بوتيرة متسارعة ومكثفة، تشهد تونس موجة إقالات لمسؤولين في مؤسسات حكومية ومناصب قضائية، أنهت مهام 30 مسؤولاً حتى مساء الثلاثاء 3 آب/أغسطس 2021.
بدأت هذه الموجة مع "تدابير استثنائية" اتخذها الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو/تموز الماضي، إثر احتجاجات شعبية في محافظات عديدة طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
سلسلة الإقالات التي بدأتها الرئاسة لم ترافقها تفاصيل حول أسبابها، ويتوقع مراقبون أن تتواصل في الأيام المقبلة لتشمل هياكل محلية، مثل إقالة ولاة المحافظات (محافظين)، وتجميد المجالس البلدية (المحلية).
المشيشي و4 وزراء:
غداة "التدابير الاستثنائية"، أصدر سعيّد، في 26 يوليو، أمراً رئاسياً بإقالة كل من المشيشي، رئيس الحكومة، والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية بالنيابة، وإبراهيم البرتاجي وزير الدفاع، وحسناء بن سليمان الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة.
فيما قالت الرئاسة إن هذه الإعفاءات سارية منذ 25 يوليو.
ولملء الفراغ الحكومي، قررت الرئاسة أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية لحين تسمية رئيس حكومة وأعضاء جدد فيها. وإلى اليوم، لم تعين الرئاسة التونسية وزراء لهذه الوزارات ولا رئيساً للحكومة.
أما الإثنين 2 أغسطس/آب، فقد قضت الأوامر الرئاسية بإعفاء وزير الاقتصاد ودعم الاستثمار، علي الكعلي من مهامه، وتعيين سهام البوغديري خلفاً له.
كما تم إعفاء، وزير تكنولوجيات الاتصال، وزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية بالنيابة، محمد الفاضل كريّم من مهامه، وتكليف نزار بن ناجي بتسيير وزارة تكنولوجيات الاتصال.
رضوخ للإقالة:
بعد ساعات من إعلان إعفائه، خرج المشيشي عن صمته ليعلن، مساء 26 يوليو، أنه غير متمسك بأي منصب في الدولة، وأنه سيسلم المسؤولية إلى رئيس الحكومة الذي سيكلفه الرئيس بالمهمة.
وقال المشيشي، عبر فيسبوك: "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أكون عنصراً معطلاً أو جزءاً من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيداً".
وتابع: "محافظة على سلامة كل التونسيين، أُعلن اصطفافي كما كنت دائماً إلى جانب الشعب واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسكي بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة".
فيما لم تصدر ردود فعل من وزراء الدفاع والوظيفة العمومية والعدل بالنيابة والاقتصاد والمالية وتكنولوجيا الاتصال بشأن إقالتهم.
يذكر أنه تم تعيين البرتاجي وزيراً للدفاع في حكومة المشيشي، التي نالت ثقة البرلمان في أغسطس/آب 2020، بالتوافق مع سعيّد، وفق ما يقتضيه الدستور، لأن مجال الدفاع من اختصاصات الرئيس.
الإقالات تشمل مناصب عليا:
وفي مساء 27 يوليو، أعلنت الرئاسة التونسية سلسلة إقالات جديدة استهدفت مسؤولين في مناصب عليا بالدولة، بحسب مجلة "الرائد" الرسمية.
فبمقتضى أمر رئاسي، أقال سعيّد المكلف بمهام وكيل الدولة العام، مدير القضاء العسكري، العميد القاضي توفيق العيوني، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثّورة والعمليات الإرهابية، عبدالرزاق الكيلاني.
كما أقال كلاً من المعز لدين الله المقدم، مدير ديوان رئيس الحكومة المُقال، وكاتب عام الحكومة وليد الذهبي.
وكذلك كل مستشاري رئيس الحكومة المُقال الثمانية، وهم: رشاد بن رمضان، ولحسن بن عمر، وإلياس الغرياني، وأسامة الخريجي، وعبدالسلام العباسي، وسليم التيساوي، وزكريا بلخوجة، ومفدي مسدي.
وشملت الإقالات أيضاً 9 مكلفين آخرين بمهام في ديوان الحكومة، وهم: فتحي بيار، ومحمد علي العروي، وحسام الدين بن محمود، وبسمة الداودي، وابتهال العطاوي، ومنجي الخضراوين، ونبيل بن حديد، وبسام الكشو، وروضة بن صالح.
ومساء 28 يوليو/تموز، أصدر سعيّد أمراً بإعفاء محمد لسعد الداهش، المدير العام للتلفزيون الرسمي في البلاد من منصبه، وتكليف عواطف الدالي بتسيير مؤسسة التلفزة مؤقتاً.
مدير المخابرات وسفير ووالٍ
وفي 29 يوليو/تموز، قالت وسائل إعلام تونسية إنه تقرر إعفاء المدير العام للمصالح المختصة (مدير المخابرات) بوزارة الداخلية الأزهر لونقو من مهامه.
فيما نقلت إذاعة "موزاييك" (خاصة) عن مصادر مطلعة، أنه "تقرر إعفاء الأزهر لونقو وتكليف محمد الشريف، المدير المركزي للاستعلامات العامة، بمنصب مدير عام للمصالح المختصة بوزارة الداخلية، بالنيابة خلفاً للونقو".
أما في مساء الثلاثاء، فقالت الرئاسة، في بيان، إن سعيد "أصدر أمراً رئاسياً يقضي بإنهاء تكليف نجم الدين الأكحل بمهام سفير فوق العادة ومفوض للجمهورية التونسية بواشنطن".
كما أصدر سعيد "أمراً رئاسياً يقضي بإنهاء تكليف أنيس الوسلاتي بمهام وال (محافظة) بولاية صفاقس"، بحسب بيان ثانٍ للرئاسة.
ومن المنتظر أن يعلن سعيد عن رئيس وزراء جديد، مع تكليف حكومة تخضع لإشرافه المباشر لتكون مسؤولة أمامه، في وقت تضغط فيه منظمات تونسية للتسريع بطرح خارطة طريق، تتضمن خططاً واضحة لإنقاذ البلاد، مع ضمان احترام الدستور وحقوق الإنسان.
وينفي سعيد صحة اتهامات بتنفيذه انقلاباً، ويقول إنه اتخذ هذه التدابير استناداً إلى الفصل 80 من الدستور، وبهدف "إنقاذ الدولة التونسية".
لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لا سيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.