في أول رد فعل خارجي، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري، رفضه الواضح لما وصفه بـ"الانقلابات" على الأجسام المنتخبة وتعطيل المسارات الديمقراطية؛ وذلك في معرض تعليقه على قرارات الرئيس التونسي، قيس سعيد.
حيث قال المشري، في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر": "14 فبراير/شباط 2014 انقلاب حفتر.. 25 يوليو/تموز 2021 انقلاب قيس (سعيد).. ما أشبه الليلة بالبارحة"، مضيفاً: "نرفض الانقلابات على الأجسام المنتخبة وتعطيل المسارات الديمقراطية".
في وقت سابق من يوم الأحد، أعلن الرئيس التونسي أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وأن يتولى النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014 الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان.
"قرارات أخرى"
سعيد قال إنه اتخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، مؤكداً أنه "سيتخذ قرارات أخرى حتى يعود السلم الاجتماعي للبلاد".
في حين أضاف: "لم نكُن نريد اللجوء للتدابير على الرغم من توافر الشروط الدستورية، ولكن في المقابل الكثيرون شيمهم النفاق والغدر والسطو على حقوق الشعب"، متابعاً: "أنبه الكثيرين الذين يفكرون في اللجوء للسلاح.. ومَن يطلق رصاصة ستجابهه القوات المسلحة بالرصاص".
بينما برّر سعيد قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر في أخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة"، ورئيس البرلمان التونسي، الرئيس قيس سعيد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة "النهضة"، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروض" على الدستور والشرعية، منوهاً إلى أنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
"إسقاط المنظومة السياسية"
يشار إلى أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي كانوا قد دعوا مؤخراً إلى التظاهر في العاصمة تونس، مطالبين بإنهاء الأزمة السياسية.
هذه الدعوات ترفع شعارات تطالب بإسقاط المنظومة السياسية الحالية بكاملها، بما في ذلك الحكومة والبرلمان، وتنادي بتشكيل نظام سياسي جديد.
فيما أظهرت مقاطع مصورة، نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعات تقتحم وتحرق مقرات للحركة في مناطق عديدة.
في المقابل، شهدت شوارع العاصمة، منذ السّبت، انتشاراً أمنياً كبيراً مع غلق لكل المنافذ المؤدية إليها ومنع مرور السّيارات إليها.
"عصابات إجرامية"
في المقابل، اتهمت حركة "النهضة" "عصابات إجرامية مدعومة من خارج البلاد ومن داخلها" بالاعتداء على مقرات لها، مؤكدة أن "تلك الاعتداءات لن تزيدها إلا تمسكاً بالمسار الديمقراطي وقيم الجمهورية والشراكة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وأن هذه الأعمال الإرهابية لن تثنيها عن خدمة التونسيين والانحياز إلى مصالحهم".
فيما أكدت، في بيان لها، أن هدف "هذه العصابات الإجرامية" يتمثل في "إشاعة مظاهر الفوضى والتخريب، خدمة لأجندات الإطاحة بالمسار الديمقراطي، وتعبيد الطريق أمام عودة القهر والاستبداد، وما الحملة الإعلامية المسعورة لبعض المواقع الإعلامية الأجنبية والمحلية المحرِّضة على العنف إلا دليلاً قاطعاً على ذلك".
كما أضافت "النهضة"، صاحبة أكبر كتلة برلمانية (53 نائباً من 217): "عمدت اليوم مجموعات فوضوية ساءها الفشل في إقناع الرأي العام بخياراتها الشعبوية وغير الديمقراطية إلى الاعتداء على بعض مقرات الحركة بالبلاد، وترهيب المتواجدين داخلها، وتهديدهم في حياتهم".
جدير بالذكر أنه في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لا سيما خليجية، بقيادة ثورة مضادة لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
أزمات حادة بتونس
جدير بالذكر أن تونس تمر بأزمة سياسية إثر الخلافات بين سعيّد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير في 16 يناير/كانون الثاني الماضي.
رغم تصديق البرلمان على التعديل، فإن سعيّد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبراً أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.
كذلك، رفض الرئيس التونسي المصادقة على قانون تشكيل المحكمة الدستورية، رغم حصوله على تزكية البرلمان لمرتين متتاليتين.
جدير بالذكر أنه منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011، تولى حمادي الجبالي رئاسة الحكومة في (ديسمبر/كانون الأول 2011 – فبراير/شباط 2013)، وعلي العريض في (مارس/آذار 2012- يناير/كانون الثاني 2014) ومهدي جمعة في (يناير/كانون الثاني 2013 – فبراير/شباط 2015).
كما تولى رئاسة الحكومة التونسية الحبيب الصيد في (يناير/كانون الثاني 2015- أغسطس/آب 2016)، ويوسف الشاهد في (أغسطس/آب 2016- فبراير/شباط 2020)، وإلياس الفخفاخ في (فبراير/شباط 2020- يوليو/تموز 2020)، فيما يمارس المشيشي مهام رئاسة الحكومة منذ سبتمبر/أيلول 2020 حتى الآن.
كما شهدت تونس مؤخراً، موجة احتجاجات شعبية بدأت في حي سيدي حسين الشعبي، بسبب "تعنيف" قوات الأمن شاباً تونسياً، لتتوسع إلى حي الانطلاقة وحي التضامن بالضواحي الغربية للعاصمة.
بالإضافة للأزمة السياسية، تواجه تونس موجة وبائية غير مسبوقة عقب تفشي فيروس كورونا، تتسم بانتشار واسع للسلالات المتحورة ألفا ودلتا في معظم الولايات، مع ارتفاع في معدل الإصابات والوفيات، مع تحذيرات من انهيار وشيك للمنظومة الصحية؛ ما استدعى استقبال مساعدات طبية عاجلة من دول عديدة، خلال الأيام الماضية.
فيما بلغ إجمالي الإصابات بكورونا في تونس، حتى السبت، 563 ألفاً و930، منها 18 ألفاً و369 وفاة، و457 ألفاً و579 حالة تعافٍ.