في السنوات الأخيرة، أصبحت الصحراء المغربية تستهوي الخليجيين الراغبين في ممارسة سياحة من نوع خاص، ويتعلق الأمر باصطياد الطيور النادرة والحيوانات.
ويشتد التنافس بين أمراء وأثرياء الخليج لإنشاء محميات طبيعية بالمغرب تمتد على أراضٍ شاسعة، وتضم قصوراً فخمة، وعدة مرافق لممارسة هوايتهم المفضلة.
وتشرف على هذه المحميات مؤسسات دولية خليجية متخصصة في الحياة الفطرية، حيث تتم تربية الطيور النادرة المهددة بالانقراض والحيوانات، مثل الغزلان والأرانب والثعالب.
إضافة إلى ذلك، تنشط شركات مغربية وخليجية في تنظيم رحلات سياحية لمُحبي رياضة القنص بالبندقية أو بالصقور، وتُوفر خدمات متكاملة وفخمة لعشاق هذه الهواية الشعبية والتراثية في دول الخليج.
محميات الحبارى
يعتبر طائر الحبارى من أهم الطيور التي تتم تربيتها في هذه المحميات، إلى جانب طيور نادرة أخرى وحيوانات مهددة بالانقراض.
وطائر الحبارى من طيور الصحراء النادرة وغير المهاجرة والتي تطير مسافات قصيرة، وهو يعيش في السهول القاحلة والسهوب والمناطق شبه الصحراوية ذات الغطاء النباتي المفتوح أو المنتشر والقصير.
ويعد حبارى شمال إفريقيا من الطيور ذات الحجم المتوسط، موطنه المفضل هو الوسط شبه الجاف القاحل والرملي، حيث يفضّل المشي فيه أو الجري عوض الطيران.
ويجذب هذا الطائر المهدد بالانقراض المهتمين بالحياة الفطرية، حيث تختص محميات في ملكية أثرياء وأمراء خليجيين، وموزَّعة على مناطق مختلفة بالجنوب المغربي، بتربيته ورعايته.
يقول مصدر لـ"عربي بوست"، إن أمراء وأثرياء كل دولة خليجية يُنشئون محمياتهم في منطقة معينة تكون محظورة على غيرهم، فيما يشبه اتفاقاً غير مكتوب تقاسموا بموجبه صحراء المغرب.
ويضيف المتحدث: "يستقر أمراء قطر في منطقة كلميم وآسا الزاك، بينما أمراء الإمارات في نواحي طاطا وميسور، وأمراء السعودية في بوجدور والسمارة، والكويتيون في مناطق أخرى وهكذا".
إنشاء محميات مقابل تمويل مشاريع
في جماعة الشاطئ الأبيض التابعة لإقليم كلميم جنوب المغرب، تم تفويت 70 هكتاراً لأمراء قطريين، ثم توسعت إلى 100 هكتار تم تسويرها بسور وتشجيرها وبناء قصور داخلها ومخازن وآبار وأقفاص لتربية طائر الحبارى.
يقول أحمد الشناوي، عضو المجلس القروي لجماعة الشاطئ الأبيض، إن طريقة تفويت هذه المساحات الشاسعة غير واضحة لمُدبِّر الشأن المحلي، فتراخيص البناء وحفر الآبار لم يتم استخراجها من الجماعة.
ويضيف أن "الفاعل المحلي لا يتوفر على معلومات واضحة بخصوص هذه المحميات ولا دخل له بتدبير هذا الملف؛ بل يدبَّر بعيداً عنه، إذ تؤجر الدولة لهم الأرض بطريقة غير معروفة لنا، وتكون الأهداف المعلنة تربية طائر الحبارى، حيث تقام مشاريع كبيرة وتُصرف أموال طائلة".
غير أنه لا يُخفي وجود عائد تنموي محلي لحلول أمراء الخليج في هذه المحميات، ويتمثل هذا العائد في تمويل عدد من المشاريع لصالح أهالي القرى والبلدات المجاورة.
