كشفت مراسلة صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فيفيان يي، والتي التقت الرئيس التونسي قيس سعيد، يوم الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، أنه لم يُسمح لها بطرح أي أسئلة مطلقاً على سعيد، رغم أنه أعطى محاضرة عن دستور الولايات المتحدة، وقال إنه يتعهَّد بالحفاظ على حرية الصحافة.
جاء ذلك في تقرير مطول لها، الأحد 1 أغسطس/آب 2021، تعقيباً على مقابلتها مع زملاء آخرين لها بالصحيفة الأمريكية، عقب احتجازها من قِبل الشرطة التونسية لفترة وجيزة قبل أن يتم إطلاق سراحها.
حيث قالت: "لقد جئت لتغطية الانهيار المحتمل للديمقراطية في تونس، وتم احتجازي لفترة وجيزة. ثم تلقيت محاضرة عن دستور الولايات المتحدة من رئيس تونس الذي تعهد بالحفاظ على حرية الصحافة، لكنه لم يسمح لي بطرح سؤال واحد".
فيما أشارت إلى أنها، وزميلين لها من الصحيفة الأمريكية، تلقوا فجأة مكالمة من رئاسة الجمهورية من أجل مقابلة سعيد، مضيفة: "اعتقدت أنها قد تكون فرصتهم لمقابلة الرئيس، لكنه اتضح أن دعوتهم كانت للاستماع لمحاضرة، وقيل لهم إن هذه ليست مقابلة صحفية".
مراسلة صحيفة نيويورك تايمز أكدت تعرضهم لما وصفته بالبروتوكول الصارم في القصر الرئاسي بغرفة استقبال رسمية، وقالت: "كانت الغرفة ممتلئة بالشمعدانات الكريستالية والكراسي ذات الحواف المذهبة، وتلقينا تعليمات بشأن مكان الوقوف والجلوس في حضور سعيد، وعندما بدأ أحد زملائها الترجمة، أُمر بالتوقف. وتم تصوير كل شيء من قِبل فريق تصوير حكومي، وربما كان السبب في أن نكون صامتين هو قيامهم لاحقاً بنشر الفيديو على حساب الرئاسة التونسية بفيسبوك".
بعد ذلك، قام سعيد بإلقاء خطاب عليهم بصوت عالٍ؛ لدرجة أنها كانت تتخيله في قاعة محاضراته القديمة، حيث برزت لغته العربية الفصحى.
"مجرد دعائم"
كما لفتت فيفيان إلى أن الصحفيين في تونس يخضعون لرقابة مشددة، ويُمنَعون من كتابة التقارير، وأحياناً ما يتم اعتقالهم، متابعة: "مساء يوم الجمعة الماضي، ظهر فيديو اللقاء على صفحة الرئاسة التونسية على موقع فيسبوك، بينما تجاهلوا اعتقالنا، ولم يشر لمحاولتنا طرح الأسئلة.. لقد كنّا مجرد دعائم".
هذه التصريحات أثارت جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وجددت انتقادات البعض للرئيس التونسي، حيث أكد بعض المغردين أنه استغل صحفيي "نيويورك تايمز" للترويج لـ"دعايته غير الحقيقية".
يشار إلى أن تونس احتلت المرتبة الأولى عربياً في مؤشر الصحافة العالمي للعام 2021، لكن إجراءات سعيد الأخيرة أثارت مخاوف متزايدة بشأن حرية الصحافة.
"لن يتحول إلى ديكتاتور"
خلال لقائه بصحفيي "نيويورك تايمز"، قال الرئيس التونسي، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، إنه لن يتحول إلى ديكتاتور، بعد سيطرته قبل أيام على كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، قائلاً إنه يكره ويمقت الديكتاتورية، مجدداً تأكيده أنه لا خوف على الحقوق والحريات في بلاده، التي بدأت تشهد مؤخراً اعتقالات وتضييقات بحق البعض.
سعيّد كرر نفيه القيام بانقلاب، مؤكداً أن "ما حدث ليس انقلاباً، لأنني أكره الانقلابات، كما أكره أيضاً ضرب الدولة التونسية من الداخل"، مضيفاً: "أعلم جيداً النصوص الدستورية واحترامها ودرّستها، وليس بعد هذه المدة كلها سأتحول إلى ديكتاتور كما قال البعض".
فيما أضاف: "من يتحدث عن خرق للدستور فهو كاذب؛ لأنني استشرت رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، انطلاقاً من الفصل الـ80 من الدستور، وبالتالي فكيف يتم الانقلاب على الدستور بالدستور ذاته؟!"، مؤكداً أن "كل الدول تعرف التدابير الاستثنائية للحفاظ على كيان الدولة، وللحفاظ على القانون والحقوق والحريات"، وفق قوله.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تواجه تونس موجة وبائية غير مسبوقة عقب تفشي فيروس كورونا، تتسم بانتشار واسع للسلالات المتحورة ألفا ودلتا في معظم الولايات، مع ارتفاع في معدل الإصابات والوفيات، مع تحذيرات من انهيار وشيك للمنظومة الصحية؛ ما استدعى استقبال مساعدات طبية عاجلة من دول عديدة، خلال الأيام الماضية.