أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الخميس 15 يوليو/تموز 2021، أن بعض الجنود الكولومبيين السابقين الذين اعتُقلوا إثر اغتيال رئيس هايتي، جوفينيل مويس، سبقَ أن تلقوا تدريبات عسكرية مع الجيش الأمريكي، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات جديدة حول علاقة الولايات المتحدة بعملية الاغتيال.
تدريبات عسكرية أمريكية
حيث قال اللفتنانت كولونيل كين هوفمان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، إن عدداً صغيراً من المحتجزين تلقوا تدريباً لدى الجيش الأمريكي، إذ شاركوا في برامج تدريبية وتعليمية عسكرية أمريكية، في أثناء فترة خدمتهم بالقوات العسكرية الكولومبية، وذلك استناداً إلى قواعد بيانات التدريب الخاصة بهم، طبقاً لما أوردته صحيفة The Washington Post الأمريكية، في تقرير لها نُشر الخميس 15 يوليو/تموز 2021.
أضاف المتحدث باسم البنتاغون أن مراجعة البنتاغون للبيانات المتوافرة لديه مستمرة، فيما لم يذكر على وجه التحديد عددَ الرجال الذين تلقوا تدريباً أمريكياً أو ما الذي ينطوي عليه ذلك بالضبط، مؤكداً أن التدريب العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لقوات أجنبية يهدف إلى تعزيز "احترام حقوق الإنسان، والامتثال لسيادة القانون والجيوش التابعة للقيادة المدنية المنتخبة ديمقراطياً"، رافضاً الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.
كانت السلطات في هايتي قد أكدت أن مويس قُتل بالرصاص في منزله بالعاصمة بورت أو برنس خلال الساعات الأولى من صباح الأربعاء 7 يوليو/تموز، على يد فريق اغتيال يضم 26 كولومبياً ومواطنين اثنين من هايتي يحملان الجنسية الأمريكية. واحتجزت السلطات 18 كولومبياً، وقتلت الشرطة ثلاثة آخرين.
فيما أدى اغتيال مويس إلى وقوع هايتي بشكل أكبر في أزمة سياسية قد تؤدي إلى تفاقم الجوع المتزايد وعنف العصابات وتفشي كوفيد-19.
كان مسؤولون كولومبيون أعلنوا في البداية، أن 13 إلى 15 كولومبياً من الأشخاص المشتبه بمشاركتهم في عملية الاغتيال التي وقعت في 7 يوليو/تموز، سبقَ أن خدموا في الجيش الكولومبي، ومنهم الشخصان اللذان قتلتهما قوات الأمن الهايتية بعد اغتيال مويس في منزله.
"مؤامرة اغتيال رئيس هايتي"
في هذا الصدد، أكد رئيس كولومبيا، إيفان دوكي، الخميس 15 يوليو/تموز، أن بعض الجنود الكولومبيين السابقين المتهمين بالضلوع في اغتيال رئيس هايتي، جوفينيل مويس، ذهبوا إلى تلك الدولة للعمل في الحراسة الشخصية، لكن آخرين كانوا يعلمون بوجود مؤامرة.
دوكي أضاف، في تصريح لمحطة إذاعية: "كانت هناك مجموعة كبيرة نُقلت (إلى هايتي) للعمل في مهمة حماية مفترضة، لكن مجموعة أصغر بداخلها كانت لديها معرفة تفصيلية بالإعداد لجريمة"، متابعاً: "هل يعفي هذا باقي المجموعة؟ للأسف لا، لأنهم كانوا مشاركين في الموقف".
في حين أشار قائد الشرطة الكولومبية، الخميس، إلى أن السلطات في هايتي هي التي تقود التحقيق.
في السياق، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الخميس، أن السلطات في هايتي ألقت القبض على رئيس أمن القصر الرئاسي في إطار التحقيقات في اغتيال مويس، منوهة إلى أن الادعاء في هايتي يسعى لمعرفة سبب عدم مواجهة المهاجمين مقاومة كبيرة في مقر إقامة الرئيس الراحل.