ومن المشاريع التي تم إنجازها في كلميم وجماعة الشاطئ الأبيض حيث تستقر محميات قطرية: ربط جميع الدواوير بشبكة الماء الصالح للشرب، وتعبيد طريق يمتد إلى 18 كم، وتوزيع مساعدات غذائية، وبناء مستشفى كبير ومطار.
وإلى جانب محميات الشاطئ الأبيض، يمتلك قطريون محميات أخرى بمنطقة الزاك والراشيدية تنتج داخلها مئات طيور الحبارى.
يوضح الشناوي أن "الظاهر من إنشاء هذه المحميات هو الحفاظ على طيور الحبارى من الانقراض، لكن بالنسبة لأثرياء وأمراء الخليج فإنهم لا يهدفون إلا إلى تحقيق متعة خاصة وهي قنص الحبارى بالصقور، فكلما حلَّ أمير بالمنطقة في موسم القنص تبدأ حالة الطوارئ، ويتم إطلاق مئات الطيور لممارسة هذه الهواية التراثية".
استثمار أم سياحة؟
أما الإماراتيون، فقد أنشأوا عن طريق مركز الإمارات لتنمية الحياة الفطرية، محميَّة لتربية وإكثار الحبارى في إقليم ميسور شرق المغرب منذ عام 1995، وفي عام 2006 افتتحوا مركزاً آخر في منطقة إنجيل بالقرب من ميسور.
ويقول المركز على موقعه الإلكتروني، إنه يتولى مسؤولية إدارة مناطق محميَّة واسعة بهدف إعادة توطين الحبارى، وزيادة أعدادها، واستعادة موائلها الطبيعية.
وفي إقليم طاطا توجد محميات أخرى تمتد على مساحات شاسعة بملكية أمراء إماراتيين، واسترعت هذه المحميات الاهتمام الإعلامي، العام الماضي، عندما اعتُقل شاب من المنطقة بعد احتجاجه على تخصيص أراضٍ شاسعة للإماراتيين، موجهاً إليهم اتهامات بنهب ثروات المنطقة، حسب تعبيره.
وتوبع الشاب قضائياً بتهمة "تعنيف رجل سلطة وإهانة القوات العمومية"، وحُكم عليه بـ6 أشهر نافذة وغرامة مالية.
وبحسب الفاعل المدني في مدينة طاطا، مبارك أوتشرفت، فإن تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة يتم وفق عقود تأجيرية لمدة 99 سنة، وذلك بموجب اتفاق بين الدوليتين المغربية والإماراتية، فتسهل الأولى إجراءات تخصيص الأراضي بين ممثلي الجماعات السلالية والمشرفين على تلك المحميات مقابل مشاريع وهِبات يمولها الطرف الثاني.
لكن بالنسبة لمبارك فإن الرهان على مُلاك المحميات لتنمية المنطقة لا جدوى منه؛ لكون المشاريع التي يطلقونها ليس لها بُعد مُستدام، فوجودهم في المنطقة -كما يرى- ليس بهدف الاستثمار؛ بل يأتون فقط للسياحة وممارسة هوايتهم المفضلة في صيد طائر الحبارى وطيور وحيوانات أخرى.
فرضيات متداولة
يلفت الفاعل المدني إلى أن مُدبري الشأن المحلي والفاعلين المدنيين لا يمتلكون معطيات حول ما يجري داخل المحميات، وأسباب تخصصها في تربية وإكثار طائر الحبارى، ما يترك المجال مفتوحاً أمام فرضيات متداولة، منها ما يقال عن كون هذا النوع من الطيور يميز الأشياء اللامعة عن بُعد ويلتقطها، لذلك تتم تربيته لصيد الأحجار الكريمة.
وتحدثت مواقع مغربية عن الفرضية نفسها، إذ ذكر موقع "الجريدة 24" الإلكتروني في تقرير، أن الحديث عن إنشاء محميَّات خليجية بالمغرب للحفاظ على طائر الحبارى من الانقراض أو سعياً لصون رياضة الصيد بالصقور ليس سوى مبررات واهية وستائر لتجارة مُربحة لا يفطن إليها كثير من المغاربة.
