شهدت إثيوبيا انتخابات تشريعية في الحادي والعشرين من حزيران/يونيو 2021؛ وهي الانتخابات السادسة منذ 1995. شارك فيها أكثر من 37 مليون إثيوبي من أصل 109 ملايين لاختيار أعضاء مجلس الشعب الاتحادي في الأقاليم العشرة، تنافس فيها 46 حزباً وأكثر من 9000 مرشح. وأُقيمت الانتخابات في ظل صراع مستمر وأزمة إنسانية مستعرة في منطقة تيغراي، شمال البلاد، وانتقادات دولية لحكومة آبي أحمد. كما جاءت نتيجة الانتخابات متوافقة مع التوقعات بعد أن جرى اعتقال أبرز زعماء الأحزاب المعارضة.
نتيجة الانتخابات الإثيوبية
قالت لجنة الانتخابات الإثيوبية إن حزب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حزب الازدهار (Prosperity Party) فاز في الانتخابات الإثيوبية، بأغلبية ساحقة. وينظر كثيرون إلى آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، كرجل مفعم بالثقة. وهنالك روايات متداولة تقول إن صعوده إلى السلطة كان مقدراً. قال السيد آبي لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2018، إن والدته همست في أذنه حين كان في السابعة من عمره، بأنه "فريد" وتوقعت أنه "سينتهي به المطاف في القصر". قال مستشار سابق إن إيماناً مسيحياً قوياً يوجه السيد آبي أيضاً، إنه مسيحي خمسيني، وهو إيمان ازداد شعبيته في إثيوبيا، وهو من أشد المؤمنين بـ"إنجيل الرخاء" -وهو لاهوت يعتبر النجاح المادي مكافأة من الله- وأضاف المستشار أنه ليس من قبيل المصادفة أن يسمى الحزب الذي أسسه السيد آبي أحمد عام 2019 حزب الرخاء.
أوضحت النتائج فوز تحالف حزب الازدهار بـ 410 مقاعد من أصل 436 مقعداً في غرفة البرلمان الذي يضم 547 مقعداً، ستكون جولة ثانية من التصويت لإتمام المقاعد المتبقية البالغ عددها 111 مقعداً في 6 أيلول/سبتمبر المقبل. ولكن تمكن حزب آبي أحمد الفوز أبرز الدوائر الانتخابية منها في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، التي كان يُتوقع أن يُواجه فيها تنافساً قوياً من المعارضة، حيث حصل حزبه على 22 مقعداً، في حين، تمكن مرشح مستقل من مقعد واحد. وفي منطقة عفر فاز حزبه بستة مقاعد من بين الثمانية. وفي منطقة الأمهرية حصل حزب آبي أحمد على 114 مقعداً مقابل فوز الحركة الوطنية الأمهرية بـ5 مقاعد في 128 دائرة انتخابية. في منطقة بنشنغول Benshangul، حصل حزب آبي أحمد على 3 مقاعد. في منطقة جامبيلا التي لديها 8 مقعداً في مجلس الاتحادي، فاز حزب الازدهار بـ3. كما حصل حزب الازدهار على 167 مقعداً، بينما حصل المرشحون المستقلون على 3 مقاعد في الانتخابات التي أجريت في 170 دائرة انتخابية في منطقة أورومية. وأخيراً، نال حزب الازدهار بجميع المقاعد الـ19 التي جرى التصويت عليها في منطقة سيداما. كما فاز حزبه بـ 75 مقعداً، في حين حصل حزب المواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية على 4 ومنظمة غيدو حصلت على مقعدين.
السياق الذي أجريت فيه الانتخابات التشريعية الإثيوبية
وفي حين أن لجنة الانتخابات الإثيوبية ملزمة قانوناً بالإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات لجميع الدوائر الانتخابية في غضون عشرة أيام بعد انتهاء الاقتراع، فإن هذا لم يحدث، بسبب تأخر عملية العد على مستويات الدوائر وبُعد بعض الدوائر ما أعاق تسليم النتائج إلى اللجنة. كما واجهت الانتخابات عقبات عدة، منها تأخر الانتخابات في منطقة سيداما بعد وصول أقل من نصف أوراق الاقتراع. وعُلق التصويت في مناطق من أقاليم الصومالية والهرر بمشاكل متعلقة بتزوير الأوراق والخلافات.
