دعا الرئيس التونسي، قيس سعيد، السبت 31 يوليو/تموز 2021، البنوك إلى خفض أسعار الفائدة، مؤكداً أنه لا سبيل لمصادرة الأموال أو الابتزاز، وذلك في محاولة لطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين بعد أن قال إنه سيطرح مبادرة صلح لاسترجاع أموال نهبها بعض رجال الأعمال.
جاء ذلك، في كلمة متلفزة له، خلال استقباله بقصر قرطاج، محمد العقربي، رئيس الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، وعضوي الجمعية منى سعيد وهشام الرباعي.
حيث قال سعيد إنه "يقدِّر وطنية الناشطين في قطاع البنوك والمؤسسات المالية"، ودعاهم إلى "بذل جهد إضافي في هذه الفترة الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، والوقوف في الجبهة نفسها مع الشعب التونسي، وذلك عبر الحط قدر الإمكان من نسب الفائدة المعمول بها، ليعود جزء منها للمجموعة الوطنية".
سعيد شدّد على أنه "لا مجال في تونس اليوم للظلم أو الابتزاز أو مصادرة الأموال، فالحقوق محفوظة في إطار القانون"، قائلاً إنه "يعمل وسيعمل دون هوادة حتى لا يُظلَم أحد، وإنه لا مجال للتخوف أو لتهريب الأموال خوفاً من المصادرة".
"تراجع عجز الموازنة"
إلى ذلك، قال بيان وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، السبت، إنَّ عجز الموازنة وصل في مايو/أيار 2021، إلى 1.42 مليار دينار (513.3 مليون دولار)، مقابل 3.36 مليار دينار (1.21 مليار دولار) في نهاية مايو/أيار 2020.
البيان أشار إلى أن "التراجع في العجز يعود إلى تحسُّن مداخيل ميزانية الدولة بـ13.6% (12.9 مليار دينار، بما يعادل 4.68 مليار دولار)، مقابل تراجع النفقات بـ3.0% في نهاية مايو/أيار 2021″، مؤكداً أن "التحسن المسجل على مستوى مداخيل الميزانية يعود أساساً إلى ارتفاع المداخيل الجبائية (الضرائب) بـ18.3% (12.01 مليار دينار، بما يعادل 4.33 مليار دولار)".
وفق البيان، "تراجعُ النفقات بـ3.0% (14.3 مليار دينار، أي 5.18 مليار دولار)، يعزى إلى تراجع نفقات التصرُّف (التسيير) بـ5.7%، ونفقات التدخل بـ10.3%، مقابل ارتفاع نفقات التأجير بـ6.4% (8.49 مليار دينار، أي 3.06 مليار دولار)".
في حين بلغ حجم الاقتراض الداخلي 3.85 مليار دينار (1.39 مليار دولار) في نهاية مايو/أيار 2021، مقابل 2.53 مليار دينار (914.1 مليون دولار) في مايو/أيار 2020.
أما الاقتراض الخارجي، فأشار البيان إلى أنه "تراجع من 2.37 مليار دينار (857.7 مليون دولار) في نهاية مايو/أيار 2020، إلى 2.04 مليار دينار (738.0 مليون دولار) في مايو/أيار 2021".
"دعم الشركاء الغربيين"
يشار إلى أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قالت قبل أيام، إن قرارات الرئيس التونسي ستُقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، مؤكدةً أن "آفاق الإصلاحات ضعيفة حتى قبل هذه الأزمة".
الوكالة أضافت، في بيان تحليلي لها، أن "تحركات الرئيس الأخيرة قد تضيف مزيداً من التأخير في برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي من شأنه أن يخفف من ضغوط التمويل الكبيرة في البلاد".
فيما تثير تصرفات الرئيس شكوكاً سياسية جديدة، بحسب الوكالة. ومع ذلك، "نعتقد أنه من غير المرجح أن يستخدم سلطاته للدفع من خلال تدابير صعبة لمعالجة ضغوط التمويل، مثل خفض فاتورة أجور القطاع العام الكبيرة (17% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020)".
كانت "فيتش" خفضت تصنيف تونس إلى "B-" مع نظرة مستقبلية سلبية في وقت سابق من الشهر الجاري، بسبب تصاعد مخاطر السيولة المالية والخارجية، في سياق مزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.
في حين تعتقد "فيتش" أن الفشل في الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، مما يؤدي إلى استمرار الاعتماد الشديد على التمويل المحلي، سيزيد الضغوط على السيولة الدولية.
يشار إلى أن الاقتصاد التونسي سجَّل انكماشاً بـ3% في الربع الأول من العام الحالي.
في هذا الإطار، تعاني تونس تحديات اقتصادية أذكتها جائحة كورونا، اعتباراً من العام الماضي، نجم عنها تراجع الإيرادات وارتفاع النفقات.
تأتي التطورات السياسية المتسارعة في البلاد، بينما كانت الحكومة التونسية تخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يرافقه قرض يقدر بـ4 مليارات دولار.
على أثر تلك التطورات الأخيرة، تراجعت السندات الأجنبية، الإثنين؛ فبحسب بيانات "تريد ويب" المتتبِّعة للسندات الدولية السيادية والخاصة، تراجع إصدار السندات المقوَّمة بالدولار الأمريكي استحقاق 2025، بمقدار 2.61 سنت إلى 86.004 سنت للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأول 2021.
يعني ذلك، أن إقدام تونس على طرح أية سندات، في الوقت الحالي، يؤشر على تقديم أسعار فائدة مرتفعة، أعلى من السعر المرجعي؛ نظراً إلى المخاطر السياسية التي تشهدها البلاد.
فيما ارتفعت المخاطر التي تواجهها تونس، بعد التطورات السياسية الأخيرة، لتلقي بتأثيرات سلبية على سندات البلاد، في وقت تذبذب فيه سعر صرف الدينار التونسي ضمن نطاق ضيق نزولاً بنسبة 0.3%.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.