خسائر بالمليارات ومساعدات الدولة للشركات الكبيرة.. السياحة الدينية في مصر تتهاوى بعد إلغاء موسم الحج

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/23 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/23 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش

حالة من الإحباط واليأس رصدتها "عربي بوست" بين العاملين في مجال السياحة الدينية (العمرة والحج) سواء كانت شركات كبيرة تتحصل على ملايين الجنيهات تحت مسمى "الحج السياحي" أو "الحج السريع" أو شركات صغيرة منظمة لرحلات الحج الاقتصادي أو حج الجمعيات التابع لجهات وزارية، عقب قرار وزارة الحج والعمرة السعودية قصر إتاحة أداء مناسك الحج للمواطنين والمقيمين داخل المملكة العربية السعودية فقط بإجمالي 60 ألف حاج، ووفق اشتراطات وإجراءات احترازية وتنظيمية خاصة ومعقدة بسبب تطورات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وظهور تحورات جديدة له.

المشكلة أن معظم هذه الشركات تعتمد في 75% من دخلها ‏على رحلات العُمرة والحج خلال العقد الأخير، ‏في ظل توقف السياحة الخارجية، وعدم امتلاكها أصولاً غير المقار التي تمارس من خلالها نشاطها، فضلاً عن أنها تعثرت بسبب الاضطراب السياسي الذي ساد البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني وعجزت عن تحقيق فوائض مالية تساندها في ظل تقلبات السوق بسبب جائحة كورونا.

"انتهى موسم الحج وترك خلفه حطام شركات السياحة الدينية.. بيوت اتخربت وحال واقف".. هكذا لخص محمد سالم، صاحب إحدى الشركات السياحية بمساكن شيراتون شرقي القاهرة، حال شركات السياحة المصرية لا سيما العاملة في مجال السياحة الدينية؛ نظراً لعدم تنظيمها لأية رحلات عمرة أو حج منذ فبراير/شباط 2020، مشيراً إلى أن معظم الشركات تعتمد على الـ OUtbound "السياحة الخارجية" والتي يمثل فيها قطاع السياحة الدينية أكثر من 90%.

يضيف صاحب الشركة: "توقعنا أن تتيح السلطات السعودية أداء مشاعر الحج ولو بأعداد رمزية؛ مما يساعد على تحريك أوصال الشركات خاصة الصغيرة لكن الإلغاء وضع القطاع السياحي الديني بأكمله على المنحدر الخطر وأصابه بالشلل التام".

يشرح في حديثه لـ"عربي بوست" أن الشركات السياحية يتم تقسيمها إلى الفئات أ، ب، ج، وشركته تندرج تحت التصنيف "ب" وكانت له حصة ثابتة من الحجاج عددها 50 حاجاً، ويصل مكسبه إلى عشرة آلاف جنيه من الفرد الواحد؛ أي أن مكسبه السنوي من موسم الحج فقط 500 ألف جنيه، وهو مبلغ كافٍ لتغطية الالتزامات المادية طوال العام من ضرائب ومرتبات وتأمينات وفواتير المرافق وأعمال الإحلال والتجديد، وغيرها، موضحاً أنه في حال اتخذ قراراً بالتنازل عن حصته من الحجاج لشركة سياحة أخرى تتولى هي إجراءات الرحلة مقابل حصوله على نصف المكسب؛ أي خمسة آلاف جنيه عن الفرد الواحد.

يصف صاحب الشركة موقف غرفة السياحة تجاه بعض الشركات المتعثرة بـ"المخزي"، بعدما رفضت الطلبات التي تقدمت بها لصرف إعانات عاجلة للشركات من أموال الغرفة التي هي في الأساس أموال الشركات، شارحاً أنه في بداية الأزمة التزمت نسبة كبيرة من الشركات بدفع كامل رواتب العاملين، لكن مع استمرار الوضع قام البعض بتخفيض الرواتب بنسبة 40%، بينما لجأت بعض الشركات لإغلاق فروع لها بالمحافظات وآخرون اتجهوا للإغلاق المؤقت وتسريح العمالة.

يوجد أكثر من 2500 شركة سياحية تقدمت باستغاثة لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولى وجميع الجهات الحكومية المعنية في 19 من يونيو/حزيران الماضي لإنقاذها من إعلان إفلاسها رسمياً في ظل عدم توافر أي سيولة مالية لدى هذه الشركات للوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها فضلاً عن تحملها أعباء عديدة من المديونيات.

وقد احتلت مصر المرتبة الأولى في عدد الحجاج العرب في موسم عام 2019 حيث بلغ أكثر من 86 ألف حاج مصري فيما تظل مصر الأولى عربياً أيضاً في عدد المعتمرين على مدار العام. 

تقدر غرفة شركات السياحة- التابعة للاتحاد المصري للغرف السياحية- خسائر الشركات منذ بدء جائحة كورونا وحتى الآن بمليارين ونصف المليار جنيه، جراء عدم تنظيم أي رحلات حج وعمرة؛ ما دفع الكثير من الشركات إلى غلق أبوابها بسبب عدم قدرتها على دفع الرواتب.

ويشير ناصر ترك، عضو اللجنة العليا للحج والعمرة ونائب رئيس غرفة شركات السياحة، إلى أن قرار المملكة العربية السعودية لم يكن متوقعاً، مؤكداً أن شركات السياحة تعاني منذ عام ونصف العام، فهناك توقف تام للشركات العاملة في الحج والعمرة.

تخوفات من استمرار قرار الحظر السعودي

على الجانب المقابل، رحب الخبير السياحي أشرف شيحة، رئيس مجموعة الهانوف للسياحة وعضو اللجنة العليا للحج والعمرة بغرفة شركات السياحة، بالقرار السعودي لأن صحة الإنسان أهم، واصفاً القرار بأنه "أخلاقي من الدرجة الأولى"، إلا أنه في ذات الوقت اعترف بأنه "صعب وخسائره كبيرة".

يرجع مصدر بوزارة السياحة تماسك الشركات الكبيرة والتي لها اسمها في السوق ورصيد كبير من الشهرة وعلى رأسها شركات الحج الفاخر، مثل شركة "الهانوف للسياحة" المملوكة لرجل الأعمال أشرف شيحة، وشركة "أجيليكا" في الإسكندرية، وشركة "غولدن تورز" و"روكا" للسياحة في ظل الأزمات التي تلاحق القطاع السياحي، إلى الأرباح الكبيرة التي حققتها في السنوات الماضية؛ إذ تعتمد بشكل كبير على الحج الفاخر بحيث تصل تكلفة الفرد الواحد بين 360 و430 ألف جنيه بحسب ما تعلنه تلك الشركات للراغبين في أداء فريضة الحج.

يشير سمير الشيخ، أحد وكلاء إحدى شركات السياحة المصرية الكبيرة والمصنفة تحت الفئة (أ) في محافظة الدقهلية، إلى أن الخسائر طالت جميع الشركات، لكن الفارق أن الشركات الكبرى وعددها قليل موقفها المالي جيد واستفادت من المبادرات التي أطلقتها الحكومة، فضلاً عن أن أرصدتها لدى البنوك كبيرة، بينما الشركات السياحية الصغيرة وهي الأكبر عدداً ليس لديها فوائض مالية أو أصول ورفضت بعض البنوك إقراضها تنفيذاً للمبادرات التي طرحها البنك المركزى لمساعدة المنشآت السياحية والفندقية لإجراء عمليات الصيانة والتطوير وأيضاً لدفع رواتب العاملين بسبب عدم استيفاء الاشتراطات والأوراق المطلوبة.

وكشف الوكيل عن أن هناك شركات تعثرت في دفع المستحقات الخاصة بها لدى عدد من الجهات الحكومية لفترات طويلة؛ ما أدى إلى صدور قرارات ضدها تنوعت بين الغلق والحجز الإداري بحقها لصالح بعض الجهات كمصلحة الضرائب.

مؤكداً عدم تلقي شركات كثيرة للدعم من أي جهة لمساعدتها على الاستمرار في العمل باستثناء الإعانات الاستثنائية التي تحصل عليها العاملون بالشركات من صندوق الطوارئ التابع لوزارة القوى العاملة، قائلا بسخرية: إحدى الشركات وصل إليها دعم من وزارة التضامن الاجتماعي، ‏لعدد 27 موظفاً بلغ 1800 جنيه فقط (66 جنيهاً لكل موظف).

