مواجهة جديدة يخوضها حزب العدالة والتنمية، مع وزارة الداخلية المغربية، بعد قيام الأخيرة بالتشطيب على عدد من قيادات الحزب من اللوائح الانتخابية، وصدور أحكام قضائية، تقضي حرمانهم من حقهم في التصويت، والأهم منعهم من الترشح في الانتخابات القادمة بشكل نهائي.
ويقضي القانون المغربي بمنع غير المقيدين في اللوائح الانتخابية من المشاركة في الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً، بالإضافة إلى أن مصالح وزارة الداخلية تفتح في كل شهر ديسمبر/كانون الأول عملية تجديد التسجيل في اللوائح.
عملية التشطيب
في 23 يوليوز/تموز 2021 أعلن عدد من قيادات حزب العدالة والتنمية تعرضهم لما وصفوها بـ"عملية واسعة للتشطيب من اللوائح الانتخابية، واتهموا أطرافاً لم يسموها بالاستهداف".
عملية التشطيب هذه المرة مسَّت قيادات الصف الأول في الحزب، من خلال التشطيب على رئيس جهة الرباط سلا زمور زعير، عبدالصمد السكال، الذي يشغل عضوية الإدارة العامة للحزب، وهي الجهة التي تضم عاصمة الدولة.
كما أن رئيس لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) عبدالعالي حامي الدين، أحد أكثر وجوه الحزب دعوة للديمقراطية والقطيعة مع تجاوز القانون، وجد نفسه خارج اللوائح الانتخابية.
العملية لم تتوقف عند هذين الشخصين، فوفق مصادر الحزب طالت على الأقل عبدالصمد أبوزهير، رئيس فريق مستشاري الحزب بجماعة الرباط، ومستشار وزير الشغل، وكذلك سعاد زخنيني، رئيس مقاطعة حسان في مدينة الرباط.
أول الغاضبين كان رئيس جهة الرباط عبدالصمد السكال، الذي نشر نص الحكم القضائي على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وقال عن عملية التشطيب: "الغريب أنه لم يتم تبليغي بأن هناك قضية مرفوعة ضدي بهدف التشطيب على اسمي من اللوائح الانتخابية حتى أمارس حقي في الدفاع، خصوصاً وأن الأحكام في هذا المجال قطعية ونهائية".
وتابع المتحدث: "الأغرب من ذلك هو أنني عندما كنت أراجع وضعية تسجيلي عبر إرسال رسائل نصية إلى الرقم 2727 ابتداء من تاريخ 11 تموز/يوليو بدأت أتوصل بجواب غريب جداً مفاده أنه تم تسجيلي بجماعة اسمها إيماون (تبعد بأكثر من 400 كيلومتر عن الرباط".
من جهته، علَّق عبدالعالي حامي الدين: "في الوقت الذي كنا نحاول أن نقوم بواجبنا تجاه وطننا ومجتمعنا في الداخل والخارج، كان البعض يتحيَّن الفرصة من أجل التشطيب علينا من اللوائح الانتخابية العامة".
.وتابع في تدوينة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلاً: "مؤسف ما وصلنا إليه من انحدار في هذا البلد.. نحن أمام فضيحة سياسية وأخلاقية وقانونية".
الداخلية في قفص الاتهام
الاتهامات بمحاولة الضبط القبلي لنتائج الانتخابات، وتقليص فرص وحظوظ حزب العدالة والتنمية لتصدر نتائجها، من خلال عمل وزارة الداخلية إلى التشطيب على عشرات الأسماء من قيادات وأعضاء الحزب، دفع الأخيرة إلى الخروج عن صمتها.
وزارة الداخلية المغربية عمَّمت يوم الإثنين 26 يوليوز/تموز 2021 تصريحاً على الصحافة المحلية في المغرب، شددت فيه على أن "عملية المراجعة الاستثنائية الأخيرة، مؤطرة بأحكام قانونية واضحة ومحاطة بكافة الضمانات القضائية".
وأوضحت الداخلية، بخصوص حالة رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، عبدالصمد السكال، أن "اللجنة الإدارية المذكورة لم تقم بأية عملية تشطيب في حقه، بل تم ذلك بناء على حكم قضائي بعد مذكرة طعن أدلى بها أحد الناخبين، طبقاً لأحكام نفس القانون؛ إذ عللت المحكمة الإدارية بالرباط قرارها بكون المعني بالأمر يقطن فعلياً خارج النفوذ الترابي لعمالة الرباط".
