كشف مصدر قضائي تونسي، مساء الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، عن إخلاء سبيل 4 أشخاص من منتسبي حركة النهضة، بعد عرضهم على قاضي التحقيق بتهمة "محاولة القيام بأعمال عنف أمام البرلمان" يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين.
حيث أوضح مصدر بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، أن 4 أفراد من منتسبي "النهضة"، كانوا قد أحيلوا إلى قاضي التحقيق بمحكمة تونس 2 (غربي العاصمة)، الثلاثاء 27 يوليو/تموز، بينهم عضو بمجلس شورى الحركة، وسائق سيارة راشد الغنوشي (رئيس الحركة والبرلمان المجمدة أعماله بقرار من الرئيس التونسي).
المصدر أضاف أن إحالتهم للتحقيق واحتجازهم جاءا بعد تلقي الأمن "شكوى بمحاولة الأفراد الأربعة القيام بأعمال عنف أمام البرلمان، عبر أشخاص آخرين يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين 26 و27 يوليو/تموز الجاري".
فيما أشار المصدر إلى أن قاضي التحقيق أخلى سبيل الأربعة، مساء الجمعة، دون مزيد من التفاصيل.
وحتى الساعة الـ19.40 ت.غ، لم يصدر تعقيب فوري من السلطات التونسية ولا حركة النهضة بخصوص الأمر.
كان حزب النهضة وصف إعلان الرئيس قيس سعيّد، الأحد الماضي، بأنه انقلاب ونفذ اعتصاماً خارج البرلمان في ساعة مبكرة من صباح يوم الإثنين، رشق خلاله أعضاء الحزب وأنصار الرئيس بعضهم بعضاً بالحجارة والزجاجات.
تحقيق ضد "النهضة" و"قلب تونس"
جاء الإعلان عن بدء التحقيق مع أعضاء بحزب النهضة، في الوقت الذي كشف فيه مسؤول قضائي تونسي، الأربعاء 28 يوليو/تموز 2021، أنه تم فتح تحقيق يشمل حزبي "حركة النهضة" و"قلب تونس" بتهمة "تلقي تمويل خارجي" أثناء الحملة الانتخابية لبرلمانيات عام 2019.
فقد قال الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي لـ"الأناضول"، إن قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي (مجمع قضائي مختص بقضايا الفساد الإداري والمالي) فتح تحقيقاً بتهمة "تلقي تمويل خارجي" في 14 يوليو/تموز الجاري.
أضاف أن التحقيق يشمل حزبي "حركة النهضة" (53 نائباً من إجمالي 217 في البرلمان) و"قلب تونس" (28 نائباً) وجمعية "عيش تونسي" (ثقافية ورياضية خاصة/لها نائب واحد بالبرلمان)، مؤكداً أن "العقوبات في مثل هذه الحالات تكون حسب اجتهادات القضاة، وقد تصل إلى منع السفر والتوقيف وتجميد الأموال".
نفي تلقي تمويل خارجي
في المقابل، نفت سابقاً كلٌّ من حركة "النهضة" وحزب "قلب تونس" وجمعية "عيش تونسي"، على لسان مسؤولين فيهما، تهمة تلقي "تمويل خارجي".
بينما تقول "النهضة" إنها تعتمد في تمويلها على مساهمات أعضائها والمنخرطين فيها، اعتبر رئيس كتلة "قلب تونس" البرلمانية، أسامة الخليفي، في تصريحات إعلامية، اتهامات "التمويل الخارجي" الموجهة لحزبه "هجوماً ممنهجاً وخبيثاً" من قِبل مَن وصفهم بـ"جرحى الانتخابات"؛ بهدف إقصاء حزبه وسجن نوابه وقياداته.
أما جمعية "عيش تونسي" فتؤكد أن ألفة التراس، العضو المؤسس للجمعية، والبرلمانية حالياً، هي الممول الوحيد لها.
"أول إجراءات التضييق"
تزامن ذلك مع إجراء قامت به قوات الأمن التونسية، الجمعة، حيث أوقفت النائب عن حركة "أمل وعمل" (مستقلة) ياسين العياري. وقالت سيرين فيتوري، زوجة النائب "العياري"، في تدوينة على فيسبوك: "أخذوا ياسين للتو بكل عنف"، دون مزيد من التفاصيل.
بدوره، قال سيف الدين مخلوف، رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" في تونس (18 نائباً من 217)، في تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك"، إنه تمت حتى الآن "مداهمة منزل النائب راشد الخياري، وتوجيه استدعاء للنائب ماهر زيد، وفتح تحقيق ضد النواب خالد الكريشي، ومبروك كورشيد، وسيف الدين مخلوف، واعتقال النائب ياسين العياري، إضافة إلى منع جميع النواب من السفر".
جاءت خطوة اعتقال "العياري" بعد ساعات من محاولة قيس سعيد طمأنة الجميع داخل البلاد وخارجها بأنه "ملتزم" باحترام الحقوق والحريات، لافتاً إلى أنه "لم يتم اعتقال أي شخص أو حرمان أي شخص من حقوقه، بل يتم تطبيق القانون تطبيقاً كاملاً لا مجال فيه لأي تجاوز لا من السلطة ولا من أي جهة أخرى (لم يسمها)".
حيث قال سعيد، مساء الخميس، في كلمة ألقاها خلال أداء رضا غرسلاوي، في قصر قرطاج بالعاصمة تونس، اليمين الدستورية بتكليفه بتسيير وزارة الداخلية: "ليطمئن الجميع في تونس وخارجها أننا نحتكم للقانون والدستور، وليطمئن الجميع على الحقوق والحريات، وليعلموا أنني حريص عليها"، وفق قوله.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول. بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.