تستثمر أغلب الدول في مؤسساتها الاستخباراتية بشكل كبير، فمنذ القدم تعتبر الجاسوسية من أهم الأساليب المستخدمة للحصول على المعلومات حول الأعداء، للفوز في المعارك وتجنب الضربات المباغتة، ولوضع استراتيجيات مضادة قوية، ولكن ماذا عن التجسس بين الأصدقاء والحلفاء؟
تعتبر ظاهرة تجسس البلدان على أصدقائها لتعزيز مصالحها الوطنية ليست جديدة، ففي العقدين الماضيين استيقظ الأمريكيون والأوروبيون على أنشطة التجسس الاقتصادي التي يقوم بها أصدقاؤهم، وواقع العلاقات الدولية يفرض على الأصدقاء والأعداء على حد سواء الانخراط في أنشطة استخباراتية من أجل حماية المصالح وتعظيم المكاسب؛ حيث يمكن لدولتين تربطهما علاقات جيدة أن تتطفل كل منهما على الأخرى، وكمثال بسيط فإن إحدى مهام البعثات الأجنبية هي إبقاء حكومة الوطن "على اطلاع" على ما يجري في الدولة المستقبِلة.
وتستند أفعال التجسس على الأصدقاء إلى قول مأثور شائع في العلاقات الدولية: "لا يمكن أن يكون هناك أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن هناك مصالح دائمة فقط".
ويعتبر مسار التجسس "الإسرائيلي" على الدولة الأمريكية ومرافقها الرسمية وغير الرسمية طويلاً، فتصدرت "إسرائيل" قائمة "الدول" النشطة في التجسس على الولايات المتحدة خلف روسيا والصين، بحسب تقارير المسؤولين الأمنيين، كما وثقت نشرة النخب السياسية "بوليتيكو" ذلك بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2019، ونالت "إسرائيل" مرتبة "الاستخبارات الأجنبية المعادية" للولايات المتحدة، بموجب وثيقة استخباراتية سرّية كُشف عنها في العام 2013.
وفي 2008، أكد مدير قسم الموارد العالمية لمكافحة التجسس لدى "وكالة الأمن القومي" في مذكرة سرّية، الخطرَ المتمثل في "إسرائيل"، بصفتها أول مصدر تهديد للأمن القومي الأمريكي، قائلاً: "أحد أكبر التهديدات التي تواجهها وكالة الأمن القومي مصدره وكالات استخباراتية صديقة، مثل إسرائيل".
بول بيلار ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق قال في أحد الحوارات الصحفية لمجلة نيوزويك إن الصهاينة أرسلوا الجواسيس لأمريكا، حتى قبل قيام دولة إسرائيل، لجمع المال والدعاية لقضيتهم، كما أن المكونات الرئيسية لقنابلهم النووية حصلوا عليها من أمريكا. وأضاف: "لقد كانوا عدوانيين في كل أوجه علاقتهم بأمريكا، فلماذا ستكون استخباراتهم مختلفة؟".
ولكن هذه العدوانية لم تختفِ، خاصةً من ناحية الاستخبارات والجاسوسية، إذ يعتبر جوناثان بولارد من أشهر الجواسيس في الولايات المتحدة، حيث أمضى بولارد 30 عاماً بالسجون الأمريكية، بتهمة التجسس على الولايات المتحدة، واستغلال منصبه كمحلل استخبارات مدني في القوات البحرية الأمريكية، لتسريب معلومات لصالح إسرائيل.
وولف بلتزر، مراسل صحيفة جيروزاليم بوست، قال إن هذا الموظف بالبحرية الأمريكية قدم كنزاً من المعلومات الاستخباراتية لإسرائيل، بما في ذلك تقارير استطلاع عن مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وأخرى بالعراق، وتقارير عن القدرات الإنتاجية السورية للسلاح الكيماوي، وشحنات السلاح الروسية إلى سوريا وغيرها من الدول العربية.
ويحاول الاحتلال الإسرائيلي سرقة الأسرار حتى من الولايات المتحدة، التي تعتبر الحامية الرئيسية له، وهذا منذ بداية احتلالهم لفلسطين في عام 1948، وحتى قبل ذلك، ولا تقتصر عمليات التجسس الإسرائيلية على الولايات المتحدة على الوثائق الدبلوماسية والسياسية فحسب، بل تمتد إلى التكنولوجيا الصناعية والعسكرية.
أهداف الكيان الصهيوني من الجاسوسية
قال مسؤول أمريكي استخباراتي سابق إن "الإسرائيليين عدوانيون للغاية" في عمليات جمع المعلومات الاستخبارية، كلهم يدورون حول حماية أمن دولة إسرائيل، ويفعلون كل ما يشعرون أنه يتعين عليهم تحقيقه لتحقيق هذا الهدف. ويصرح بعض المسؤولين الأمريكيين أن الهدف الأساسي لـ"إسرائيل": أسرار أمريكا الصناعية والتقنية؛ لأن الواقع يُثبت دائماً أن الاحتلال مهزوز وغير ثابت، ويبني كل علاقاته مع مختلف الدول والحلفاء على أساس الشك وغياب الثقة، ما يجعل تصرفاته عدوانية؛ فهذا الكيان يشعر بعدم الاستقرار والتهديد الدائم بالزوال والضرر؛ لذا يعتبر مبدأ ميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" هو المحرك الأساسي لسياساته.
المصادر
منذر سليمان/ أمريكا تتجسَّس على حلفائها وإسرائيل تتجسس عليها/ الميادين نت
عين إسرائيل على واشنطن.. الجاسوس بولارد حر بمغادرة أمريكا بعد سجنه 30 عاماً/ الجزيرة
التاريخ يكذب ترامب ونتنياهو: "إسرائيل تتجسس على أمريكا حتى قبل قيامها"/ bbc news arabic /
ste phane Lefevbre / Spying on Friends?: The Franklin Case, AIPAC, and Israel / International Journal of Intelligence / VOLUME 19, NUMBER 4
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.