ولفت التقرير إلى أن الاهتمام بطائر الحبارى يرجع إلى قدرته على التقاط أحجار كريمة وبرَّاقة مثل الألماس، وتجميعها في حويصلاته، مضيفاً أنه يتم ترحيله نحو مختبرات خاصة في الخليج؛ لاستخراج كمّيات الألماس التي قد يكون جمعها في حويصلته بما يدرُّ ثروة خيالية عليهم.
وتُطرح وسط السكان والفاعلين المدنيين والمنتخبين المحليين أسئلةٌ كثيرة حول الغموض الذي يكتنف هذه المحميات الخليجية، فيما تحدثت وسائل إعلام مغربية في السنوات الأخيرة، عن الإزعاج والضرر اللذين تسببت فيهما لأهالي المناطق التي أقيمت فيها، إذ اشتكوا في مناسبات متعددة، من تسبُّب هذه المحميات في تقليص الأراضي المخصصة للرعي.
ونقل البرلماني الحسين حريش هذه التساؤلات إلى وزير الداخلية في سؤال كتابي، ولفت النائب في سؤاله الذي تناقلته صحف مغربية، إلى أن انتشار المحميات في مجموعة من أقاليم المملكة وعلى رأسها إقليما طاطا وآسا الزاك، يرافقه الغموض.
وساءل البرلمانيُّ وزيرَ الداخلية عن الإطار القانوني الذي يتم بموجبه الترخيص لهذه المحميات، وعما إذا كانت هناك اتفاقيات مع مصالح مركزية أو الجماعات الترابية بهذا الشأن وعن مدتها وعائداتها على تنمية هذه الأقاليم وسكانها.
خطر الصيد العشوائي
إلى جانب هذه المحميات الطبيعية التي يمتلكها أمراء وأثرياء الخليج ويحلُّون بها على فترات لممارسة هواية قنص الطيور النادرة أو الصقارة كما يسمونها، تنظم شركات مغربية وأخرى خليجيةٌ رحلات صيد سياحية في مختلف مناطق المغرب، وتنشط هذه الشركات في توفير خدمات متكاملة لزبائنها، حيث يتم اصطياد مختلف أنواع الطيور كالحمام (القمري) والحجل والسمان والفزن وغيرها، وتوفر لزبائنها خدمات راقية من الدرجة الأولى، وتؤمّن لهم الاستقبال من وإلى المطار بسيارات حديثة للصيد، فضلاً عن تأمين السكن في فنادق فخمة، وتوفير جميع الخدمات من طباخين يعدُّون الطعام الخليجي، وتوفيرها جميع أنواع الأسلحة وبنادق الصيد.
وعلى الرغم من محاولات تنظيم هذا المجال ووضع قوانين وقواعد لحماية الثروة الحيوانية بالمغرب، فإن الأمر لا يخلو من عشوائية وفوضى.
يقول أيوب محفوظ، عضو مؤسس بالجمعية الوطنية لجمعيات القنص في بالمغرب، إنه تجري عمليات إبادة عشوائية لطيور نادرة وحيوانات في طريق الانقراض.
ولفت محفوظ في حديث مع "عربي بوست"، إلى وجود سياحة سريَّة تنشط في الخفاء، وتستغل ضعف الوسائل البشرية واللوجيستيكية لدى الجهات المعنيَّة بتطبيق القانون المتعلق بحماية الحياة البرية، لتبيد أنواعاً من الطيور.
وأشار في هذا الصدد، إلى توقيف عدد من الخليجيين، الأسبوع الجاري، بسبب مخالفتهم قانون الصيد وتجاوز عدد الطيور المسموح بصيدها في اليوم.
وتحدَّث أيوب محفوظ عن نشاط عدد من الأشخاص والشركات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستقطبون سياحاً خليجيين بشكل سري؛ للمشاركة في رحلات لصيد غزلان الأطلس النادرة والحبارى والكدري والحسون رغم أن هذه الأنواع ممنوعٌ قنصها بموجب قانون 29-5.
ويرى أن هذه السياحة السرية والعشوائية تهدد الحياة البرية بالمغرب، ولن تنتهي إلا بتنظيم الصيد السياحي وتقوية وسائل المراقبة وتوفير آليات الزجر وتطبيق القانون.