للتضحية أو العقاب.. التاريخ المرعب لممارسة التحويط أو دفن الناس أحياء

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/17 الساعة 16:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/17 الساعة 16:12 بتوقيت غرينتش
ليس من الواضح تماماً ما إذا كان استخدام التحويط أو الدفن أحياءً في حالات التضحية البشرية قد حدث برغبة الضحايا أم ضدها/ Istock

التحويط هو ممارسة يُحصَر فيها الشخص في مكان مغلق بدون مخارج حتى يموت ببطء إما من الجفاف أو الجوع. وفي الحالات التي يُدفَن فيها الشخص حياً، قد يكون الاختناق سبباً للوفاة بدلاً من ذلك.

تكتسب الكلمة معناها من الترجمة اللاتينية "داخل الجدار"، وبالتالي هدفها حصر الإنسان في مكان كي يموت بطيئاً بسبب الاختناق أو الجفاف أو الجوع.

ويعد تاريخ هذه الممارسة نقطة سوداء في تاريخ البشرية مع وجود أدلة على تطبيق هذه الممارسة في كل قارة تقريباً.

ورغم أنه طُبق غالباً كعقوبة إعدام، إلا أنه مورس كنوع من التضحية البشرية، أو لأغراض التَنسُّك. 

ويمكن العثور على أمثلة عن هذه الممارسة في ثقافات مختلفة في أنحاء العالم وعبر الزمن.

ممارسة التحويط عبر العصور 

روما القديمة

في روما القديمة، ارتبط التحويط في الغالب بعذارى فيستال، أي تم تنفيذ هذه العقوبة لمن أدينت منهن بنقض نذور العفة.

وعذارى فيستال اتحاد من الكاهنات اللاتي خدمن إلهة موقد النار الرومانية فيستا، حسب ما نشرته مجلة Ancient Origins الأيرلندية. 

وكان من أهم واجبات هؤلاء الكاهنات رعاية شعلة النار الأبدية في معبدها، التي مثَّلت حماية فيستا للمدينة، وكان انطفاء هذا اللهب المقدس نذير شؤم. وبالنظر إلى أنَّ عذارى فيستال كن مسؤولات عن رفاهية روما، فقد مُنِحَن امتيازات غير عادية.

من ناحية أخرى، تمت معاقبة أي عذراء تُهمِل واجباتها. ومن بين أخطر الجرائم اللاتي يمكن أن يرتكبنها هي خرق نذر العفة، وإحدى العقوبات اللاتي تُنفَّذ بحق من ترتكب هذه الجريمة هي التحويط.

على سبيل المثال، كتب المؤلف الروماني بليني الأصغر، في رسالة إلى صديق، عن دفن إحدى عذارى فيستال، وتُدعَى كورنيليا، بأمر من الإمبراطور دوميتيان. ولحسن الحظ، لم يُنفَّذ إجراء قتل عذراوات فيستال إلا في مناسبات نادرة.

ممارسة التحويط

منغوليا.. والتحويط الجنائزي

برغم أنَّ التحويط غَلَب عليه طابع العقاب، لكن استُخدِم أيضاً لأغراض أخرى، فكان على سبيل المثال شكلاً من أشكال التضحية البشرية. ويمكن العثور على حكايات النخبة الذين دُفِنوا مع خدمهم أو عبيدهم ضمن طقوس جنائزية في مختلف الثقافات القديمة. 

ويُعتقَد أنَّ هؤلاء الأشخاص قُدِّموا قرابين حتى يتمكنوا من مرافقة أسيادهم في الحياة الآخرة.

في بعض الحالات، قُتِل ضحايا القرابين قبل دفنهم. وفي حالات أخرى، دُفِنوا أحياء؛ إذ ذُكِر مثال على هذا الأخير في كتاب رحلات ابن بطوطة، الرحالة من القرن الرابع عشر من طنجة، المغرب.

كتب ابن بطوطة، في حكاياته عن زيارته للصين، التي كانت تحكمها سلالة يوان المغولية آنذاك، عن استخدام التحويط لتقديم القرابين البشرية.

وبحسب ابن بطوطة، فقد قُتِل القان قبل وصوله إلى القصر. ويمضي ابن بطوطة في وصف جنازته قائلاً:

"ثم جيء بالقان المقتول، وبنحو مئة من المقتولين بني عمه وأقاربه وخواصه. فحُفِر للقان ناووس عظيم، وهو بيت تحت الأرض، وفُرِش بأحسن الفرش وجُعِل به القان بسلاحه، وجُعِل معه ما كان في داره من أواني الذهب والفضة، وجُعِل معه أربع من الجواري، وستة من خواص المماليك، معهم أواني الشراب. وبُنِي باب البيت، وجُعِل فوقه التراب حتى صار كالتل العظيم".

ممارسة التحويط
مورس هذا النوع من الانتحار الديني في الهندوسية والجاينية (اليانيّة) والبوذية/ Istock

أطفال الإنكا

في حالة ما يُسمى بـ"أطفال لولايلاكو" أو "مومياوات لولايلاكو"، التي اكتُشِفَت على حدود تشيلي والأرجنتين في ما كان يوماً جزءاً من إمبراطورية الإنكا، نجد أدلة أثرية تثبت التضحية بهؤلاء الأطفال عن طريق الدفن أحياءً. 

