يقاطع فطورك الصباحي قبل أن تكمل غمس لقمة الزيت في صحن الزعتر، بينما يرتدي أطفالك زي المدرسة، هاتفٌ مفاده "سيتم هدم بيتكم"، وما بعد الجملة ليس فاصلة منقوطة تقول لك السبب، ما فائدة معرفة السبب؟ وهل السبب مقنع؟ حين يكون الخصم والحكم شخصاً واحداً، من أصغر شرطي إسرائيلي إلى أكبر محكمة في الكيان المحتل.
انتهج المحتل منذ بدء وجوده على أرض فلسطين سياسة هدم البيوت، في البداية كان يفجر أي بيت يحتمي به المقاومون، وأحياناً يحرق القرية كلها، أو يسمم ماءها، أو يجمع سكانها في بئر! كل هذا كان بيد قائد الجيش صاحب البدلة العسكرية واليد التي تقطر دماً.
والآن، لم يختلف الوضع إلا أن الهدم صار معولاً بتبليغات ذات ملف مختوم من محكمة، هو نوع من وجه الدولة الديمقراطية، لا لن نهجم عليكم على حين غرة مثل الغزاة، سنأتيكم بكامل ديمقراطيتنا ونقول لكم "أمامكم مهلة صغيرة وتقرروا إما أن تهدموا بيوتكم بأيديكم أو سنهدمها لكم، لكن عليكم دفع التكاليف".
أي مشهد كوميدي هذا؟! أنت أمام خيارين نتيجتهما واحدة؛ أنك ستكون بلا بيت، لكن من تعاطفنا معك نقدم لك عرضاً بسيطاً إما أن تكون بلا بيت، أو أن تكون بلا بيت مع دَين يقدر بملايين الشواكل، تكلفة الجرافات التي ستأتي وتقوم بالهدم!
يستيقظ صباحاً، وقبل أن يغمس زيته في الزعتر يجمع شهادات ميلاد أطفاله، والشهادات الجامعية والمدرسية، والصور، وبعض الملابس، وبعض الأوراق الثبوتية التي تُثبت أنه فلسطيني مقهور، ثم يأخذ بعض المعدات ويجمع شباب الحي ويبدأ بهدم غرف النوم والصالة وكل ما يشير أن إنساناً فلسطينياً عاش هنا، مشهد لا تستطيع أن تقدمه أكبر سينما عالمية! وقبل أن تشاهده وأنت تتناول الفشار رش قهرك بدلاً من الملح.
هناك أنواع لأسباب هدم المنازل -حسب ديمقراطية الاحتلال- أولها أن يكون بيتك بلا ترخيص، فيجب هدمه لأنك مخالف، وتؤثر على المصلحة العامة مثل حي البستان، وللمفارقة يكفي أن يشير المستوطن إلى قطعة أرض يريد البناء بها فيأتيه الترخيص والدعم لذلك.
ثانياً: الهدم العسكري، بحجة حماية المستوطنات والجنود، وكأنهم رغم عتادهم تنقصهم حماية!
ثالثاً: الهدم من أجل العقاب، حيث يقوم المحتل بهدم بيت أي مقاوم قام بعملية، سواء نجحت أو فشلت، سواء كان هناك ضحايا أو لم يكن، سواء أكانوا قتلى أو جرحى، وسواء قتل المنفذ أم لم يقتل، في كل الحالات يتم هدم بيت عائلته كنوع من العقاب الجماعي، وفيه نوع من التهديد والضغط ونبذ أي تصرف فردي ثوري، لأن عائلتك كلها ستدفع الثمن، وأحياناً من شدة الهدم وقوته تُهدم بيوت جيرانك الذين يسكنون في العمارة ذاتها! ما يُشكل حالة حذر وخوف ونبذ.
هي سياسة التطهير العرقي ذاتها التي ما زالت مستمرة، بداية من الشيخ جراح، إلى حي البستان، إلى قرية لفتا، إلى حي وادي قدوم… وغيرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.