هذا الدفع يرده عبدالصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية والمحامي المكلف من قبل الحزب بمتابعة الطعن، إلى أن "المحكمة لم تتأكد من كون المدعي مسجلاً في اللوائح الانتخابية، ولم تطلب منه ما يفيد أنه ناخب أصلاً، وكل ما لدينا هو إطلاقه كلاماً عاماً دون أي دليل أو وثيقة".
وتابع عبدالصمد الإدريسي، في تصريح لـ"عربي بوست": "غير أن المثير للشك والاستغراب أن الوكيل القضائي (محامي الداخلية) الذي من المفروض أن يدافع على قرار اللجنة الإدارية القاضي بكون عبدالصمد السكال مسجلاً، قام بمنح المدعي (المجهول) ما يثبت صحة كلامه من خلال الإدلاء بوثائق بشكل مثير حقاً".
وقال المتحدث: "نحن مندهشون لقيام الوكيل القضائي بتقديم هذه الوثائق غير المطلوبة منه، والقيام بعمل ضد طبيعة المهمة المكلف للقيام بها، وعموماً سنقوم الآن بالتعرض على الغير الخارج على الخصومة لدى محكمة النقض".
من جهة أخرى، كشفت الداخلية في قضية البرلماني عبدالعالي حامي الدين، أن "التشطيب عليه تم من طرف اللجنة الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية بناء على أحكام القانون؛ لأنه لا يقيم بالنفوذ الترابي لعمالة الرباط منذ مدة طويلة".
وفي رده على وزارة الداخلية، أكد عبدالصمد الإدريسي أن "موكله عبدالعالي حامي الدين، توصل برسالة نصية قصيرة (sms) تخبره بأنه مشطب عليه، وهذا خلاف القانون الذي يفرض التبليغ الكتابي، بما يسمح بالطعن في القرار".
وتابع المتحدث أن "المسألة بخلاف ما تقوله الداخلية، فحامي الدين طُعن فيه لأنه انتقل إلى عنوان جديد، بينما التبليغ بالحكم جرى إرساله إلى العنوان القديم، وهذا ما يجعلنا أمام تلاعب".
غضب الحزب
وفق مصادر "عربي بوست"، فإن الأمانة العامة للحزب، عقدت يومي السبت والأحد 24 و25 تموز/يوليو، اجتماعاً، وسط غضب يسود مسؤولي الحزب الكبار، الذين عبر بعضهم عن استهداف مباشر للحزب من خلال الأسماء التي تم التشطيب عليها.
وقد عبر سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة عن هذا الغضب، حين أعلن رفضه للتشطيبات التي مسَّت مجموعة من قيادات وأعضاء الحزب، من خلال عملية فيها تحايل سياسي وخشونة قانونية.
من جهته، أكد عبدالصمد الإدريسي، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن إثارة هذه النقطة في جدول أعمال آخر لقاءات قيادة الحزب، معتبراً أن قرار التشطيب على قيادات الحزب هو قرار سياسي، استُعمل فيه الكثير من الخشونة القانونية المسيئة لأصحابها والتي تُضاف إلى غيرها من الإجراءات الرامية إلى تحجيم الحضور الانتخابي للعدالة والتنمية.
هذه التصريحات القوية لرئيس العدالة والتنمية وعضو أمانته العامة، لم ترض قيادات أخرى في الحزب، التي اعتبرتها قضية سياسية يتابعها الرأي العام الحزبي والخارجي، تتطلب مستوى أعلى من الحزم من قبل قيادة الحزب.
وتابعت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها في تصريح لـ"عربي بوست"، أن قضية التشطيبات تمس صورة البلد، كما تمس كذلك مسألة الإشراف السياسي على الانتخابات، باعتباره تكليفاً ملكياً لرئيس الحكومة.
وزادت المصادر أن "هناك رأياً عاماً داخل الحزب وفي المغرب، يرى في هذه التشطيبات رسائل سيئة تدفع إلى الانسحاب من العملية الانتخابية، مما يعزز الخطاب الرافض للمشاركة السياسية".
ودعت هذه القيادات رئيس الحكومة، إلى البحث عن الآليات المؤسساتية الضرورية لحفظ صورته كمشرف على الانتخابات، وهي الآليات الممكنة في إطار القوانين الانتخابية وفي إطار ما جرى به العمل سابقاً.
وطالبت قيادة الحزب وبقية الأحزاب، وبدعم من رئيس الحكومة، مقترحات لحل هذه الإشكالية السياسية على الجهات المختصة، خاصة أن الإغلاق النهائي للوائح سيتم يوم 30 تموز/يوليو الجاري.