تعيش الجزائر على وقع حرائق مهولة أتت على الأخضر واليابس في العديد من الولايات، لاسيما الشرقية، التي تتميز بجبال شاهقة وغابات كثيفة، قبيل عيد الأضحى، الذي تزدهر فيه تجارة الفحم، وهو ما جعل الكثير يوجه تهماً خطيرة لبارونات الفحم كما يُسمّون في الجزائر.
ويُتَّهم تجار الفحم بافتعال الحرائق لزيادة مواردهم قبيل عيد الأضحى، ما اضطر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى نشر فتوى تُحرّم شراء الفحم هذه السنة، ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد.
فتوى لمنع بيع الفحم
نشرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على صفحتها الرسمية فتوى للدكتور بلخير طاهري الإدريسي الحسني المالكي الجزائري، يحرم فيها شراء الفحم هذه السنة، بسبب الحرائق التي اجتاحت البلاد للحصول على الفحم.
وتقول الفتوى التي نشرتها الجمعية "هناك سماسرة في الفحم يتعمّدون حرق الأشجار، ثم تأتي المطافئ بأطنان من الماء لإخمادها، ثم يأتي هذا السمسار ليجدها جاهزة للبيع، خاصة مع قرب يوم العيد وازدياد الطلب، فضلاً عن الأيام العادية من جهة طلبه من أصحاب المخيمات الصيفية عند الشواطئ" .
وعلى أساس ذلك قالت الفتوى إنه "يحرم شراء هذا الفحم، قطعاً للطريق أمام هؤلاء المفسدين الذي يهلكون الحرث والنسل".
وخلص صاحب الفتوى إلى أن "خلاصتها هي قضية عين، وهي منوطة بالزمان والمكان، وليست قاعدة مستمرة، وتحريم شراء مادة الفحم هو قطع للطريق أمام بارونات الفحم".
وعادت جمعية العلماء المسلمين لتحذف الفتوى، وتوضح أنها لا تتبناها، وإنما نقلتها في إطار نقل الآراء والمساهمات العلمية للأساتذة والمختصين لا أكثر.
وأضافت الجمعية أن موقفها إذا صدر في مسألة حرق الغابات والفحم سيصدر عن طريق بيان واضح وموقّع من طرف رئيس الجمعية.
بارونات الفحم متهمون
توجّه أصابع الاتهام كل سنة إلى تجار الفحم بافتعال حرائق الغابات للحصول على الفحم، لاسيما أن الحرائق تتزامن كل موسم مع عيد الأضحى، الذي تزدهر فيه تجارة الفحم في الجزائر.
ورغم أن فعل قطع الأشجار وحرقها يعاقب عليه القانون الجزائري، حسب النص القانوني رقم 12/84، الذي يوجه عقوبات صارمة إلى كل شخص يقطع الأشجار تصل إلى الحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية، إلا أن الظاهرة في تزايُد مستمر، وأصبحت تمثل هاجساً للسلطات الجزائرية.
وقال رئيس مكتب الوقاية ومكافحة الحرائق بالمديرية العامة للغابات، رشيد عبدالله، لـ"عربي بوست"، إنه "لا يمكن نفي أن هناك من يفتعل الحرائق من تجار الفحم في مثل هذه الأيام التي تزدهر فيها هذه التجارة، لكن بالطبع لا يجب أن نلقي بكل التهم عليهم، لأننا نراقب الغابات جيداً رفقة الدرك الوطني، كما نراقب الطرقات التي تحمل كميات كبيرة من الفحم دون رخصة مسبقة، وهو ما يعني أن الأمر سيكون صعباً عليهم".
وأضاف المسؤول أن "تجار الفحم مرخص لهم من طرف الدولة بالعمل، وهم يشتغلون بمواد وبطرق تختلف عن الأشجار التي تحترق في الغابات، لذلك نستبعد في الكثير من الأحيان أن يكونوا السبب الرئيسي وراء الحرائق التي تعرفها البلاد، وهذا بطبيعة الحال لا ينفي احتمالات وجود متورطين بينهم".
وأضاف المتحدث "في اعتقادنا السبب الرئيسي وراء الحرائق هو العنصر البشري، إضافة إلى درجات الحرارة العالية والرياح".
حرائق مفتعلة
من بين الولايات التي تضرّرت من الحرائق بصفة كبيرة ولاية خنشلة (480 كلم شرقي العاصمة).
وكشفت مديرية حماية الثروة الغابوية، أن حصيلة حرائق ولاية خنشلة تفوق أربع مرات الحصيلة الإجمالية للحرائق المسجلة على المستوى الوطني.
وقالت مديرية الغابات الجزائرية إن الحرائق التي شهدتها ولاية خنشلة مفتعلة ومتعمدة، ودعت المواطنين إلى ضرورة أخذ كل الاحتياطات لتجنب أي شيء من شأنه إتلاف الغابات والمحيط بصفة عامة.
ووفق المصدر ذاته، تم تسجيل 247 حريقاً منذ بداية يونيو/حزيران 2021، وحتى التاسع من يوليو/تموز 2021، وتسببت في إتلاف 740 هكتاراً، منها 247 هكتاراً من الغابات، و202 هكتار من الأدغال، و149 هكتاراً من الأحراش.
وكشف وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود، أن "الحرائق التي اندلعت بولاية خنشلة مفتعلة، وتقف وراءها مجموعات إجرامية"، موضحاً أن "مصالح الأمن قامت بتوقيف عدة أشخاص مشتبه فيهم وستتولى العدالة أمرهم".
وأضاف الوزير: "هناك أشخاص يُخططون لإثارة الفوضى من وراء عمليات حرق الغابات"، مفيداً بأن "عناصر الحماية المدنية قد وجدوا أثناء تدخلاتهم لإخماد النيران داخل الغابات أشخاصاً يحملون دِلاء بنزين ومناشير آلية".
وأعلن المسؤول ذاته أن "بلاده قررت شراء الطائرات البرمائية العملاقة لإطفاء الحراك، باعتبار أن الطائرات المروحية الخاصة بالإطفاء التي تملكها الجزائر لم تعد تفي بالغرض".