تحت قبة البرلمان أقسم إبراهيم رئيسي، في الخامس من آب/أغسطس الجاري، أن ينذر نفسه لخدمة الشعب وتنمية البلاد، كثامن رئيس للجمهورية بعد الثورة الإيرانية.
إيران تعيش في مأزق معيشي وانعدام الثقة بين المواطن والحكومة نتيجة للعقوبات الأمريكية وتفشي كوفيد 19 وسوء الإدارة في حكومة روحاني المعتدل، فقد بات يعول المواطن اليوم علي الرئيس الجديد المحافظ كونه يحظى بدعم جميع مفاصل الدولة، وعلى رأسها المرشد الأعلى علي خامنئي،، حيث أثنى على إبراهيم رئيسي خلال تنفيذ حكم الرئاسة قبل أيام، واصفاً إياه بـ"العالم الحكيم الذي لا يعرف الكلل، ذي الخبرة والشعبية"، يعول عليه المواطن لحلحلة مشاكله الهامة والناجمة من تدهور الاقتصاد وإهمال الحكومة السابقة.
التسريع في عملية اللقاح
نحو 12 مليون فرد من أصل 83 مليون مواطن من سكان البلاد تلقوا جرعة اللقاح، أرقام تبرز بطء وتيرة التطعيم ضد فيروس كورونا، ما تسبَّبَ بدخول البلاد في موجة وبائية خامسة تفتك بأرواح 400 مواطن يومياً، فباتت المطالبة الأبرز التسريع بعملية التلقيح لاحتواء أزمة كوفيد 19 والتي فشلت حكومة روحاني، وعلي رأسها وزير الصحة سعيد نمكي، في أداء المهمة، حيث راح ضحية الجائحة حتى الآن ما يزيد على 92 ألف مواطن، حسب تقارير وزارة الصحة.
الحد من التضخم والغلاء
وعشية تشكيل الحكومة الجديدة يعيش المواطن الإيراني هواجس كثيرة إزاء الوضع المعيشي، حيث كشف مركز إيسبا "ISPA" لاستطلاع الرأي قبل أيام عن نسبة 90% من القلق المسيطر على المشاركين تجاه التضخم وارتفاع أسعار البضائع، وقد سلم الرئيس روحاني الحكومة لخلفه رئيسي ونسبة التضخم تصل 44 بالمئة، أما الأسعار فأصبحت ترتفع بشكل يومي لا شيء يحدها.
إيجاد فرص العمل
ذهب روحاني وبات رئيسي الآمر الناهي. فتلتفت أنظار الشعب نحوه متذكرة تصريحاته بأن الحل لمشاكل البلاد ليس في الخارج (الوصول إلى اتفاق مع الغرب) بل في الداخل، فلا محالة له اليوم إلا أن يستعجل في تحقيق ما يعتقده تياره المحافظ قبل اليوم.
ومن أبرز المشاكل وجود 2.2 مليون عاطل عن العمل، حسب مركز الإحصاء الإيراني "amar"، رأتها حكومة روحاني المدعومة من الإصلاحيين حصيلة للأزمة الوبائية والعقوبات الأمريكية، ورفض ذلك رئيسي المدعوم من معسكر المحافظين واتهم سلفه بربط معيشة المواطن بالاتفاق النووي، وأن المشكلة تكمن في إدارة ثروات البلاد وعدم كفاءة المسؤولين الاقتصاديين.
الحفاظ على الموارد الطبيعية
الاحتجاجات في يوليو/تموز على شح المياه وجفاف الأنهار والأهوار في إيران ما هي إلا علامة فارقة على أن أزمة المياه تكاد تخرج عن السيطرة وتدنو نحو صراع داخلي قاتم نتيجة لعقود من إدارة خاطئة للموارد الطبيعية وتقسيمها عكس المنظومة البيئية.
الحد من التلاعب في الموارد الطبيعية وضمان سلامتها، من بناء السدود، ونقل المياه إلى المصانع في الهضبة المركزية في البلاد، ومنع إتلافها في زراعة غنية بالمياه، واحتواء حرائق الغابات، والحد من تلوث مياه البحر وقطع الأشجار وغيرها، بات كل ذلك أولوية قصوى لحكومة إبراهيم رئيسي لتجنب المظاهرات والاحتجاجات التي تسري من هذا الباب.
رفع العقوبات الأمريكية
لا يختلف اثنان في هرم السلطة على تأثير الضربة التي حققتها العقوبات الأمريكية على عجلة الاقتصاد الإيراني، حيث وصل حافة الانهيار، ولكن اختلاف التيارات السياسية يبرز في كيفية التعامل والتواصل مع واشنطن صاحبة القرار الأول والأخير في الاتفاق مع الغرب، كما تصرح طهران.
وطالما يتهم المعسكر المحافظ حكومة روحاني بعدم مراعاة الخطوط الحمراء للنظام الإيراني في مفاوضاته مع الغرب، داعياً لمفاوضات تراعي العزة والكرامة للإيرانيين، دون تنازل عن حقوقهم السلمية، فالآن هم في سدة الحكم ليحققوا ما كانوا يرفعون شعاره، ويبقى المهم بالنسبة للمواطن أن يتنفس الصعداء بعد إرهاب اقتصادي، كما يصفه، بالبلاد.
ضمان حرية التعبير والانفتاح
يهيمن التيار المحافظ علي البرلمان الإيراني، ومن أبرز أفعاله السماح للجنة متخصصة بالموافقة على خطة تجريبية تحت عنوان مشروع "حماية حقوق مستخدمي الفضاء الإلكتروني"، تهدف إلى تقييد الشبكات الاجتماعية الأجنبية، خاصة إنستغرام، وهو إجراء من شأنه أن يجعل تنفيذ خطة تقييد وسائل التواصل الاجتماعي خطوة واحدة أكثر سلاسة.
أثار المشروع حفيظة الجميع من كلا التيارين السياسيين وصولاً إلى الشباب وربات المنازل، حيث أصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي تفتح متاجرها عبر هذه المنصات، وقد أطلق أصحاب الشركات المعرفية -التي تعتمد علي هذه المنصات كأداة تسويقية أولى في مشاريعهم- عريضة إلكترونية ضمت نحو مليون توقيع، مطالبين بعدم تمرير المشروع في البرلمان.
كما تعلو أصوات بين الفينة والأخرى تطالب بتقييد بعض النشاط الاجتماعي المسموح للشباب والنساء بشكل عام كالتشديد على العزاب بغية التزوج أو منع النساء من ركوب الدراجات النارية أو حظر اقتياد الحيوانات في الشوارع وغيرها، حيث يرى بعض المراقبين أن على الرئيس رئيسي أن يدافع عن حقوق المواطنة أمام أي شاردة أو واردة تريد بانتقاص حقوق الشعب، سواء كانت في الداخل أو الخارج.
ولربما الوقوف لضمان حرية التعبير والانفتاح المتواجد في الجمهورية المحافظة مطالبة عاجلة تحد من لجوء الإيرانيين إلى خارج البلاد، حيث باتوا يحتلون المركز الأول في عمليات شراء العقارات في تركيا خلال عامي 2020 و2021.
بين التسريع في عملية اللقاح والحد من التضخم والغلاء وإيجاد فرص العمل، وبين الحفاظ على المياه ورفع العقوبات وضمان حرية التعبير والانفتاح، تبقى قرارات الرئيس إبراهيم رئيسي وحكومته المؤشر الأبرز لتقييم أدائه من قبل الشعب الإيراني في الفترة المقبلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.