"أين أنتم؟ طمنوني".. رسالة صوتية قصيرة فيها الكثير من الخوف وصلت من والدتي على مجموعة العائلة في الواتساب ظُهر يوم الثلاثاء في الرابع من أغسطس/آب، أسرعت للرد عليها وكتبت "شو فيه؟" ماذا يحصل عندكم؟! قالت: انفجار في بيروت.
وككل انفجار وقع في العاصمة، بدأت المعلومات تتباين، في بيت الوسط حيث مقر سعد الحريري، لا، هو انفجار في وسط المدينة، لا، هو قرب البحر، وهكذا حتى بدأت الفيديوهات تتوالى عن انفجار أولي في الميناء، ثم جاءت لحظة الحقيقة، انفجار كارثي في المرفأ.
كنت في عملي بإسطنبول، الوهلة والصدمة أوقفت تفكيري من شدة ما رأيت، لا أعلم ماذا حدث في العاصمة التي هربت منها بحثاً عن وطن آمِن لي ولعائلتي. قوة الانفجار والصور التي تصلني مخيفة ليست كباقي الانفجارات التي تعودنا عليها نحن اللبنانيين، هناك شيء كبير يحدث، هل هو هجوم إسرائيلي؟ هل هو اغتيال؟ ومع كل سؤال يخطر في بالي يصلني فيديو جديد عن الانفجار، ولا جواب شافٍ!
وبعد سلسلة اتصالات عائلية ومع أصدقاء مقربين، شكرت الله أن لا أحد من عائلتي قد أصيب، ولم يتضرر أي شيء سوى منزل أخي وشركته بشكل بسيط، ثم علمت لاحقاً أن محلات وسيارات تضررت واختفت لأقرباء لي.
الساعات الأولى من الانفجار هي من أصعب الساعات على المغترب البعيد عن مكان الحدث، كيف لا وهو لا يعلم ماذا يجري إلا من خلال شريط أحمر على الشاشات أو من خلال مواقع التواصل ومجموعات الواتساب؟ كيف للمغترب البعيد أن يطمئن على عائلته وأصدقائه وبلده، كيف له أن يتذكر كل شخص ويتصل به ليعرف أهو حي أم قتل؟!
صحيح، لا يحق للمغترب التكلم عن خوفه وحزنه أمام هول ما حدث، وأمام الضحايا والدمار الذي وقع، لكن هي ساعات عصيبة عشناها في غربتنا، أعادت لنا ذكرياتنا في هذه المدينة المنكوبة، المشي في شوارعها ووسطها الأرستقراطي والصور قرب بحرها.. كلنا كنا أهدافاً لهذا الانفجار الذي كان من الممكن أن يحدث في أي لحظة خلال سنوات تخزين هذه المواد شديدة الخطورة.
أطفالنا أيضاً كانوا ضحايا لهذا الانفجار، وهم يشاهدون معنا ما يحدث دون أن يفهموا حقيقة ما يجري فعلاً، نقول لهم إنه انفجار في بيروت دون شرح أو تفصيل. تعرفوا على بيروت من خلال هذا المشهد الدموي، ورسخ في ذهنهم الدمار الكبير الذي شاهدوه معنا على الشاشات، حتى قال لي ابني ذو الأربع سنوات قبل سفرنا لبيروت في أول زيارة بعد الانفجار: "بيروت مكسرة يا بابا؟ هنيك البيوت مكسرة؟".
ورغم كل ما شعرت به في ذلك اليوم، فإن الانفجار كان له حسنة ربما، إن صح التعبير، وهو إعادة تذكيري بوطن قد هربت منه غير آسف، شعرت بلبنانيتي، وشعرت بانتماء غير مسبوق لكن أي انتماء هذا الذي جاء على أشلاء العشرات من الضحايا وكارثة غير مسبوقة ودماء وأشلاء؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.