واشتكت أحزاب المعارضة من تعرض وكلائها للضرب ومصادرة شاراتهم، وقال زعيم المعارضة برهانو نيغا إن حزبه "المواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية" قدم 207 شكاوى بعد أن قام مسؤولون محليون وميليشيات بمنع مراقبين من حزبه. كما لم يجر التصويت بشكل سلس في بعض مناطق منطقة بني شنقول-جوموز المتاخمة للسودان، موطن سد النهضة الإثيوبي الكبير، فضلاً عن شكوى معظم الأحزاب الإقليمية المعارضة من الحملة الحكومية ضد مسؤوليها والتي في نظرهم، أعاقت خططهم للتحضير للانتخابات. واعترف المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا (NEBE) بأنه نظم الانتخابات في ظروف مستحيلة، كما جرت الانتخابات في بداية موسم الأمطار، فضلاً عن الجيش الإثيوبي الذي كان مسؤولاً عن تسليم الأوراق الانتخابية، وهو أمر جعله المجتمع الدولي يشكك في نزاهة الانتخابات.
في الجانب الآخر، لم تجر الانتخابات في إقليم تيغراي، ولم يُحدد لها موعد آخر كما في الأقاليم الأخرى، بل اتخذت الحرب الأهلية هناك منعطفاً غير متوقع في 28 يونيو، بعد ثمانية أشهر من أمر رئيس الوزراء آبي أحمد بتدخل عسكري فيدرالي لعزل الحزب الحاكم لتيغراي من السلطة وسحق القوات الحامية للإقليم، واضطرت القوات الفيدرالية أن تتخلى عن كل الأراضي التي استولت عليها تقريباً، حيث غادر آلاف الجنود من ميكيلي، العاصمة الإقليمية لتيغراي، إلى جانب المسؤولين الإداريين الذين عينتهم أديس أبابا ليحلوا محل القيادة المخلوعة. واعتبر كثيرون الانسحاب بمثابة انتصار كبير لقوات دفاع تيغراي في تمردها ضد القوات الفيدرالية والقوات الإقليمية المتحالفة في إريتريا وأمهرة. حاولت أديس أبابا تغطية الانسحاب بإعلان وقف إطلاق النار، وهو ما رفضه زعماء منطقة تغراي. وهذا تطور مزلزل لكثيرين في أسوأ أزمة أمنية في إثيوبيا منذ عقود. لكن يرى الخبراء أنه لا يبدو أن رحيل القوات سيجلب الإغاثة السريعة للسكان الذين هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة.
النتائج وما بعدها
بخلاف البعثة الإفريقية بقيادة الرئيس النيجيري السابق أولوسينجو أوباسانجو التي أشرفت على الانتخابات، انتقد المراقبون الدوليون العملية الانتخابية، إذ أفاد مراقبون أمريكيون من المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي بوجود صعوبات كبيرة، بما في ذلك انعدام الأمن على نطاق واسع، والمقاطعات من قبل العديد من الأحزاب الشعبية، والتأخير في إجراءات تسجيل المرشحين والناخبين. ولم يرسل الاتحاد الأوروبي مراقبين، قائلاً إن الحكومة لم تستوفِ الشروط اللازمة لضمان استقلالية البعثة، وقال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكية، في بيان إن الانتخابية الإثيوبية لم تكن حرة وعادلة لجميع الإثيوبيين.
ويرى الخبراء المعنيون بالشأن الإثيوبي أنه مهما كانت نتائج الانتخابات، يجب على الحكومة الفيدرالية المقبلة السعي إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية في التغراي التي يبدو أنها لا يمكن الانتصار فيها والصراعات في أوروميا وأماكن أخرى. وما لم تتمكن حكومة أبي من التعامل مع العديد من الأزمات المحلية التي تواجهها، فإنها ستأخذ منحى آخر في مواجهاتها المتزايدة مع مصر والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، ومع السودان بسبب الأراضي الحدودية المتنازع عليها، ومع شركاء دوليين حول تعاملها مع الحرب في منطقة تيغراي، ويجب على رئيس الوزراء الإثيوبي استغلال ولايته الجديدة كفرصة لإحداث إيجابي يتشارك فيها الأطراف الإثيوبية جميعا. إذا لم يحدث ذلك، فقد تعاني البلاد من عنف سياسي متزايد وقد تواجه الحكومة وزعيمها عزلة دولية متزايدة في أقصى الحدود. ومع ذلك هناك إجماع بين الأطراف المتنافسة على شرعية نتائج الانتخابات.
