لديهم ما يشرَحونه للناس ويبينونه.

وعلى ما يبدو فالخيار الأول هو الأرجح، وهو أن النظام يريد أن يطوي صفحاتِهم بعد أن يستنطقهم بما يريده، ومن الراجح أن تشهد الأيام القادمة تراجعاً كبيراً في ظهورهم، إلا إذا تحولوا بشكل كامل في خطابهم نحو ما يريده النظام، حتى يتم فتح منابر إعلامية لهم.

ربما يكون تتابع الأحداث خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي شارك فيها رموز ومشايخ التيار السلفي بقوة في بدايتها ثم بصمت وعزلة في السنوات الأخيرة، حتى جاءت مثل هذه الشهادات المنقوصة، التي خدمت النظام وعرضتهم للإهانة لا أكثر، أمراً يستدعي مراجعة وتقييم هؤلاء المشايخ لأنفسهم أكثر من حاجتهم إلى تقييم تجارب الآخرين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عبدالعاطي
باحث في السياسة والعلاقات الدولية
باحث ومحرر صحفي
تحميل المزيد