في تصعيد جديد لأزمة سد النهضة، أكد عضو في فريق التفاوض الإثيوبي بشأن السد، الثلاثاء 13 يوليو/تموز 2021، أن بلاده "لا تحتاج إلى مباركة السودان ومصر لملء السد"، مشدّداً على أنه لا يمكن لبلاده فنياً إيقاف التعبئة الثانية للسد التي تثير رفضاً وغضباً واسعاً من قِبل دولتي المصب.
جاء ذلك خلال مقابلة لـ"زيرهون إبيبي" مع قناة "الجزيرة مباشر" الفضائية، بعد نحو أسبوع من إخطار أديس أبابا كلاً من القاهرة والخرطوم ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه.
حيث قال "إبيبي" إن "إثيوبيا لا تحتاج لمباركة السودان ومصر، وليس عليها أن تدخل في اتفاق ملزم قانونياً لهذا الملء، وثمة 3 أسباب لذلك".
هذه الأسباب، وفقاً له، هي "كون إثيوبيا تساهم بتدفق 86% من مياه النيل، ما يعادل 77 مليار متر مكعب، واتفاق المبادئ (الموقع بين الدول الثلاث) في 2015 يتيح التشييد والملء معاً، واستحالة وقف الملء لأسباب طبيعية".
جدل الوساطة الرباعية
فيما تمسك بالتدخل الإفريقي فقط في الأزمة، رافضاً أي وساطة أخرى، في إشارة إلى مطلب سوداني دعمته لمصر لتوسيع الوساطة بضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن "الغرض الأهم للسد هو توليد الكهرباء، كما أنه يسمح بحجز حصتنا من المياه".
المسؤول الإثيوبي أوضح أن "القانون الدولي لا يوجد فيه ما يسمى بالحق التاريخي لحصص مياه النيل"، داعياً إلى نقاش حول مشاطرة حصص مياه نهر النيل بـ"شكل منصف"، على حد تعبيره.
كانت وزارة الخارجية الإثيوبية قد دعت في بيان صدر الثلاثاء، القاهرة والخرطوم إلى التفاوض "بحسن نية" حول "سد النهضة"، مشيرة إلى "التزامها" بإنجاح المفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الإفريقي.
وأضاف البيان الإثيوبي أن "المفاوضات الثلاثية بشأن السد كانت جارية بين إثيوبيا ومصر والسودان للتوصل إلى نتيجة بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة، وفقاً لإعلان المبادئ. لكن من المؤسف أن يتم تسييس تقدم المفاوضات"، حسب قولها.
استقرار المنطقة
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، شدّد رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بالخرطوم، روبرت فان دن دوول، على ضرورة تحقيق الاستقرار عبر الاتفاق بين السودان ومصر وإثيوبيا حول قضية سد النهضة وجعلها عاملاً للتعاون الاقتصادي بدلاً من التنافس.
إلى ذلك، بحث مجلس الدفاع والأمن بالسودان (أعلى هيئة أمنية بالسودان)، الإثنين 12 يوليو/تموز، "خيارات" حفظ حقوق بلاده في أزمة سد "النهضة"، مقرراً عقد اجتماع آخر بهذا الخصوص، منوهاً إلى أنه استمع لشرح بشأن تلك الأزمة، وتدارس "الخيارات والخطوات العملية لاستكمال جهود السودان لحفظ الحقوق والضمانات القانونية الملزمة لكل الأطراف"، دون ذكر تفاصيل بالخصوص.
يذكر أن إثيوبيا أعلنت، الإثنين 12 يوليو/تموز 2021، عن توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا من أجل تعزيز قدرات الجيش ورفع كفاءته، وذلك في ختام منتدى التعاون العسكري التقني الإثيوبي الروسي الحادي عشر، والذي امتد لثلاثة أيام.
فيما ستركز الاتفاقية على تحويل قدرات قوات الدفاع الوطني في مجالات المعرفة والمهارة والتكنولوجيا، طبقاً لما أوردته وسائل إعلام إثيوبية.
مجلس الأمن الدولي
يشار إلى أن مجلس الأمن الدولي كان قد عقد، الخميس 9 يوليو/تموز 2021، جلسة بشأن نزاع "سد النهضة"، هي الثانية من نوعها بعد أولى جرت العام الماضي؛ لتحريك جمود المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان.
لكن المجلس لم يصدر أي قرار بشأن مسودة القرار العربي التي تطالب بمواصلة المفاوضات بين الدول الثلاث لمدة 6 أشهر بغية التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
فيما أعاد مجلس الأمن قضية سد "النهضة" إلى الاتحاد الإفريقي، داعياً الدول الثلاث إلى المضي في مسار التفاوض، ودون تحديد سقف زمني، كما طالبت مصر والسودان.
كانت إثيوبيا قد أخطرت، الإثنين 5 يوليو/تموز، دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، من دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي؛ وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.
فشل متواصل لجولات المفاوضات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني 2021، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
حينها أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوِّحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت، في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.
إذ تُصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنويتين من مياه نهر النيل.
وفي أقوى تهديد لأديس أبابا، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في 30 مارس/آذار الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".