لبنان.. أزمة حكومة أم نسف النظام والنموذج؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/08 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/08 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
نجيب ميقاتي المُكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، والرئيس ميشال عون - رويترز

"الأمور حكومياً في خواتيمها"، هكذا أعلن رئيس الحكومة المكلف مؤخراً نجيب ميقاتي من على المنبر في القصر الجمهوري في بعبدا. ورغم الكلام عن النوايا الحسنة للتشكيل والأجواء الإيجابية، التي يسعى ميقاتي لنشرها، فإنّ معضلة المداورة في الحقائب لم تنتهِ حتى اللحظة، فيما تعتقد مصادر مطلعة على ملف التشكيل أنّ جو التفاؤل الذي يظهره الرئيس ميقاتي يندرج تحت إطار تجاوز الضغوط الفرنسية-العربية، التي يتعرض لها لإنجاز عملية التشكيل التي تمظهرت في مؤتمر الدعم الأخير الذي سمع ميقاتي من خلاله كلاماً جاداً عن رغبة دولية لإنجاز الحكومة سريعاً لوقف الانهيار، وعليه فقد يكون التلويح بالعقوبات الأوروبية مجدداً بعد وضع إطار قانوني لها بإجماع الاتحاد الأوروبي، من أبرز عوامل الضغط للإسراع في التأليف، معطوفة على أحداث الجنوب والمناوشات العسكرية الحاصلة منذ فترة بين حزب الله وإسرائيل.

فيما ترى جهات سياسية مطلعة أن التعطيل هو الأساس في لعبة رئيس الجمهورية، الذي بدوره يفتتح كل فترة معضلة حكومية تضرب الصيغة والطائف، وقد يكون ذلك مرتبطاً بطموحات الكثيرين في القضاء على النموذج السياسي القائم، والبحث عن عقد سياسي واجتماعي.

وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فالتعطيل الذي يمارسه عون ومن خلفه جوقة المستشارين وصهر العهد الحالم يبدو مبرراً، ولكن نهايته ستكون أسوأ مما يتخيل البعض، لكن الأكيد أن عدم تشكيل الحكومة سيعني تلقائياً عدم ضمان إجراء الانتخابات النيابية في وقتها المحدد، أي ربيع العام القادم، قبيل رمضان أو بعده مباشرة.

وهذه العملية ستقود رئيس الجمهورية إلى الاعتقاد بأنه لا يمكنه تسليم ولايته لمجلس نيابي فاقد للشرعية وممدد لنفسه، ما يعني أنه سيبقى في قصر بعبدا ولن يغادره لضمان تسوية تأتي بصهره رئيساً للجمهورية، وهذا وفقاً لمطلعين على ما يجري النقاش حوله والبحث عن مخارج دستورية له، وخاصة أن ميشال عون له سوابق في عدم تسليم القصر والبلاد في تجربة العام 1989، وهذا الأمر في النهاية يعني الاصطدام بالدستور والعودة لصيغ تخدم جهات سياسية وإقليمية حريصة على الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي يقر تقسيمة طائفية جديدة، تناسب حجمها وحضورها في اللعبة الكبرى.

فيما حكومياً لا يزال الرئيس ميشال عون متمسّكاً بالمداورة في الحقائب انطلاقاً من عدم تكريس أي حقيبة وزارية لأيّ طائفة، بحسب روح الدستور واتفاق الطائف، ولذلك يرغب في أن يتولّى مسيحي وزارة الداخلية أو المال. في المقابل يسعى ميقاتي للحفاظ على التوزيع نفسه للحقائب على الطوائف، وفق تشكيلة حكومة حسان دياب، من جهة يتمسّك الثنائي الشيعي منذ تكليف مصطفى أديب بتأليف الحكومة بالحفاظ على وزارة المال للطائفة الشيعية، ومن جهةٍ ثانية يتمسّك رؤساء الحكومات السابقون وخلفهم مفتي الجمهورية والمجلس الشرعي بوزارة الداخلية للسنة، ما يشكّل ضغطاً مزدوجاً على ميقاتي.

وبالمحصلة يرى بعض المتابعين للملف الحكومي أنّ الحل المنتظر لأزمة توزيع الحقائب السيادية الأربع -الداخلية والدفاع والمالية والخارجية- يتعين على معظم الطوائف، لإرضاء رئيس الجمهورية وفريقه السياسي من جهة، ولعدم إحراج ميقاتي من جهة ثانية أمام نادي رؤساء الحكومة السابقين، ولكي لا يظهر أنّه يتخلّى عن مكاسب السنة، وخاصة أنه ولسنوات كان يسوق فكرة أن الحريري يتخلى عن مكاسب السنة لصالح العهد.

