وداعٌ من خلف القضبان.. عن الأسيرة الفلسطينية خالدة جرار التي حُرمت جنازة ابنتها

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/14 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/14 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
جنازة الشابة سهى نجلة الأسيرة الفلسطينية النائبة خالدة جرار، التي ودعت نجلتها بوردة من خلف القضبان/ الأناضول

يصرّ محرر الموقع على أن أكتب، وأنا أقول له: لا لغة تفي الشعور، فأنا من الأشخاص الذين إذا شعروا لم يتمكنوا من الكتابة، لأن كل مفردات اللغة لا يمكنها أن تصف ما يمرّ بالإنسان وما يمرّ الإنسان من خلاله، فمثلاً حالة أم فلسطينية أسيرة منذ عامين في سجون الاحتلال وفقدت ابنتها الشابة بالموت المفاجئ، الموت الشعوري بالحنين والاشتياق واللوعة الذي حال بين خالدة جرار وابنتها سهى نتيجة الأسر، ثم الموت الأبدي الذي فرّقهم وأبقى للحنين والشوق ألف باب.

تخيّل عزيزي كيف يمكن لنا أن نكتب عن حالة خالدة جرار، وهي في حالة نضال ضد المشروع الاستعماري الصهيوني، تُحرم من حريتها خلف قضبان السجون وتحرم من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على ابنتها أو تشييع قلبها إلى مثواه الأخير.

لا أعلم إن كان ثمّة غرابة كبيرة في نمط الحياة التي يعيشها العربيّ على أرضه التي يحاول العالم كله أن يقنعه بأنها ليست أرضه، وأن موروثه الثقافيّ لم يعد يُجدي نفعاً، حتى باتت الخيانة مهنة عادية بعد أن كانت جريمة في قاموس أجدادنا.

تخيل عزيزي القارئ أننا نبحث عن الحياة في الحياة، بينما من المفترض أن نبحث كيف نعيش الحياة، تخيّل أن خالدة جرار وهي النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني، أي إنه من المفترض أنها تمتلك حصانة دولية من الاعتقال، كانت تطالب بحقها في المشاركة بحزنها على فقيدتها المدللة سهى من خلال تشييعها وحضور جنازتها، ولكن عبثاً تحاول. الاحتلال الصهيوني القائم على فكرة الإقصاء لكل ما هو ليس صهيونياً رفض الإفراج المشروط عنها أو مجرد خروجها لتلقي النظرة الأخيرة على فقيدتها.

كشعب فلسطيني، لا تمرّ أكثر من 12 ساعة دون حدث كبير يخطف أنظارنا، ما يشتت القلب والهمّ العام، فلا مجال لهمومك الخاصة طالما أن الهمّ الخاص يعود في نهايته إلى الهمّ العام، المتمثل في فساد نظام يمثل القضية الفلسطينية أمام العالم، هذا النظام الذي بات يعطي أوامر قتل معارضيه ثم قمع المطالبين بإنهاء الفساد وسحل الصحفيين ورفض السماح لهم بممارسة عملهم في نقل الصورة الصحيحة، سيقول لي الكثير من العرب إنهم اعتادوا من أنظمتهم على هذا الأمر، وسأقول لهم: بينما نحن تحت احتلال فمن المعيب أن نخرج أحقادنا على بعضنا، فوضعنا استثنائي، نحن محتلون!

إن محاولات الإقصاء المستمرة من طرف حيال آخر لن تؤتي أكُلها، فالأمر يُعرف بنقيضه ومن لا يريد أن يرى نقيضه لن يرى نفسه أيضاً. حقيقةً لا أعلم إلى أين تتجه الأمور، كل ما أعرفه أننا في مرحلة وعي كبيرة لدى المواطن الفلسطيني أن ما يجري هو نهب للبلاد، ويتم دفع فاتورة هذا الوعي بالدماء والجراح الجسدية والنفسية، وكل ما أعرفه أيضاً أن الإنسان الذي يعيش الهمّ العام بتفاصيله يموت سريعاً، لأنه لا بلادة مع القهر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رولا حسنين
صحفية ومدوّنة ومُعلمة فلسطينية
حاصلة على درجة البكالوريس في الإعلام والعلوم السياسية ودرجة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بيرزيت- فلسطين
تحميل المزيد