الخاتمة
حمل مجيء آبي أحمد إلى السلطة في عام 2018 آمالاً للشعب الإثيوبي ومستقبلاً أكثر أمناً وانسجاماً وتلاحماً للقوميات الإثيوبية، غير أنه بعد الخلافات التي اندلعت بينه وبين جبهة تيغراي، والحرب الأهلية والكارثة الإنسانية التي حدثت في الإقليم، كل هذه العوامل وغيرها جعلته يبدو كأنه الملك السابع الإثيوبي الذي لا يختلف كثيراً عن سابقيه. ومع ذلك، رغم الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها هذه الانتخابات من قوى دولية مختلفة، باعتبار أنها كان من المفترض أن تأتي تتويجاً لحل سياسي، وضمن الظروف الكفيلة بإجرائها في بيئة حرة ونزيهة، وبحيث يشارك فيها جميع الإثيوبيين الذين يملكون حق الاقتراع، داخل إثيوبيا وخارجها، فإنها اعتبرت في حسب المراقبين أكثر تنافسية مقارنة بالانتخابات الماضية، حيث شارك فيها عدد من الأحزاب المعارضة، خاصة في العاصمة الإثيوبية. وبالرغم أيضاً من تمكن آبي أحمد من خلال الأغلبية البرلمانية الكبيرة التي حصل عليها من تثبيت أركان حكمه، وإنفاذ سياساته الخاصة، فإن نتائج الانتخابات تضعه مرة أخرى في أزمات إقليمية وداخلية معقدة يمكن أن تزعزع ليس حكمه فحسب، بل إثيوبيا بأكملها.
المراجع
Ahmed, Soliman. "Imperfect Elections Do Not Fortify Ethiopia's Transition." Chatham House – International Affairs Think Tank, June 17, 2021. https://bit.ly/3AQbm0a.
Antony J. Blinken. "Building a Stronger Democracy in Ethiopia." United States Department of State, June 25, 2021. https://bit.ly/3wxEkPa.
Brook, Abdu. "Election Results Incline towards PP | The Reporter Ethiopia English." The Reporter Ethiopia, July 3, 2021. https://bit.ly/3hTcQOo.
Crisis Group. "As Ethiopian Troops Exit Tigray, Time to Focus on Relief." Crisis Group, July 9, 2021. https://bit.ly/36xfjcm.
Dahir, Abdi Latif, and Simon Marks. "Tigray Rebels in Ethiopia Celebrate a Victory." The New York Times, June 29, 2021, sec. World. https://nyti.ms/3k9KTow.
Davison, William. "Ethiopia Votes, But Balloting Will Not Ease the Country's Deep Crisis." Crisis Group, June 17, 2021. https://bit.ly/3xzTgxB.
Fana Broadcasting Corporate. "AU-Election Observation Mission Monitoring Election Process in Addis Ababa." Welcome to Fana Broadcasting Corporate S.C, June 21, 2021. https://bit.ly/2UzWpyF.
———. "Electoral Board of Ethiopia Is Announcing Final Results of 6th General Elections." Welcome to Fana Broadcasting Corporate S.C, July 10, 2021. https://bit.ly/3AM6FEy.
Hassen, Ahmed. "Ethiopia's Choice: Dialogue or Disintegration?" Ethiopia Insight, June 29, 2021. https://bit.ly/3hYUzPN.
Mersie, Ayenat. "Ethiopians Vote as Opposition Alleges Some Irregularities." Reuters, June 20, 2021, sec. Africa. https://reut.rs/3yMKfRN.
VOA. "Dadweynaha Itoobiya oo u dareeray doorashadii ugu horreysay oo 'xor' ah." VOA, June 21, 2021. https://bit.ly/2U1nESP.
Walsh, Declan. "From Nobel Hero to Driver of War, Ethiopia's Leader Faces Voters." The New York Times, June 21, 2021, sec. World. https://nyti.ms/36ui51R.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.