و"أطفال لولايلاكو" هم ثلاث مومياوات، يُطلَق عليها أسماء "بِكر لولايلاكو" و"صبي لولايلاكو" و"فتاة البرق". واكتُشِفَت المومياوات الثلاث في عام 1999، وتبع ذلك إخضاع الرفات لتحليلات كيميائية حيوية. وتشير نتائج هذه الاختبارات إلى أنَّ الأطفال الثلاثة اختيروا قبل عام من التضحية بهم، وشاركوا في طقوس مختلفة على مدار العام. وتدعم هذه النتائج ما جاء في السجلات التاريخية.

بالإضافة إلى ذلك، تكشف الاختبارات العلمية عن النظام الغذائي للأطفال قبل التضحية بهم. فقد وُجِدت، على سبيل المثال، زيادة في استهلاك الكوكا والشيشا، وهو كحول مصنوع من الذرة المُخمَّرة، في الأسابيع القليلة الأخيرة من حياة "بِكر لولايلاكو".

ويُعتقَد أنَّ المخدرات والكحول استُخدِمَت لإدخالهم في حالة غيبوبة، أو حتى يفقدوا وعيهم في يوم التضحية. ثم أُخِذَت هي والطفلان الصغيران إلى بركان لولايلاكو، حيث وُضِعوا في مقابرهم، وتُرِكوا ليموتوا. ويُعتقَد أنَّ ارتفاع نسبة الكحول في أجسامهم إلى جانب البرد تسبّبا في وفاة الأطفال الثلاثة.

البوذية 

ليس من الواضح تماماً ما إذا كان استخدام التحويط أو الدفن أحياءً في حالات التضحية البشرية قد حدث برغبة الضحايا أم ضدها. وقد اتُّبِعَت هذه الممارسة أيضاً للتَّنَسُّك، ومن شبه المؤكد أنَّ ممارسيها قد خضعوا لها طواعية. 

ومورس هذا النوع من الانتحار الديني في الهندوسية والجاينية (اليانيّة) والبوذية، ويمكن العثور على أمثلة في المصادر المكتوبة. ومع ذلك، فإنَّ أبرز أشكالها هو التحنيط الذاتي الذي يمارسه بعض الرهبان البوذيين.

ربما تكون أفضل الأمثلة المعروفة لرهبان بوذيين حنطوا أنفسهم وهم على قيد الحياة هي تلك الموجودة في اليابان، حيث يُطلَق عليهم اسم سوكوشينبوتسو (بمعنى "بوذا في هذا الجسد بالذات"). 

ووفقاً لمقال من عام 2016، هناك 16 مومياء سوكوشينبوتسو معروفة في اليابان، على الرغم من أنه يُعتقَد أنَّ هناك العديد منها التي لم تُكتَشف بعد.

ويُعتقَد أنَّ هؤلاء الرهبان حنّطوا أنفسهم في محاولة لتقليد كوكاي، الراهب الياباني من القرن الثامن/التاسع الذي أسَّس مدرسة شينغون البوذية.

واستغرق الراهبون اليابانيون سنوات من المحاولات والأخطاء للوصول إلى أمثل طريقة لتحنيط أنفسهم. ويحتاج تنفيذ هذه العملية إلى 3 سنوات على الأقل، ويأتي في قلبها ممارسة "موكيوجيكيو" أو "التدريب على أكل الأشجار".

ومن الناحية البيولوجية، يعمل "موكيوجيكيو" على تخليص الجسم من الدهون والعضلات والرطوبة، فضلاً عن قطع العناصر الغذائية من الطفيليات والبكتيريا في الجسم. ويساعد كلا التأثيرين في الحفاظ على الجسم من التعفن بعد الموت.

مباركة المباني الجديدة

بقدر ما يكون التحويط مخيفاً، فإن استخدامه كوسيلة للتضحية البشرية في تشييد المباني ربما يكون أكثر إثارة للقلق. في جميع أنحاء أوروبا، عُثر على جثث مدفونة في المباني والجسور التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، كما نشر موقع All That's Interesting

وتردد العديد من الأغاني الشعبية هذه الممارسة للتضحية بذبيحة بشرية لمعالجة المشاكل في مشروع بناء أو لمنحه القوة، حسب ما نشره موقع Ranker.

ومن الحوادث الموثقة النهاية المؤسفة للزوج الثالث لملكة أسكتلندا ماري، جيمس هيبورن  والذي اتُّهم بالخيانة. 

بعد فراره من أسكتلندا، تم القبض عليه في الدنمارك؛ حيث سُجن تحت قلعة دراغشولم. تم وضعه في حفرة لم تكن كبيرة بما يكفي ليقف فيها ويعيش من بقايا الطعام في الظلام الدامس.

وسواء تم استخدام التحويط كشكل من أشكال عقوبة الإعدام أو التضحية البشرية، لا يمكن تلخيص الأمر إلا كمثال على القسوة التي لا توصف والتي تعتبر العديد من الثقافات مذنبة بممارستها لفترة طويلة جداً. 

تحميل المزيد