بدوره، نوَّه قائد القوات المسلحة الكولومبية، الجنرال لويس فرناندو نافارو، خلال الأسبوع الماضي، إلى أن "الاستعانة بجنود كولومبيين للقتال بمناطق أخرى من العالم في صورة قوات مرتزقة، مسألة موجودة منذ فترة طويلة، لأنه ببساطة لا يوجد قانون يحظرها".
"انتهاك حقوق الإنسان"
إلى ذلك، قال ثلاثة مسؤولين أمريكيين، الثلاثاء 13 يوليو/تموز، إن الولايات المتحدة أرسلت عدداً صغيراً من العسكريين لتعزيز أمن سفارتها في هايتي بعد اغتيال مويس.
من جانبه، قال السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي، الذي ينص مشروع قانون تقدَّم به على ضرورة مراقبة المساعدات العسكرية الأمريكية الموجهة إلى الخارج، والتي قد تستخدم في انتهاكات حقوق الإنسان، إن الحادث كان أشبه بتذكيرٍ عصيٍّ على الإنكار بأن المساعدات الأمريكية للدول الأخرى يمكن أن تنصرف إلى مسارات غير متوقعة.
وأضاف ليهي: "ما حدث يوضح لنا أن تدريب الجيش الأمريكي للجيوش الأجنبية، وإن كان هدفه المصرح به بناء الاحترافية واحترام حقوق الإنسان، فإن الواقع أن التدريب يكون صالحاً بقدر صلاح المؤسسة نفسها"، مشدّداً على أن "الجيش الكولومبي، الذي دعمته أمريكا لما يزيد على 20 عاماً، لديه تاريخ طويل في استهداف المدنيين، وانتهاك قوانين الحرب، وانعدام المساءلة. وهو ما يكشف عن مشكلة داخلية في ثقافة هذه المؤسسة".
شراكة أمريكية – كولومبية
يشار إلى أن القوات الكولومبية، وغيرها من قوات الأمن في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، تلقت تدريباً وتعليماً عسكرياً في الولايات المتحدة. وقد كانت كولومبيا، على وجه الخصوص، شريكاً عسكرياً مهماً للولايات المتحدة لعقودٍ من الزمن، حيث تلقت مليارات الدولارات الأمريكية منذ عام 2000، ضمن جهودها لمحاربة عصابات تهريب المخدرات والمقاتلين اليساريين والميليشيات العسكرية اليمينية المتطرفة، وفق صحيفة The Washington Post.
هذه الجهود شملت عمليات عسكرية جرت بدعمٍ من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعلاقات وثيقة بين أفراد الجيش الكولومبي والقوات الخاصة الأمريكية، التي شاركت في تدريب نظرائها من قوات النخبة الكولومبية في حرب العصابات. كما أُنشئت مدرسة كوماندوز لتخريج قوات خاصة كولومبية على غرار مدرسة "رينغر" الأمريكية. وتعود شراكة الجيشين إلى خمسينيات القرن الماضي، على الأقل.
كما يستخدم الجيش الكولومبي أسلحة ومعدات قدمتها إليه الولايات المتحدة بموجب اتفاقية خضعت للتدقيق في وقت سابق من هذا العام، بعد أن قتلت الشرطة هناك عدداً كبيراً من المتظاهرين خلال احتجاجات على مقترحات حكومية بفرض مزيد من الضرائب.
في حين كشف تحقيق ذو صلة، نشرته صحيفة The Washington Post في مايو/أيار الماضي، أن قوات الأمن الكولومبية تجاوزت قواعد الاشتباك المسموح بها في بعض المواجهات التي أسفرت عن قتلى بين المحتجين.
كان القتال في حروب كولومبيا التي استمرت عقوداً، قاعدةً انطلق منها كثير من المحاربين العسكريين القدامى لتوظيف خبراتهم الممولة من الولايات المتحدة في صراعات عالمية أخرى، مثل اليمن.