ويختتم الوكيل حديثه معرباً عن تخوفه من "استمرار قرار الحظر السعودي" حيث إن الشركات العاملة بالقطاع السياحى يربو عددها على 2500 شركة، متوسط عدد العاملين في كل منها يتراوح بين 25 و50 موظفاً.

إلغاء الحج لا يعود بالخسارة على مصر بشكل مباشر 

عضو بغرفة شركات السياحة- رفض ذكر اسمه- قال لـ"عربي بوست" إن الأزمة تكاد تقضي على أصول الشركات التي تتهاوى تحت ضغوط المديونيات المتراكمة والتزاماتها تجاه العاملين فيها، مشيراً إلى أن صندوق دعم رواتب العاملين، الذى يوفر 5% من الراتب التأميني، لا يجدي نفعاً مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

الجدير بالذكر أن العضو يشعر أن الحكومة المصرية لا تعبأ بإلغاء موسم الحج، مرجعاً ذلك لأنه لا يعود على الدولة بخسائر مباشرة، حيث إن سياحة الحج هي سياحة طاردة يدفع لها المصريون لتذهب الأموال إلى الدولة المضيفة إنما الخسائر الحقيقة تقع على شركات السياحة التي انقطع عنها جزء مهم جداً من مكاسبها السنوية والتي تستطيع به الإيفاء بالتزاماتها.

ويوضح أن مبادرات البنك المركزي بدعم القطاع السياحي وتوفير الإقراض اللازم غير مفعل على أرض الواقع لما يصاحبها من رؤية ضبابية، شارحاً أن الشركات تعاني من البيروقراطية والروتين داخل البنوك بالإضافة إلى الإجراءات البنكية المعقدة؛ الأمر الذي أفرغ المبادرة من مضمونها، وتطالب البنوك المصرية الشركات المقدمة على القرض بأوراق توضح المركز المالي للشركة، وهي تعلم جيداً أن تصنيف أغلب شركات السياحة "سيئ جداً" بسبب الخسائر المتتالية التي تعرضت لها.

تواصلت "عربي بوست" مع أيمن سيد وهو خبير تسويق  بإحدى شركات السياحة الدينية بميدان التحرير، والذي أبدى حنقه قائلاً إن صاحب الشركة اتصل به بعد قرار وزارة الحج السعودي وأبلغه أنه في إجازة مفتوحة لحين عودة النشاط مرة أخرى هو وعشرة من أصدقائه كانوا يعملون معه وجميعهم في ظروف صعبة بسبب التزاماتهم الكثيرة تجاه أسرهم وضيق الحال.

لا يلوم خبير التسويق على صاحب الشركة؛ لأنه كما يقول "ليس بيده حيلة" وتحمل الكثير من الخسائر منذ بداية انتشار فيروس "كورونا"، وموجته الأولى، إلا أنه مع اشتداد الموجة الثانية، وعدم وضوح الرؤية مرة أخرى لعودة السفر إلى السعودية، قرر الاستغناء عن كل الموظفين، خاصة أننا لا نعمل شيئاً غير الجلوس على المكاتب ولم يقبل استمرارهم بدون دفع رواتبهم كيفما اقترحوا عليه وقال لهم إن استئناف نشاط الشركة يرتبط بالقرارات التي تتخذها السعودية في المستقبل.

ما زاد الطين بلة كما يقول خبير التسويق هو تصديق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يونيو/حزيران الماضي على قانون "إنشاء البوابة المصرية للعمرة" رقم 72 لسنة 2021، والذي يهدف إلى تحديد سقف لأعداد المعتمرين سنوياً، للرقابة على الشركات المنظمة للعمرة، والقضاء على ظاهرة السمسرة.

ويشير إلى أن مشكلة القانون هي تزامنه مع انهيار منظومة السياحة المصرية جراء أزمة تفشي وباء كورونا، وتشريد أعداد كبيرة من العاملين في المجال، وهو ما يهدد بخروج أكثر من 70% من الشركات من سوق الحج والعمرة ويسمح فقط للشركات ذات الملاءة المالية الكبيرة بتنظيم تلك الرحلات.

ويوضح أن القانون يلزم الشركات السياحية بسداد تأمين مؤقت عن رحلات العمرة التي تنظمها، والذي يصدر بتحديد قيمته وقواعد حسابه واسترداده قرار من الوزير المختص، ومنح الأخير سلطة إيقاف نشاط الشركة السياحية كلياً أو جزئياً عن ممارسة نشاط العمرة لمدة لا تتجاوز سنة، في حالة مخالفة القواعد والإجراءات الواردة في التشريع.