أحد هذه الحلول أن يتخلى الثنائي الشيعي عن وزارة المال، بحيث يتولّاها مسيحي وتبقى حقيبة وزارة الداخلية مع السّنة، فيحصل الشيعة على إحدى وزارتي الخارجية أو الدفاع، وبالتالي تسير الحكومة من أزمة توزيع حقائب للاتفاق على الأسماء والشخصيات التي سيتم "توزيرها"، وربما تعود الأمور لنقطة الصفر عند الخوض بالأسماء.

ويعتقد البعض أنه في حالة تخلّي الشيعة عن وزارة المالية سيكون السبب هو أن عون وباسيل عون سيتخليان عن فكرة الثلث المعطل ووزارة الطاقة، بالإضافة لشعور جدي أنهم سيسهلون التأليف، وهذا الشيء عبّرت عنه مصادر الثنائي الشيعي قبل أيام لصحيفة الجمهورية، بأنه إذا كان هناك وقت ومجال للتضحية سنكون أوّل من يضحّي، ولم نكن في عمرنا حجر عثرة إذا كانت هناك حلول.

في السياسة يبدو حزب الله الطرف الأكثر واقعية وترقباً، والذي لم يعد يتوهم كبر الحجم والدور، كما كان عليه الوضع إبان دخوله إلى سوريا، لذلك هو يحاول تجنّب أي مؤشر من مؤشرات زيادة منسوب الصراع السياسي القابل للانعكاس على الأرض، وهو الذي لملم أحداث خلدة وتجاوب مع مساعي الصلح والاتصالات الجارية لوقف العنف والاشتباك، الذي قد يعيد تفجير الفتنة السنية الشيعية، وهذا ما لا يريده الحزب، ويبحث عن كل فرصة لوأدها في مهدها وعدم تحولها لمادة مشتعلة متنقلة قد تستنزفه وتضع بيئته في مقابل بيئات أخرى، وهذا أيضاً ما فعله الحزب بعد قضية توقيف شاحنة راجمة الصواريخ في شويا، التي امتدت بالتعرض لمواطنين من الطائفة الدرزية، وعمل على سحب فتيلها مع الحزب التقدمي الاشتراكي.

بناء على هذه النظرة، هناك من يعتبر أن الحزب لن يقبل باعتذار نجيب ميقاتي وسيتدخل لدى عون وباسيل لإقناعهما بضرورة تشكيل حكومة، وتسهيل مهمة ميقاتي المنتظرة محلياً ودولياً، لأن الحزب بحاجة ماسة إلى حكومة لوقف الوضع المتدهور في هذه المرحلة.

إلا أن هناك وجهة نظر مختلفة تقول إن حزب الله وافق على تسمية ميقاتي ليبدو الفريق المسهل، لكنه أبلغ ميقاتي في لقاء الخليلين ووفيق صفا أنه غير جاهز للضغط على عون، وهو لن يفعل ذلك في هذه الظروف التي يعتبر نفسه فيها مستهدفاً من الداخل والخارج، حيث يعتقد البعض أن الحزب يمرر الوقت حتى انتهاء مساري فيينا ومسقط بين إيران من جهة والسعودية والولايات المتحدة من جهة أخرى.

دولياً، وتحديداً فرنسياً، وبعد فشل الخطة الفرنسية وتعنت الأطراف رغم الأرضية الدولية الجاهزة، تشي مصادر دبلوماسية مطلعة أن باريس ومعها واشنطن تخوضان معركة فرض وجه مختلف للمبادرة الفرنسية، وتحديداً بعد مؤتمر باريس الأخير لدعم لبنان، وهذه الصيغة الفرنسية تحظى بدعم أوروبي، وتحديداً من ألمانيا، كما أنها تستند لغطاء مصري-قطري.

وتنطلق هذه الخطة عقب تشكيل حكومة انتقالية برئاسة ميقاتي، مهامها الرئيسية وقف الانهيار والاستنزاف للاقتصاد اللبناني، الذي قد يؤدي لتفجير الواقع الاجتماعي والأمني، والتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة، وذلك في ظل التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، التي لا بد أن تترك أثرها السياسي في المشهد اللبناني، وهذا التحضير يرتبط في المحصلة بإجراء الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها، والعمل على استجلاب فريق مراقبة دولية للانتخابات، في ظل التشوهات التي شابت الانتخابات البرلمانية السابقة، وما حُكي عن تزوير للنتائج في مناطق عديدة، وخاصة أن القناعة الدولية حريصة على أن التغيير لا يجب أن يمر إلا من خلال وصول وجوه جديدة، وخاصة من المجموعات السياسية التي تشكلت عقب ثورة 17 تشرين، كما أن المجتمع الدولي وتحديداً الأوروبي بات جاهزاً لممارسة الحد الأقصى للضغوط، بعد إقراره آليات عقابية ستطال مسؤولين لبنانيين مسؤولين عن التعطيل والفساد وتحلل الدولة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد