امتدت الأزمة السياسية في تونس لتصل إلى العلاقة بين رئيس الحكومة هشام المشيشي، وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، هذا الأخير الذي عبَّر عن عدم رضاه عن الأداء الحكومي، وطالب بتعديل وزاري عاجلٍ.
ودعت حركة النهضة، التي تترأس البرلمان التونسي، إلى تغيير شكل حكومة هشام المشيشي، من حكومة تكنوقراط إلى حكومة سياسية، وسط تصاعد الخلافات بين رئيس الحكومة وحركة النهضة من جهة، ومكونات الحزام البرلماني الداعم للحكومة من جهة أخرى.
"النهضة" والمشيشي.. ما سبب الخلاف؟
أكدت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، أن حركة النهضة طالبت رئيس الحكومة، هشام المشيشي، بإقالة مدير ديوانه المعز لدين الله المقدم، الذي تتهمه الحركة باتخاذ قرارات ليست من صلاحياته، والتسبب في أزمة بالقصبة (مقر الحكومة).
وتشير المصادر ذاتها إلى أن رئيس حركة النهضة طرح هذه المسألة على رئيس الحكومة في اللقاء الذي جمعهما في منزل الغنوشي، برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، لكن رئيس الحكومة أصر على بقاء مدير ديوانه الذي عمل معه سابقاً في أكثر من خطة والذي يثق به كثيراً.
وتسبب المقدم، وهو صهر رئيس كتلة الإصلاح حسونة الناصفي (كتلة داعمة للحكومة حالياً)، في خلافات داخل الحزام البرلماني الداعم لحكومة المشيشي، إذ تعتبر كل من حركة النهضة و"قلب تونس" أن مدير ديوان رئيس الحكومة هو المتحكم الفعلي في الحكومة وفي خياراتها، خاصة في التعيينات الأخيرة التي أصدرتها حكومة المشيشي.
وتعارض كتلة الإصلاح دعوة "النهضة" و"قلب تونس" إلى إقالة المقدم وتشكيل حكومة سياسية، وفق ما أكده رئيس الكتلة البرلمانية.
ومن جهته أكد المحلل السياسي مختار كمون لـ"عربي بوست"، أن "دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة سياسية ما هي إلا مناورة من الحركة لتركيز أقدامها في القصبة بعد أن أيقنت أن المشيشي بدأ يشتغل لحسابه الخاص، وأنه يسير على خطى يوسف الشاهد (رئيس الحكومة الأسبق)، الذي انقلب على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ودخل في تحالف براغماتي مع حركة النهضة قبل البدء في العمل لفائدته ومصالحه الشخصية".
وأضاف كمون أن "النهضة تُريد الضغط على المشيشي من أجل إدخال تغييرات على ديوانه، خاصةً مدير الديوان الذي أشرف في حكومة مهدي جمعة على مراجعة التعيينات التي قامت بها حكومة علي العريض (النهضة) وقبلها حكومة الجبالي (النهضة)".
وأشار المتحدث إلى أن "النهضة حالياً كمن يسير على السكين، إذا تركت المشيشي في القصبة حراً سيفعل ما يشاء ويواصل تحجيم دورها والاشتغال على حسابه الخاص، وإذا ضغطت عليه استقال وأعاد التكليف إلى قيس سعيد".
طفى اسم وزير الصحة السابق، عبداللطيف المكي، على السطح خلال الأيام الماضية، حيث رجح عدد من التقارير أن يتولى من جديدٍ حقيبة وزارة الصحة خلفاً للوزير الحالي فوزي المهدي.
وفيما نفى القيادي بحركة النهضة عبداللطيف المكي أن تكون حركة النهضة قد اقترحته لخلافة المهدي على رأس وزارة الصحة، تشير مصادر مطلعة على المشاورات لـ"عربي بوست"، إلى أن هناك توافقاً داخل الحزام البرلماني، خاصة بين حركة النهضة وقلب تونس، على ضرورة تولي المكي وزارة الصحة؛ نظراً إلى خبرته في هذه الوزارة (حكومة الفخفاخ)، ونجاحه في قيادة الإطار الطبي خلال الموجة الأولى لفيروس كورونا والوصول بالبلاد إلى صفر حالة إصابة.