ويصدر وزير السياحة قراراً بتحديد فئات الرسوم المقررة على الشركات السياحية، بما لا يجاوز 5 آلاف جنيه مقابل رسم اعتماد أو تصديق عقود الشركات السياحية إلكترونياً مع الوكلاء السعوديين على البوابة، وألف جنيه مقابل رسم إصدار اسم مستخدم وكلمة مرور للبوابة، وألف جنيه مقابل رسم استخراج شهادة خاصة ببيانات الشركة السياحية على البوابة.

ويعاقب بغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد على مليوني جنيه، من نفذ رحلات أداء مناسك العمرة بالمخالفة لأحكام القانون، ومضاعفة الحدين الأدنى والأقصى للغرامة في حالة العودة، كما يعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على 3 ملايين جنيه، كل من نفذ رحلات العمرة من الشركات غير المُرخص لها، وفي حالة العودة، يضاعف الحدان الأدنى والأقصى للغرامة. ويُعاقب بالحبس كل من زور بنفسه أو بواسطة غيره الكود التعريفي المنصوص عليه في القانون.

 تخفيض رواتب وتغيير النشاط وتسريح الكوادر

رصدت "عربي بوست" بعد المرور على بعض الشركات السياحيّة المنتشرة بوسط المدينة والتحدث مع الموظفين أن خسائر شركات السياحة جراء جائحة كورونا لم تكن مالية فقط، بل امتدت إلى هجرة بعض من العاملين بالقطاع وبحثهم عن وظائف أخرى.

يقول محمد السيد، صاحب إحدى شركات السياحة بوسط العاصمة المصرية، إنه يعمل في مجال السياحة الدينية منذ عشرين عاماً، لكن شركته لم يكن لديها أصول ثابتة مثل الفنادق والمطاعم لتتمكن من الحصول على قروض، ومع ذلك استطاع الإيفاء بالتزاماته لكن قرار السعودية إلغاء موسم الحج للعام الثاني جعله يتخذ القرار بتحويل نشاط شركته إلى نشاط بعيد عنه وهو التجهيز والإشراف على المؤتمرات لوقف نزيف الخسائر الذي تعرض له.

يؤكد صاحب الشركة أن عدم تغاضي البنوك عن تقديرها المراكز المالية للشركات ورفضها القروض المطلوبة بتسهيلات أكبر لدعم قدرة الشركات السياحية على البقاء في السوق أجبر الشركات على تغيير النشاط ومنها شركته وبعضها اضطرت إلى تسريح كوادرها المدربة، التي تكلف إعدادها مليارات وإكسابها الخبرة في سنوات طويلة وتعتبر أهم أدوات الشركات وأصولها الاستثمارية الأساسية لبقائها.

ويضيف أن هناك شركات خفضت من رواتب موظفيها؛ مما جعل الكوادر المدربة أمام خيارين؛ إما رواتب هزيلة أو البحث عن مجال آخر للعمل لتدبير نفقاتها والتزاماتها الرئيسية، وهو أمر خطير يجعل عودتهم إلى المجال السياحى مجدداً أمراً في غاية الصعوبة.

ويحذر من أن القطاع سيشهد المزيد من التراجع والانكماش إن لم تطرح الحكومة بدائل مدروسة بعناية قابلة للتنفيذ تستطيع بها لملمة ما تبقى من الشركات التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، موضحاً أن المبادرات التي أعلنتها الدولة وتشمل بعض الإعفاءات في سداد رسوم المرافق أو دعم رواتب العاملين بقيمة 5% والإنشاءات بقيمة 8% من تكلفتها، ليست كافية لصمود الشركات في وجه الأزمة الكبيرة الناجمة عن توقف نشاطها كلياً، وحتى الشركات التي اتجهت للسياحة الداخلية لا تستطيع البقاء، وفشلت في الترويج لنفسها؛ لأن المواطن الذي يسعى للسفر داخلياً لا يلجأ إلى شركة سياحية، ويفضل الاعتماد على نفسه أو على وسيلة نقل غير رسمية توفيراً للنفقات.

تحميل المزيد