وتشير المصادر ذاتها إلى أنه من المؤكد أن عبداللطيف المكي سيكون وزيراً للصحة في حال المضي قدماً بالتعديل الوزاري الذي ترغب النهضة في إجرائه، خاصةً أن الحركة ورئيس الحكومة هشام المشيشي يشتركان في عدم الرضا عن أداء وزير الصحة الحالي.
حكومة المشيشي.. ضعيفة!
تعيش تونس منذ أشهرٍ، أزمة سياسية غير مسبوقة، بين كل المكونات التي تُسيّر البلاد، الأمر الذي انعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وحتى الصحي، إذ رفعت تونس راية الاستسلام أمام انتشار غير متحكم فيه لفيروس كورونا.
الأزمة الاجتماعية دفعت حركة النهضة إلى المطالبة بتغيير جذري في الحكومة الحالية، وتعويض الوزراء بآخرين من أحزابٍ سياسية؛ وذلك للقفز على ما تعيشه تونس اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً.
نور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة، قال إن "دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة سياسية تأتي من قناعتها بأن هذه الحكومة ضعيفة وغير قادرة على الاستجابة للأزمات التي تمر بها البلاد خاصُة الأزمة الصحية، إذ فشلت في مواجهة تفشي فيروس كورونا".
وأكد البحيري في تصريح لـ"عربي بوست"، أنَّ "ضعف الحكومة الحالية يعود بالأساس إلى تعطيل رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، للتعديل الوزاري منذ أشهر، وهو ما جعل الحكومة تعمل بعددٍ محدود من الوزراء".
وأضاف القيادي في حركة النهضة أن "الحكومة بحاجة إلى تغيير في آليات وخطط مواجهة أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد"، مضيفاً أن "تقدير حركة النهضة هو أنه يجب تغيير شكل الحكومة من حكومة تكنوقراط إلى حكومة سياسية، تكون مفتوحة أمام كل الأحزاب، شرط التوافق على أولويات الحكومة المقبلة".
معارضة مقترح "النهضة"
وأمام دعوة حركة النهضة إلى تغيير شكل الحكومة، ترى أطيافٌ سياسية بتونس أن الحركة تتحمل مسؤولية كبيرة عن الوضع الذي وصلت له تونس، خصوصاً أنها تقف في صف رئيس الحكومة.
في سياق متصل، أكد الأمين العام لـ"حركة الشعب"، زهير المغزاوي، لـ"عربي بوست"، أن "دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة سياسية نوع من التنصل من مسؤوليتها عن فشل الحكومة في مجابهة أزمة كورونا والتعاطي مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، والحال أنها الداعم الأول لحكومة المشيشي الذي يأتمر بأوامره".
وأوضح المغزاوي أن "حركة الشعب غير معنية بالمشاركة في هذه الحكومة ولن تدخل في أي مشاورات بهذا الشأن"، معتبراً أن "غاية حركة النهضة الوحيدة من هذا المقترح هي أن تزيد من سيطرتها ونفوذها في حكومة المشيشي من خلال فرض تعيينات الولاة والمعتمدين".
أيضاً، يعارض التيار الديمقراطي وحزب تحيا تونس، المشاركة في هذه الحكومة السياسية التي دعت إليها حركة النهضة، وفق تصريحات مسؤولي الحزبين.
هل تتمسك النهضة بالمشيشي؟
أوضح القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، أن "النهضة وشركاءها لا يفكرون في تغيير رئيس الحكومة، الذي أكد عزمه على التعاون مع كل الأحزاب لإيجاد الحلول الكفيلة بالخروج بالبلاد من هذه الوضعية الصعبة التي تعيشها"، مشدداً على أن "الأولوية هي سد الشغورات في عدد من الحقائب الوزارية، وتعيين كفاءات وطنية على رأس عدد من الوزارات الحساسة التي تتطلب تغييراً في التوجهات واستراتيجية تنفيذها".
ولم يخفِ البحيري أن إمكانية تغيير رئيس الحكومة، هشام المشيشي، قد تخلق أزمة جديدة مع رئيس الجمهورية، وهو ما تسعى حركة النهضة لتفاديه.